مكانة المرأة عند بعض الاسلاميين

.. والنظرة الجنسية لها

 

من الطبيعي أن يتحير المسلم في أمره ويسأل نفسه كيف تزوج نبيُّه إحدى عشرة سيدة بينما يبيح القرآن تعدد الأزواج إلى أربع كأقصى حد، ويشترط في ذلك العدل الذي يستبعده أكثر الفقهاء والكتّاب خاصة في العصر الحاضر، ويطلب من كل مسلم أن يتخذ نبيه أسوة حسنة، فيتَّبع سنته الشريفة لا سيما في ميدان الزواج إذ روى عنه قوله: "النكاح من سنتي".

فرغم أن العلماء المسلمين فخورون بأن "رسول الله" بشر حقيقي كما يظهر ذلك من حياته الزوجية فإنهم يقدمون لدى ذكرهم قصص زواجه من نسائه صورة لا تتوافق والواقع ولا طبيعة محمد البشرية؟ فإن سلمنا بما يكتبون في هذا السياق، وصدقنا الأسباب التي يسردونها تفسيراً لتعدد الزوجات في بيت النبوة، فإن زواجه من خديجة هو الوحيد الذي تم من نتيجة دوافع إنسانية. يدعون أنه لم يكن ليتزوج عائشة لو لم يكن أبوها أبو بكر عرضها عليه الأمر الذي يعني تحريف ما وصل إلينا من أقدم الروايات بهذا الشأن.

 

ويعتقد الآخرون أن محمداً سعى من وراء زواجه بعائشة عقد علاقة قرابة بينه وبين أبي بكر: "لقد كانت مصاهرة الرسول للصدّيق أبي بكر أعظم منة ومكافأة له في هذه الحياة الدنيا، كما كانت خير وسيلة لنشر سننه المطهرة وفضائله الزوجية وأحكام شريعته، ولا سيما ما يتعلق منها بالنساء". تأسيس المصاهرة كان أيضاً سبب زواجه من حفصة بنت عمر حيث أراد أن يكافئ وزيره الآخر" (عمر).

 

أما ما يتعلق بزواجه بحفصة فقد أقدم عليه شفقة وخوفاً عليها من قومها. وأما تزوجه من زينب بنت خزيمة فكان مكافأة لخدماتها الخيرية للفقراء. لقد اتخذ محمد أم سلمة - في زعم الكتّاب المعاصرين - زوجة تقديراً لتفانيها من أجل أولادها ورأيها الحسن يوم الحديبية الخ.

 

أما السر الكامن في زواجه بجويرية فكان رَغْبَتَه في إعتاق قومها حيث وقعوا في الأسر بعد فتح المسلمين حصونهم. فتزوجها لكي يكون مهرها إطلاق سراحهم، فكانت أعظم امرأة بركة على قومها.

 

 تنتمي صفية بنت حيي أيضاً إلى هذا الصنف من النساء اللاتي تم زواجه بهن لأسباب استراتيجية. يقول محمد رشيد رضا إنه تزوجها إشفاقاً من إذلالها وهي سيدة قومها: "فقال أهل الرأي من الصحابة: يا رسول الله إنها سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح إلا لك. فاستحسن رأيهم وأبى أن تذل هذه السيدة بالرق عند من تراه دونها، فاصطفاها وأعتقها وتزوجها، كراهة لرق مثلها في نسبها وقومها، ووصل سببه ببني إسرائيل، لعله يخفف مما كان من عداوتهم له.

أما أم حبيبة فتزوجها لكي يكافئ إيمانها.

 

يعترف محمد رشيد رضا أنه لم يعثر على أية حكمة تزوج محمد من أجلها بميمونة: "ولم أقف على سبب ولا حكمة لتزوجه بها، ولكن ورد أن عمه العباس رغَّبه فيها، وهي أخت زوجة لبابة الكبرى أم الفضل، وهو الذي عقد له عليها بإذنها". ولكن الحكمة في زواج محمد بميمونة التي لم يقف عليها محمد رشيد رضا لم تفت الصابوني: "ولا يخفَى ما في زواجه بها من البر وحسن الصلة وإكرام عشيرتها الذين آزروا الرسول

ونصروه".

وأما ما يتعلق بالأَمَتين ماريا وريحانة فلا يخبرنا الكتّاب المسلمون بالأسباب ولا بالحِكَم التي أدَّت بزواج الرسول بهما.

 

إن ما يسميه الكتاب المسلمون في العصر الحاضر حِكَماً أو أسباباً في

زواج محمد بنسائه، لخصها الصابوني في أربعة أبواب وهي:

أولاً: الحكمة التعليمية

لقد كانت الغاية الأساسية من تعدد زوجات الرسول ص هي تخريج بضع معلمات للنساء، يعلمنهن الأحكام الشرعية، فالنساء نصف المجتمع، وقد

فُرض عليهن من التكاليف ما فرض على الرجال.


وقد كان الكثيرات منهن يستحيين من سؤال النبي ص عن بعض الأمور الشرعية، وخاصة المتعلقة بهن. كأحكام الحيض، والنفاس، والجنابة، والأمور الزوجية، وغيرها من الأحكام، وقد كانت المرأة تغالب حياءها حينما تريد أن تسأل الرسول الكريم عن بعض هذه المسائل. ولقد صار من هؤلاء الزوجات معلمات ومحدثات، نقلن هديه عليه السلام واشتهرن بقوة الحفظ والنبوغ والذكاء.

ثانياً: الحكمة التشريعية

 

ونتحدث الآن عن (الحكمة التشريعية) التي هي جزء من حكمة تعدد زوجات الرسول ص، وهذه الحكمة ظاهرة تدرك بكل بساطة، وهي أنها كانت من أجل إبطال بعض العادات الجاهلية المستنكرة، ونضرب لذلك مثلاً (بدعة التبني).

وقد كان زيد (ابنه بالتبني) زوجه عليه السلام بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية، وقد عاشت معه مدة من الزمن، ولكنها لم تطل فقد ساءت العلاقات بينهما، فكانت تغلظ له القول، وترى أنها أشرف منه، لأنه كان عبداً مملوكاً قبل أن يتبناه الرسول، وهي ذات حسب ونسب.

 

ولحكمة يريدها الله تعالى طلق زيد زينب، فأمر الله رسوله أن يتزوجها ليبطل (بدعة التبني) ويقيم أسس الإسلام، ويأتي على الجاهلية من قواعدها. ولكنه عليه السلام كان يخشى من ألسنة المنافقين والفجار، أن يتكلموا فيه ويقولوا: تزوج محمد امرأة ابنه، فكان يتباطأ حتى نزل العتاب الشديد لرسول الله عليه السلام، في قوله جل وعلا: "وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه، فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً، وكان أمر الله مفعولاً" (الأحزاب 33: 73).

 

وهكذا كان هذا الزواج للتشريع، وكان بأمر الحكيم العليم، فسبحان من دقت حكمته أن تحيط بها العقول والأفهام وصدق الله وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً".

ثالثاً: الحكمة الاجتماعية

أما الحكمة الثالثة فهي (الحكمة الاجتماعية) وهذه تظهر بوضوح في تزوج النبي ص بابنة الصديق الأكبر (أبي بكر) رضي الله عنه وزيره الأول، ثم بابنة وزيره الثاني الفاروق (عمر) رضي الله عنه وأرضاه، ثم

باتصاله عليه السلام بقريش اتصال مصاهرة ونسب، وتزوجه العديد منهن، مما ربط بين هذه البطون والقبائل برباط وثيق، وجعل القلوب تلتف حوله، وتلتقي حول دعوته في إيمان وإكبار وإجلال.

ورابعاً: الحكمة السياسية

لقد تزوج النبي ببعض النسوة من أجل تأليف القلوب عليه وجمع القبائل حوله، فمن المعلوم أن الإنسان إذا تزوج من قبيلة أو عشيرة تصبح بينه وبينهم قرابة ومصاهرة، وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته. مثل زواجه بجويرية وصفية.

يمكن أن نقول أنه لا يوجد خلاف كبير بين الأصوليين والمسلمين المعتدلين ممن اشتهروا بالإصلاح والانفتاح أو العداء للتعصب، مثل محمد عبده ومحمد رشيد رضا، إذا تعلق الأمر بالحياة الزوجية لمحمد، فهم مجمعون على أن محمداً لم يتزوج واحدة من نسائه - ربما ما عدا خديجة - لدوافع أو نوازع إنسانية بل كان غرضه إما مكافأتهن أو حمايتهن من الأخطاء، أو لأسباب سياسية وتشريعية كما مرَّ عند الصابوني. ونلاحظ في محاولات الجانبين أن الرغبة في تصوير الأمور بشكل مثالي أقوى بكثير من الاهتمام بالموضوعية التاريخية.

الصفحة الرئيسية