مكانة المرأة عند بعض الاسلاميين

.. والنظرة الجنسية لها

 

نكاح المتعة والبغاء الشرعي :

 

     جاء في سورة النساء والآية 24 (فما استمتعتم به منهن فاتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به) .

 

     لهذا يعتبر زواج المتعة من الناحية الشرعية مباح ، رغم معارضة بعض الفئات له ، وزواج المتعة في الإسلام هو عبارة عن اتفاق بين رجل وامرأة ، يتم بشروط معينة ولمدة محدودة ، وهو زواج معروف منذ العهد الأول للإسلام على زمن محمد والصحابة ، ولقد مارسه الأوائل الصالحين رضي الله عنهم أجمعين ‍‍‍‍‍.

 

     عن الحكم أنه سئل عن هذه الآية - يعني آية المتعة المنسوخة - قال : لا.عن عمران بن حصين أنه قال نزلت آية المتعة في كتاب الله … وعملنا بها مع رسول الله فلم تنزل آية تنسخها ، ولم ينه عنها النبي .

 

     عن أبي نضرة أنه قال : سألت ابن عباس عن متعة النساء قال : فما تقرأ فيها ، فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ؟ قلت : لو قرأتها هكذا ما سألتك ، قال : فإنها هكذا .  راجع الغدير م6 ص229 .  هذا هو البغاء الشرعي في الإسلام أو كما يطلقون عليه المتعة .

 

     بعد أن بينا من خلال صفحاتنا هذه وبشكل مختصر جدا مكانة ودور وحقوق المرأة المسلمة في صدر الإسلام وكيفية معاملة الرعيل الأول لها .  دعونا الآن ولكن تكتمل الصورة أمامكم ، صورة حقيقة المرأة ومكانتها ودورها وحقوقها في الإسلام أن ننتقل للدكتورة المسلمة نوال السعداوي لنتعرف ومن خلالها على مكانة ودور وحقوق المرأة المسلمة في العصر الحديث .

 

     تقول الدكتورة في كتابها امرأة ضد الجميع : لا يزال في مجتمعنا العربي حتى اليوم عدد غير قليل من الرجال الذين يعارضون خروج المرأة من بيتها للتعلم أو العمل بدعوى المحافظة على أنوثتها أو شرفها (وقرن في بيوتكن) أحزاب 33 ، ويتجاهل هؤلاء الرجال تلك الملايين من النساء الفلاحات اللاتي يخرجن كل يوم من بيوتهن للعمل ، وربما اعتقد هؤلاء الرجال أن الفلاحات لسن نساء ، أو أن العتالات والخادمات ليس لهن أنوثة أو شرف .  وإلا كيف نفسر صمتهم المطبق إزاء خروج هذا العدد الهائل من النساء من بيوتهن كل يوم ؟ ويكف يدعي الرجل منهم غيرته على أنوثة المرأة ورقتها في حين أن شعرة واحدة تهتز في جسده وهو يسير في الشارع وخلفه خادمته البنت الضعيفة الصغيرة تحمل عنه وهو رجل قوي الحقائب الثقيلة ، ولا يهتز الواحد منهم وهو يرى كل يوم طوابير النساء العتالات والكادحات في الحقول والمشاغل والمصانع حيث تعمل المرأة ضعف الساعات التي يعملها الرجل لأنها تعمل خارج البيت وداخله ... وكانت هؤلاء العاملات البائسات المرهقات جسدا ونفسا خارج البيت وداخله هن أول النساء الثائرات في مصر ، وهن أول نساء قمن بالإضراب والاعتصام في المصانع ، والخروج في مظاهرات في الشوارع يطالبن باحترام آدمية المرأة العاملة ، ووضع قانون يحدد ساعات العمل وإجازة وضع .

 

     في ذلك الوقت لم تكن المرأة العاملة تحصل على أي إجازة وضع ، ولهذا كانت تسرع إلى عملها في اليوم التالي للوضع ، وأحيانا كانت تخفي عن صاحب العمل أنها متزوجة من أجل أن يلحقها بالعمل ، كان أصحاب العمل يفضلون البنات أو النساء الغير متزوجات ، وحينما كانت تحمل العاملة منهن فهي تخفي مظاهر حملها كأنما هو غير شرعي ، وكانت معظمهن يلجأن إلى إجهاض أنفسهن بالوسائل الريفية الخطرة ، مثل إدخال عود الملوخية داخل الرحم ، وفي أحيانا كثيرة كانت العاملة منهن تفق

 حياتها بسبب النزيف أو الالتهابات المميتة .

 

     وقد نالت المرأة العربية حق الانتخاب في معظم البلاد العربية .  لكنه وبالرغم من ذلك فإن سنبة النساء اللاتي يشاركن في المجال السياسي أو الانتخابات ضئيلة .  إن النساء المصريات اللاتي يشاركن في الانتخابات للإدلاء بأصواتهن لم يزد عن 1 بالمئة من عدد الأصوات الكلية للناخبين سنة 1956.

 

     ارتفعت هذه النسبة سنة 1972 إلى 12 بالمئة ، أما نسبة النساء العضوات في مجلس الأمة فلم يزد عن 2,5 بالمئة سنة 1976 .

 

     وقد اتضح أن الاعتراف بحق المرأة في الانتخابات أو غيره من الحقوق السياسية لا يحدث تغيرا يذكر في وضع المرأة الأدنى ، سواء ذهبت النساء إلى الإدلاء بأصواتهن أو لم يذهبن ، سواء نجحت بعضهن في الوصول إلى مقاعد في البرلمان أو لم ينجحن فإن وضع المرأة الأدنى لا يتغير كثيرا ، وتبعيتها لزوجها لا تمس ، وتبعيتها لطبقتها الاجتماعية تظل كما هي .

 

     لم يحدث في أي بلد من العالم أن المرأة حصلت على المساواة الحقيقية بالرجل لمجرد حصولها على الحقوق السياسية فقط ، بالرغم مما يصاحب الاعتراف بهذه الحقوق من ضجة كبرى من الديمقراطية وخطب رنانة عن حرية المرأة .  بل إنه اتضح أنه في ظل الأنظمة الإقطاعية والرأسمالية الأبوية كثيرا ما تستخدم أصوات النساء ضد مصلحة النساء الحقيقية ، بمثل ما تستخدم أصوات الفلاحين والعمال ضد مصلحة الفلاحين والعمال .

 

     وبالرغم من أن الثورة المصرية (1952) منحت العمال والفلاحين 50 بالمئة من المقاعد في مجلس الأمة إلا أنها لم تمنح النساء أي عدد من المقاعد .  وبرغم أن الفلاحين والعمال حصلوا على نصف المقاعد نظريا إلا أن الكادحين والعمال لم يصلوا أبدا إلى كراسي مجلس الأمة وإنما وصل إليها رجال من طبقات أعلى تنكروا في زي الفلاحين والعمال ، وقد كان تعريف العامل والفلاح فضفاضا يسمح بدخول أصحاب الدخول الكبيرة ممن لا يفلحون الأرض أو يعملون بأيديهم في المصانع .

 

     ولا أظن أو وضع المرأة يختلف كثيرا ، وربما لو خصص للنساء بعض مقاعد في البرلمان لاحتلتها نساء الطبقة العالية اللاتي يؤيدن النظام والسلطة في معظم الأحيان أو ربما تنكر بعض الرجال في زي النساء واحتلوا مقاعدهن .

 

     وبالرغم من أن المرأة العربية أصبحت وزيرة لأول مرة في مصر سنة 1962 ، وخمسة أو ست نساء دخلن مجلس الأمة إلا أن الأغلبية الساحقة من المصريات لا زلن حتى اليوم أميات جاهلات يكدحن طوال النهار وجزء من الليل في الحقول والمصانع والمكاتب والبيوت (نسبة الأمية بين الإناث 84 بالمئة سنة 1960 ، انخفضت سنة 1976 إلى 71 بالمئة) ويعشن في حال يرثى لها من الإرهاق الجسدي والنفسي تحت سيطرة الزوج أو الأب أو الأخ أو أي رجل آخر من أعضاء الأسرة الأبوية .  بل إن هذه النسبة الصغيرة من النساء اللاتي حظين بالتعليم المتوسط أو العالي فلا زلن أيضا حبيسات التقاليد تحت سيطرة الرجل أيضا وقد زاد عليهن عبء جديد هو العمل خارج البيت .

 

     نظام موظفي الدولة لم يشترط في الوظيفة سوى أن يكون المرشح لها مصريا حسن السيرة مستوفيا شروط السن والأهلية والكفاءة (المادة 6) لكن التفرقة بين الجنسين تحدث في التطبيق العملي لهذا القانون .

 

     مثال ذلك : أنه في قانون القضاء رقم 18 لسنة 1952 تنص المادة 2 على أنه لا يجوز تعيين أحد في وظيفة قاضي إلا بعد التحقيق من كفايته وصلاحيته للقضاء .  وقد استطاع الرجال المسيطرين على القضاء منع دخول المرأة المصرية فيه حتى اليوم بحجة أن الإسلام جعل شهادة الرجل بشهادة امرأتين ، وفسروا هذا بأن المرأة ليست مؤهلة لتولي عمل القاضي لأن الشهادة لا تزيد عن تقرير حادثة في حين أن القضاء حكم في نزاع .

 

     وبالرغم من أن المرأة المصرية أصبحت وزيرة منذ عام 1962 إلا أنها منعت من أن تكون قاضية حتى اليوم .  المصدر السابق ص30 ولا يجوز للمرأة المصرية حتى اليوم تولي الوظائف ذات السلطات التنفيذية كمنصب العمدة في القرى .  وهذا يدل على التناقض الذي يعيش فيه المجتمع العربي الحديث ، ففي الوقت الذي يسمح فيه للمرأة أن تصبح وزيرة وتقود وزارة بها الآلاف من الرجال والنساء وتصدر أكبر القرارات وأخطرها ، يحرم عليها أن تكون قاضية في محكمة صغيرة تبث في بعض المشاجرات والمنازعات الشخصية ، ويحرم عليها أن تكون عمد  في قرية صغيرة تحكم في بعض المشاكل المحدودة .

 

     إن مصر وغيرها من البلاد العربية لا تزال ترى أن المرأة خلقت أصلا لتلعب دور الأم والزوجة من حيث الخدمة في البيت وتربية الأطفال .  ولم يسمح المجتمع العربي للمرأة بالعمل إلا من أجل حاجة اقتصادية ملحة للمجتمع أو لأسرة .  فهي تعمل خارج البيت بشرط أن تعود إلى البيت لتؤدي واجباتها الأساسية نحو الزوج والأسرة والأطفال .  وبرغم أن بعض البلاد العربية كمصر وسوريا والسودان وغيرها قد رفعت بعض الشعارات الاشتراكية إلا أن هذه المجتمعات العربية لم تجد حلولا لمشاكل النساء العاملات وأولها توفير الإمكانيات والمؤسسات في المجتمع التي تحرر المرأة من أعباء الطبخ والتنظيف والخدمة وتربية الأطفال .  المصدر السابق ص32

 

     ومن أهم المشاكل التي لا تزال تعترض المرأة العربية بالنسبة للعمل هو قوانين الزواج المتخلفة التي لا تزال تعطي الزوج حق منع زوجته من العمل أو السفر أو الخروج من البيت حينما يريد وتقف المجتمعات العربية من المرأة في هذا موقفا متناقضا استغلاليا .  ففي الوقت الذي تدفع فيه النساء الكادحات إلى العمل في الحقوق والمصانع والمكاتب يتركن تحت رحمة أزواجهن بشأن التصريح بهذا العمل حسب رغبة الزوج ومصلحته .  وعلى هذا تستغل النساء من الجانبين ، من جانب الدولة ومن جانب الزوج .  المصدر السابق ص34

 

     لقد حاولنا من خلال صفحاتنا القليلة هذه ، أن ننقل بعضا من صور الحقيقة والقاتمة للمرأة في الإسلام ، التي جعل منها الإسلام عنصرا ثانويا وقزما محتقرا ، يؤدي بعض المهمات وفي طليعتها التنفيس الجنسي عن المسلم الورع ، والانقياد له في كل صغيرة وكبيرة ، والانصياع لأوامره دونما نقاش أو اعتراض أو احتجاج ، فهذا غير مسموح به على الإطلاق لأنه مخالف لكتاب الله ولسنة نبيه .

 

     لقد ألبس الإسلام المرأة اللباس الذي يريده وحدد لها الدور الذي يرتئيه ، وفرض عليها عزلة ما بعدها عزلة كل ذلك حاولنا تبيانه من خلال صفحاتنا هذه .

 

     وبعد هذا قام القائمون وغرد المغردون وهلل المهللون بأن مكانة المرأة في الإسلام ما بعدها مكانة ، وأن الإسلام هو المدافع الأول والمشرع العادل لحقوق وواجبات المرأة ، وأن هذا الدين الحنيف والنظيف والكامل والشامل كرسوله الكريم استسقى كل ذلك من الله عز وجل بواسطة جبريل الذي رأيناه مستشارا طبيا لمحمد ، وقاضيا شرعيا ما بعده قضاة ، يطلق من يريد ويزوج من يريد .  هذا هو محمد وهذا هو قرآنه وهذه هي سنته وصحبته أصحاب السيوف الحادة والسهام والرماح المسنونة الذي حرموا المرأة من حقوقها الأساسية والبسيطة وجعلونا مستودع إفراغ للشهوة الجنسية يتلذذون بها كيف ووقت ما يشاءون وهم بعد هذا يدعون بآلاف الإداعاءات التي ولا أسهل من كشف زيفها وكذبها من مصادرهم نفسها ، القرآن والحديث والسيرة والفقه ومن واقع حالهم التعيس والردئ .  لقد جعلوا من المرأة محراب نكاح وقبلة هوى ، ثم بدأ علماؤهم وفقهاؤهم يتحدثون عن حقوق المرأة التي أعطاها ومنحها الإسلام لها .  ألا كفاكم متاجرة بعقول الناس لابسطاء ، ألم تقارنوا وضع المرأة عندكم ، أعني المسلمة بمثيلتها المسيحية التي وصفتموها بالذليلة والمحتقرة والزانية ؟؟؟ .

 

     نقترح عليكم ذلك ، لعل هذا يكون لكم عونا في بلوغكم الرشد ، حتى تصلوا إلى الحقيقة التي نعلم أنها مرة المذاق بالنسبة إليكم ، لكن ما العمل ؟  حاولوا تذوقها ولو مؤقتا ونحن من جانبنا لن نبخل عليكم ، فها نحن نورد بعض النصوص الإنجيلية التي نظهر ومن خلالها ولحضراتكم وضع المرأة ومكانتها وحقوقها ودورها وواجباتها في المسيحية ، وكلنا أمل بأن تصل اختنا المسلمة إلى هذا المستوى من المساواة والحرية حتى تشارك في بناء مجتمع الغد .

 

     لا يمكن الحديث عن تحرير المرأة بدون وحدة الزواج الثابت والدائم الذي يقوم على المساواة في الحقوق والواجبات ، والمسيح تطرق إلى ذلك وإلى أهمية وقدسية العلاقة الزوجية ، وانجيل متى 3:19-9 يعطينا الفكرة الكاملة والنظرة المسيحية المقدسة تجاه الزواج والمرأة (فدنى إليه بعض الفريسيين وقالوا له ليحرجوه : أيحل لأحد أن يطلق امرأته لآية علة كانت ؟ فأجاب : أما قرأتم أن الخالق منذ البدء جعلهما ذكر وأنثى وقال : لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته فيصير الاثنان جسدا واحدا ، فما جمعه الله لا يفرقه إنسان) .  هذه هي نظرة المسيحية للمرأة ، لا قوامة ولا تفضيل ، بل مساواة تامة في الحقوق والواجبات ، وهذا الرباط هو رباط الله المقدس الذي لا يملك إنسان حق فسخه ، والمرأة في نظر الانجيل في مساواة تامة مع الرجل ، أما وبنتا وزوجة ، فالمسيح لا ينسب إلا إلى أمه ، فقيمة المرأة من قيمة أبيها وزوجها وابنها ، وفي المسيحية المرأة بالنسبة إلى الرجل كالكنيسة بالنسبة إلى المسيح ، إنها جسده ، وما الفوارق الطبيعة بينهما بفوارق تقديرية ، بل إنها للتكامل المتبادل جسدا وعقلا وقلبا ، فالمرأة المسيحية مكلفة كالرجل بأداء الشعائر الدينية منذ ولادتها ، فليست هي في المسيحية كما في الإسلام نجسا لمسها ينقض الوضوء للصلاة وليست هي سجينة دار الحريم لا تنال من الثقافة ومتاع الحياة إلا ما يقدمه لها بيتها الأبوي والزوجي ، فالسيد المسيح نراه محاطا بالتلميذات كما يحاط بالتلاميذ ، ولا يسكت الانجيل عن فضل المرأة (الحق أقول لكم أنه حيثما دعي بهذا الانجيل في العالم كله يخبر أيضا بما فعلت هذه المرأة تذكارا لها) متى 13:26 .

 

     قيل : "الاجتماع البشري فطرة مبنية على الزواج ، فالزواج والعائلة ظاهرتان طبيعيتان اجتماعيتان ، أقرتهما المسيحية ورفعتهما إلى مرتبة سر مقدس ، ومن ثم فالزواج المسيحي ليس عقدا بشريا اجتماعيا فحسب ، كما في الإسلام ، بل هو عقد مقدس يقدس الزوجين في عقده وممارسته .  لقد رفعت المسيحية فكرة الزواج إلى فكرة الله في مشاركة المخلوق للخالق في خلق الإنسان ، لذلك جعلته سرا مقدسا يقدس الزوجين في حياتهما الزوجية ، ويرفعهما من الحيوانية إلى الإنسانية الكاملة (المسيحية) على مثال المسيح والكنيسة ، لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته فيصيران كلاهما جسدا واحدا (إن هذا السر لعظيم أقول هذا بالنسبة للمسيح والكنيسة) افسس 31:5-33 وقد أرجع السيد المسيح الزواج إلى قدسيته الأولى بفرض الوحدة الزوجية وتحريم الطلاق وتعدد الزوجات ، مع أنه أدرى منا بالمآسي الزوجية ، تلك المآسي التي في نظر الناس قد تقتضي الطلاق أو التعدد ، فعند الحاجة يضحى بالفرد لمصلحة الجماعة ، فالوحدة الزوجية تحفظ كرامة الرجل والمرأة ، وتحفظ كيان العائلة ، خلية المجتمع البشري ، والطلاق والتعدد أيا كانت أسبابهما ، يهدران كرامة الإنسان في الرجل والمرأة ، ويهدمان كيان العائلة والمجتمع .  فالطلاق انتهاك للرباط الزوجي المقدس ، وإهانة للمرأة التي كرامتها من كرامة زوجها ، وامتهان لحقوق الأمومة ، وحقوق البنوة الصحيحة .  وتعدد الزوجات ابتذال للحب الإنسان ، وتبذل لكرامة الزوجين ، وسبيل إلى فقدان الثقة الزوجية التي هي ركن العائلة ، أما وحدة الزواج فهي صون لحرمة وكرامة الأبوة والأمومة والزوجية والبنوة ، فالأبوة ليست عملا شهوانيا ، بل هي قيمة معنية إنسانية تفقد معناها في الطلاق وتعدد الزوجات ، والأمومة ليست حاجة بشرية لا غير عند المرأة ، بل هي قيمة إنسانية ترفع المرأة إلى سمو الأم ، وتفقد معناها بالطلاق وتعدد الزوجات ، والزوجية ليست معاشرة عابرة ، وإنما هي وحدة الجسدين التي هي سبيل ودليل على وحدة القلبين والنفسين ، وتفقد هذه الوحدة الجسدية والروحية كل معناها في الطلاق وتعدد الزوجات والبنوة حرمة مقدسة يطعنها الطلاق وتعدد الزوجات تضييع لكل هذه الحرمات والكرامات والقيم الإنسانية التي أرادها الله في كتاب الخلق وكتاب الوحي الصادق (الإنجيل) .

 

     ونظام العائلة له قدسية لا تمس (افسس 41:3) فمن مسها مس النظام الطبيعي والاجتماعي المسيحي ، فالتفريق بين الولد وأهله يطبعه بطابع غير طبيعي ، والتفريق بين الزوجين لسبب من الأسباب ، خيانة لسنة الطبيعة والإنجيل ، كما نرى ذلك في بعض الأنظمة الجماعية ، ثم إن الزوجين متساويان في الحقوق والواجبات ، وإن ميزت بينهما الطبيعة للقيام ببعض الأعمال الخاصة والمتكاملة ، فالرجل هو رب العائلة في الشريعة الانجيلية ، لكنه ليس دكتاتورها أو جلادها ، إنه رأس المرأة لا سيدها (1كو 4:11) إنه أب للأبناء وليس ربهم فالأبوة الحقة والصحيحة تحترم شخصية الأم والأبناء ، لأن الاحترام من الحب الصحيح الصادق ، والزوجة هي زوجة ، والزوجان ، لغة فردان من نوع واحد ، لها ما له وعليها ما عليه في كل ما يسمح به تميز الطبيعة : فليس الهجر في المضاجع والضرب للزوجة حملا لها على من كرامة الزوج أو الزوجة .  وليست عقدة النكاح بيد الرجل يتصرف فيها على هواه ، بل بيد الله الذي وحد بينهما بالزواج ، وليس حظ الذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث ، بل لها ما له ، لأنها إنسان مثله .  وليست رئاسة الأب للعائلة قوامة الرجل على المرأة كأنها قاصر ، فليست المرأة والزوجة في كل هذه الأحوال بقاصر بالنسبة إلى الرجل ، لو أتيح لها من التنشئة ما أتيح للرجل ، ولا تعتبرها الشريعة الإنجيلية شيئا تابعا للرجل ، وفي بعض الأحوال شيئا نجسا ، بل كرامة الزوجة من كرامة الرجل في الدين والدنيا ، مهما طرأ من هنا وهناك عبر التاريخ على هذه المبادئ المسيحية من انحراف .  ثم إن الزوجة هي أيضا أم ، فهي ربة البيت مع الرجل ، تشاركه العمل والإنفاق والتمتع بالحياة العائلية ، وهي أم البنين لها ما للأب من محبة واحترام وطاعة ، والدنيا أم ، والعائلة أم ، إذا ضعف معنى الأم (المرأة) ضعفت معنى الحياة العائلية ، وهانت القيم الإنسانية .

 

     وحق الابن على والديه المحبة والرعاية والتنشئة والتربية والاحترام : لا الاستعباد والتصرف به لمصلحة أهله وحدهم .  فالتشرد جريمة الأهل والمجتمع والدولة ، والجهل أيضا جريمة عائلية واجتماعية .  وفساد الأبناء من فساد الآباء والمجتمعات .

 

     والمسيحية تحرم الفساد على أنواعه في المجتمع : فالزنى هو الجريمة الكبرى بحق العائلة المسيحية .  والسكر هو الجريمة الأخرى التي تشبهها .  وحد السكر كحد الزنى ، وهو أعظم في المسيحية منه في غيرها : (إن السكيرين والزناة لا يدخلون ملكوت الله) .

 

     والشريعة المسيحية لا تعرف زواج المتعة ولا تحرم زواج الحر من المملوكة ، ولا تعرف ملك اليمين ، ولا السراري ولا وهب المرأة نفسها للرجل كما في الإسلام ، ولا تفرض المسيحية على المرأة الحجاب والجلباب ولا عدم الاختلاط بين الجنسين بحجة المحافظة على الشرف كما في الإسلام ، وليس الاحتراز من المفاسد بسبيل صحيح إلى تعقيد القواعد الحياتية وتعكير مجرى الحياة العامة والخاصة .

 

     إن نظام الخليقة الجديدة للمسيح في المسيحية ، قد ألغى نظام الطبقات وفرض المساواة الأساسية والتامة بين جميع الناس .  لهذا لا يوجد في المسيحية طبقة أحرار وعبيد ، لأن الجميع واحد في المسيح وللمسيح .

 

     ومن أجل توضيح الصورة أكثر أمام الجميع ، أعني صورة حقيقة ومكانة المرأة في المسيحية والإسلام ، أرى بأن نقوم بعمل مقارنة موجزة وسريعة ما بين الآيات القرآنية والإنجيلية اللتا ذكرتا المرأة وقضاياها .

 

     القرآن : الرجال قوامون على النساء (نساء 34) . 

     الإنجيل : ليس عبد ولا حر ولا ذكر ولا أنثى ، لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع (غل 28:3-29) .

 

     القرآن : فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع (نساء 3) .

     الإنجيل : من البدء خلقهما ذكر وأنثى … فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان (متى 3:19-10) .

 

     القرآن : واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن (نساء 34) .

     الإنجيل : وكذلك أنتم أيها الرجال ساكنوهن على مقتضى العقل لكون الإناء النسوي هو الأضعف وأكرموهن كالوارثات معكم نعمة الحياة (1بط 8:3) .

 

     أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة ، وأسلم نفسه لأجلها … كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم .  من يحب امرأته يحب نفسه (افسس 22:5-23) .

 

     القرآن : وقرن في بيوتكن (احزاب 33) .

     الإنجيل : وعلى إثر ذلك كان يسير في كل مدينة وقرية يكرز ويبشر بملكوت الله ومعه الاثنا عشر (تلميذا) وبعض النساء … (لو 1:8-3 ، متى 55:27-56)

 

     وأخيرا ، فلقد حاولنا فيما سبق ومن خلال صفحاتنا هذه ، وضع النقاط على الحروف رادين الحوادث والأحكام إلى أصولها الشرعية المعتمدة .

 

     إن كل ما أوردناه في هذا الكتاب ، لا يعدو كونه نماذج فقط استشهدنا بها من بطون أمهات الكتب الإسلامية والمسيحية لإيضاح وتبيان الحقيقة ، لهذا لم يكن هدفنا هو تحقير المرأة المسلمة ، خصوصا وأننا نؤمن أن المرأة إن كانت مسلمة أو مسيحية تبقى إنسان لها ما للرجل من قيمة وكرامة ومكانة ، وعليها ما عليه من مسئوليات وواجبات وحقوق .  لقد كان هدفنا هو الرد على الشيخ صالح وعلى كتابه (يا فتاة الإسلام اقرئي حتى لا تخدعي) وعلى جميع الذين يحذون حذوه الذين يكذبون الكذبة ثم يصدقوها .

الصفحة الرئيسية