العودة الى واحدية الله وجامعيته
نعود ونتسائل من جديد.عمَّن يتكلم القرآن عن لسان الله في صيغة الجمع عندما يقول : "انَّا نحن انزلنا الذكر وانَّا له لحافظون"؟ (سورة الحجر 8). او : "سنَّةَ من قد ارسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنَّتِنَا تحويلاً "(سورة الاسراء 77), او: "لقد خلقنا الانسانَ في احسنِ تقويم" (سورة التين 4).الخ.
هل يُعقَلُ ان الله يجمع مع نفسه احداً آخرَ خارجاً عن طبيعتهِ الإلهية فيتكلم معه وكأنه الله نفسه, أكانَ هذا الآخرَ ملاكاً ام نبيًّا ام انسانًا سواء ؟؟؟. وان كان ُيظنُّ ان اللهُ يستعملُ لنفسهِ صيغةِ الجمعِ للتفخيمِ والتعظيم,كبعض الاباطرة والملوكِ مثلاً, كقول الفرد منهم : نحن . او نريدُ. او نعملُ ونأمرُ. نقول
لهؤلاء, مهما كان القصد وراء هذا, فان الله ليس من عادته في كتبهِ ان يشرك معه احدا خارجا عن طبيعته الالهية ليقول معه نحن . او لنخلق. او خلقنا. حاشا لله. لان من يساويه بين مخلوقاتهِ.حتى يجمع مع نفسه احداً ليقول واياه نحن .وان كان الامر كذلك, فلماذا يعود الله احياناً عن ذلكَ, الى الكلامِ عن ذاتهِ كفردٍ, واحياناً اخرى نراه مُخَاطَباً من الآخرينَ كمجردِ فردٍ عاديٍّ وليس في صيغة الجمع؟. وهذا الامر لا يمتُّ الى السمُّوِ والعظمةِ بصلة.كما نقرأ على سبيل المثال قول المسيح عيسى ابن مريم,وهو كما يدَّعون عليه مخلوقا. وها هو الآن يتكلم مع الله سبحانه كندٍ لندِه فيقول له: "وكنتُ عليهم شهيدا ما دمتُ فيهم فلما توفيتني كنتَ انتَ الرقيب عليهم وانتَ على كل شيء شهيد"(سورة المائدة 117 ). وفي سورة البقرة 186) يتكلم الله مع الرسول كفرد عادي فيقول:"فاذا سألك عِبَادي عني فإني قريبُ اجيبُ دعوةَ الداعِ اذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" وفيما يلي نقرأ ان الله يستعمل لنفسه صيغة الجمع في عملية خلقه الانسان ايضاً. التي من غير الممكن ان تنسب لغير الله وحده فيقول : "لقد خلقنا الانسانَ في احسنِ تقويم" (سورة التين 4) . من هم الذين خلقوا الانسان مع الله يا ترى, وكم هو عددهم في القرآن ؟؟
وقوله ايضا:" لقد خلقنا الانسان في كبد ايحسب أن لن يقدر عليه احد" (راجع سورة البلد من 1-5). وفي (سورة الانسان 2) يقول: "إنَّا خلقنا الانسان من نطفةٍ أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرًا". وقوله ايضاً: "نحن خلقناهم وشددنا اسرهم واذا شئنا بدَّلنا أمثالهم تبديلاً " (سورة الانسان 28) . وفي (سورة المعارج 29) يقول: "كلا إنَّا خلقناهم مما يعلمون".
ويوجد الكثير نظير هذه وتلك في القرآن.كما نقرأ عن الخالق سبحانه في صيغته الاقنومية الفردية. فيقول لرسول العرب : "اقرأ باسم ربك الذي خلق,خلق الانسان من علق, إقرأ باسم ربك الأكرم , الذي علم بالقلم , علم الانسان ما لم يعلم" (سورة العلق 1-5) الخ. واننا لنتساءل هنا ايضا اين هي لغة التفخيم والتعظيم هذه لله سبحانه؟.
نرجع ونتساءل من جديد,مَن هوالمتكلم مع الله يا ترى؟. فيتكلم الى البشر عن خلقه العالم وما فيه وكأن معه آخرين يخلقون نظيره . هل يوجد آلهة أخرى في القرآن تخلق مع الله او اقانيم هذا عددها كما جاء في التوراة والانجيل وهي متساوية معه في العظمة والكمال حتى في عملية خلق البشر والعالم وما فيه ؟؟.
أظن انه من غير المستبعد ان يكون هذا هو الصحيح. إذ نقرأ في القرآن الكريم ,كما في غيره من الكتب السماوية,عن شخص واحدٍ وحيدٍ هو من روح الله ومؤيد بالروح القدس قوله: "اني قد جئتكم بآية من ربكم اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطيرفانفخ فيه فيكون طيرا باذن الله وابريء الاكمه والابرص وأحيي الموتى باذن الله وانبئكم بما تاكلون وما تذحرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين". (سورة ال عمران 44-49 ومائدة 110).
وان الله سبحانه لم يأذن, ولن يأذن لاحدٍ خارجا عن طبيعته الإلهية ان يخلق معه او نظيره, وهو الذي اعلن في الانبياء قائلا : "انا الرب هذا اسمي ومجدي لا اعطيه لآخر, ولا تسبيحي للمنحوتات" (راجع كتاب الانبياء اشعيا 8:42 ). وقوله ايضا "انا الرب وليس آخر.مصور الارض وصانعها"(راجع اش45) هذا. لانه هل من المعقول ان يجعل الله معه شركاء اساسيين حتى في عمل الخلق وبعض الاعمال التي لا ينازع عليها, وهو الاله الاحد الصمد .
فكما انه لا يجوز لنا ان نفكر في هذا الامر. فانه لا يجوز لنا ايضاً ان نفكر في ان كتب الله كاذبة,او محرفة لا سمح الله .كما يدَّعي بعض الخارجين على كتب الله المعصومة. فانه مكتوب في الانجيل: "بل ليكن الله صادقاً وكلُ انسانٍ كاذباً"(راجع الانجيل رسالة رومية 3:3). والرسول بدوره يسأل عن عدم اهتمام شعبه بكتابه فيقول : "افلا يتدبرون القرآن فلو كان من عند غير الله لوجد فيه اختلافاً كثيرا" (راجع القرآن سورة النساء (82 ). وهو اختلافً عما سبقه من كتب سماوية منزلة مشهود لها من القرآن نفسه, او خلاف في ذاته وبين آياته. لانه عندما يُفصَلُ القرآن عن جزوره في التوراة والانجيل , فان ذلك يؤدي بالضرورة الى سوء فهمه وتفسيره. وإن القرآن لم يترك ظرفاً مناسباً الا وشهد لهذين المرجعين .