الإبهام في العقائد المسيحية
أكتب إليك عزيزى القارئ عن ظاهرة قديمة جديدة وهي الإبهام في العقائد المسيحية خارج الوسط المسيحي ، والإبهام يبدو واضحاً أيضاً لدى الكثيرين من المسيحيين ، وهذه حقيقة قد يتحرّج البعض من أن يقولها بهذه الصراحة ، ونحن لا مفاخرة منّا في قول هذا ، فهو من قبيل نقد الذات والصورة التي نراها تدعو للأسى !…
وقد يرجع الإبهام في العقيدة لدى الكثيرين من المسيحيين مردّه إلى جهلهم بكتابهم الذي منه استقى الأجداد العقيدة السمحة ، ومشوا على هديها. فعقائدنا كمسيحيين لم تأتنا من خيال الناس ، بل استندت على وثيقة ربانية نسميها الانجيل ، أو لو توسعنا نقول " الكتاب المقدس " . فهذا الكتاب مهملٌ اليوم ومنسيٌ لدى الكثيرين منا . ولو رفعنا نسبة الصراحة قليلاً لقلنا أن بعض قادتنا الروحيين معلوماتهم في الكتاب المقدس هزيلة وهشَّة ، وهنا يقع البلاء ، فما بالك بالشعب !.
وفى هذا المقال سأقدم لك ياصديقى لمحةٍ من المعلومات الضرورية عن الكتاب المقدس.
يقسم الكتاب المقدس إلى قسمين : العهد القديم أي التوراة بأسفارها ال 39 . والعهد الجديد أي الانجيل بأسفاره ال 27 . فأسفار العهد القديم أُكملت بوحي من الله قبل ميلاد المسيح بمئات السنين وعلى فتراتٍ زمنية متباعدة ابتداءً بموسى النبي وانتهاءً بملاخي .
أما أسفار العهد الجديد فاكتملت الكتابة بها ما بين عام 60 – 100 ميلادية . والذين كتبوا أسفار الإنجيل كانوا من رسل المسيح وقديسيه وأتباعه المقربين وقد اصطفاهم وألهمهم لهذه المهام. والتاريخ سجّل أن معظم هؤلاء ماتوا استشهاداً بسبب إيمانهم بالمسيح ، وإخلاصهم وولائهم لعقيدتهم . واستشهادهم كان إما على أيدي اليهود أو الرومان حكام ذلك العصر ..
أما لماذا سميت التوراة بالعهد القديم ، والإنجيل بالعهد الجديد ..
سميت التوراة بالعهد القديم إشارة إلى عهد الله مع الشعب الموسوي القديم ، ولما نكث هؤلاء عهدهم مع الله بعد أن اصطفاهم لنفسه كشعب خاص فكسروا العهود ورفضوا المسيح الذي تنبأت عنه نبوات أنبيائهم بمنتهى الوضوح ، تحول الله عنهم وفتح عهداً جديداً لا لشعبٍ واحدٍ بل لكل شعوب الأرض ، وكانت علامة هذا العهد وختمه هو دم الصليب الذي سال فدية لكل شعوب الأرض ، فمن أقبل إليه وقبله ، صار من شعبه ودخل مع الله في عهد جديد ونال الحياة الأبدية فلذلك سمي الإنجيل بالعهد الجديد .
سأل أحدهم سؤالاً يستحق الوقوف عنده والإجابة عليه قال :
لماذا لديكم أربعة أناجيل ؟.. وهل هي متضاربة بعضها مع بعض ؟.. فنقول : صحيح أن لدينا أربعة أسفار يسمى كلٌ منها إنجيل على أسلوب تسمية الجزء باسم الكل . فهذه الأناجيل الأربعة هي أجزاءٌ من الإنجيل الكامل مكملة لبعضها البعض ، وهي تشكل وثائق ربانية شاهدة لسيرة حياة المسيح وتعاليمه ومعجزاته من جوانب متعددة، وكلٌ منها يسمى إنجيل لأن كلمة إنجيل هي كلمة يونانية (وليست عربية) تعني " بشارة سارة " أو خبراً مفرحاً . فالأناجيل الأربعة الصغيرة هي أربعة بشائر سارة ، كل منها يروى جانباً من حياة المسيح لجهة من الناس اهتم بأن يقدم لهم البشرى المفرحة بمجيء المسيح وفدائه بلهجةٍ وأسلوبٍ يتماشى مع طبيعة وحضارة تلك الجهة المستهدفة .فمتّى
وجّه خطابه إلى اليهود فتحدث إليهم بأسلوب يفهمه اليهودي ، ولذلك استشهد انجيل متى بكثير من آيات التوراة التي يعرفها اليهود ، والتي تنبأت عن المسيح كي يدرك اليهودي بأن هذا هو المسيا المنتظر الذي كتب عنه أنبياؤهم ، وهذا شجع أعداداً لا تحصى من اليهود فاستجابوا للدعوة وآمنوا بالمسيح ، وانسلخوا عن جسم يهوديتهم ، وعاشوا مسيحيين .أما
إنجيل مرقس فكُتِبَ بلهجةٍ وأسلوبٍ يفهمه الروماني ، والرومان حينها كانوا ولاة العالم وهم وثنيون ، اضطهدوا المسيحية وقاوموها في بداياتها ، فقبلت الكنيسة المسيحية التحدي بصبرٍ وإيمانٍ ومثابرة إلى أن دخل الرومان في المسيحية ، وانحنى النسر الروماني عند أقدام الصليب .وانجيل لوقا
كتبه لوقا ، وهو طبيب يوناني آمن بالمسيح وتكرس لخدمته ، فكتب الإنجيل المسمى باسمه بلغة ولهجةٍ وأسلوبٍ يستسيغه اليونانيون ، فصار اليونانيون فيما بعد من أول الشعوب التي دخلت المسيحية .أما
انجيل يوحنا فكتبه يوحنا الملقب بيوحنا اللاهوتي يخاطب به المسيحيين أنفسهم لتقوية إيمانهم . ويوحنا هذا هو أحد تلاميذ المسيح الذين لازموه كل الوقت ، وكان يوحنا من أقرب التلاميذ للمسيح ، وهو الوحيد بين رسل المسيح الذي لم يمت استشهاداً ، بل مات منفياً في جزيرة بطمس في الأرخبيل اليوناني ، ومات شيخاً متقدماً في السن في حوالي العام المئة الميلادي .. وفي آخر حياته أوحي إليه بسفر الرؤيا آخر أسفار الانجيل .فخلاصة القول بخصوص الأناجيل الأربعة ،
أنها إنجيل واحد في بشائر أربع . فهذه الأناجيل الصغيرة منسجمة مع بعضها ومكمّلة لبعضها البعض ، وتشكل أربعة شهادات لأقوال المسيح وتعاليمه ومعجزاته وصلبه، وآلامه وموته وقيامته .صديقى الكريم
. . سبق وأشرنا إلى أن الكتاب المقدس مترجم بلغات العالم أجمع . حتى أصبح الكتاب المقدس هو الكتاب الأكثر مبيعاً والأوسع انتشاراً في العالم ، والترجمات تقوم على أيدي لجانٍ من اللاهوتيين ، والعلماء المختصين بدراسة الكتاب المقدس واللغات التي يترجم إليها. وكل ترجمة تتم من اللغة الأصلية لكي تبقى الترجمة أمينة ، وتنقل المعاني الصحيحة لكلمة الله . والحقيقة تقال أن الترجمات المتنوعة لم تفقد الكتاب طلاوته . فكل الشعوب التي وصل إليها هذا الكتاب الرباني استمتعت بقراءته ، وتأثرت بتعاليمه ، واختارت المسيحية لها طريقاً إلى المجد .فما أجمل أن نتعرّف على هذا الكتاب ونقرأه يومياً ، فهو الغذاء الروحي الذي يغذّي نفوسنا ، والنور الإلهي الذي ينير سبيلنا ، والمرشد الذي يقود خطانا . فالذين اعتادوا على قراءته يشهدون أنهم بقراءتهم المستمرة لكلمة الله وجدوا خلاصاً أراحهم من كثير من عقد الحياة . ووجدوا رجاءً أكيداً ، وسلاماً في القلب وغذاءً روحياً ، ووجدوا شفاءً ، وصلاحاً وقوةً ، ونصرة . فكلمة الله تُشَخِّصُ الداء وتصف الدواء . فالمتكبر تعلّمه التواضع ، والحقود تعلّمه التسامح ، والمجرم تعلّمه الصلاح، والسارق تعلّمه الأمانة ، واليائس تمنحه الرجاء ، والفظ تعلّمه اللطف ، والكاره تعلّمه المحبة ، والخاطىء تريه طريق الغفران .
قال أحد الفلاسفة يوماً : لو تأملنا في كلمة الله لوجدنا أنها بمثابة مستشفى ، لأنها تشفي الإنسان من عيوبه ونقائصه ، وترد له السلامة والاتزان . وقال آخر : كلمة الله تشبه الصيدلية فلا يدخل إليها مريض إلا ويجد فيها ما يطلبه من دواء . ففي كلمة الله بلسم للحزين وشفاء للمريض ، وغنىً للفقير وخلاص للخاطئ .
أيها الصديق العزيز .. عليك بالكتاب المقدس .. اقرأه ... تأمل به يومياً .. هو مفتاحك للاقتراب إلى الله.