بعض ما جاء عن الكفارة والفداء في القرآن
ان التوراة تعج بذكر الفداء والكفارة
. وبنو اسرائيل انطلاقاً من أمر الله بالكفارة هذه, قضوا مئات السنين بل الوفها وهم يقدمون الذبائح الحيوانية الرمزية في الهيكل. وهذه الذبائح جميعها كانت تشير الى المسيَّا0الرئيس المنتظر. والذبح العظيم كفارة عن الخطايا.كما ان القرآن يتكلم بدوره عن الكفارة والفداء في الكثير من سوره وآياته بدءاً في قصة ابراهيم اب المؤمنين. وقد طلب الله منه ان يقدم ابنه ذبيحة فاطاع. لكنه عندما وصل الى لحظة التنفيذ ارسل الله له كبشاً, ليكون فداءً عن ابنه. ولقد كان هذا الفادي المرسَل الى ابراهيم حملاً بريئاً لا ذنب عليه. في هذا يقول القرآن: وفديناه بذبح عظيم,الصافات 107). وقد دعاه القرآن ذبحا" عظيماً لا لان الحَمَلَ المُفتَدي كان كبشًا عظيمًا بحد ذاته, بل لانه كان يَرْمُزُ لشخصٍ عظيم هو مسيَّا اليهود المنتظر . وهو مَن كانت كل الذبائح اليهودية ترمز اليه وقد ابتدأت في جنة عدن.
الا ان هذه الكفارة ,اي كفارة المسيح, لا يستفاد منها,مالم يؤمن الانسان بها اولاً, وما لم يتب بالتالي عن خطاياه. هذا هو تعليم الله منذ البداية للدخول الى الجنَّةِ ولم يزل. وسوف لا يتغير. فان اللهَ يطلب في البدايةِ من الانسانِ طاعةً لا ذبيحة. لان الطاعة تأتي بالذبيحة وغيرها ايضا.اما العصيان على أوامر الله فله نتائجه الخطيرة. وقد ابتدأَ بها الرب في جنة عدن , اذ انه قد البس آدم ابي البشر وامرأته حواء اقمصة من جلد الذبيحة الاولى. وقد عَملَها الرب الاله, بعد خظيئة آدم وحواء, بنفسه. والقرآن قد أكَّدَ بدوره على ان الايمان في كفارة الله هو عنصر أولي في خلاص البشر.
لكن القرآن, لم يستفض في شرح مسألة الكفارة وغيرها ايضاً من المواضيع الهامة التي تحتاج الى شرح مفصَّل . اذ تعرَّضَ لها بصورة مختصرة. تاركاً امر تفصيلها , الى كتب الله في التوراة والانجيل . فَدَلَّ عليها وأمَرَ بالرجوع اليها في كل مناسبة وحاجة لاهوتية-فقهية يصعب حلها, تختص في الايمان بالله والخلاص الابدي. لا ان تبقىحقائق كتب الله المنزلة في ايدٍ غير مسؤولة, بعيداً عن متناول الشعب, الذي "لم يؤتى من العلم الاَّ قليلاً" (راجع سورة الاسراء 85).وقد جاءته الهداية الى صراط مستقيم من الرب مجاناً, هذا ان طلبها وأخذها من يد الله مع الشكر.
في هذا يقول القرآن مخاطب الرسول : "ان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكوننَّ من الممترين" سورة يونس(93). ويقول له ايضا: "وما ارسلنا قبلك الا رجالاً نوحي اليهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون". سورة الانبياء (6) .
هذا هوتعليم الله في كتبه. واذ ناتي الى القرآن وحديثهِ عن الكفارة ,سوف نجد بين سوَرِهِ الكثير عن كفارة الله وغفرانه بالفداء كما سنرى .يقول القرآن في فدية الصوم: "فمن كان منكم مريضًا او على سفرٍ فعدةٌ من ايامٍ أخر وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين" (راجع سورة البقره (184). لكن الملاحظ هنا هو ان الكفارة المطلوبة من الانسان لخلاصه, هي كفارة الله,وليست كفارة البشركما هم بها مكتفون. لان كفارة البشر ليس لها ثمن يتساوى مع قيمةحياة الانسان-وعدل الله. فانه مكتوب فان اجرة الخطية هي موت. وان النفس التي تخطيء هي تموت يقول الرب. ولكن الله بين محبته لنا لانه ونحن بعد خطاة مات المسيح لاجلنا .(راجع الانجيل رسالة رومية 6:5والقرآن سورة المائدة117وسورة مريم 33). فان هذا الامر هو ليس ببعيدٍ عن القرآن وروحه وتعليمه.بل هو من صلبه كغيره من كتب الله التي شهد لها.
ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا".
نقرأ في سورة ال عمران (193)"ربنا اننا سمعنا منادياً ينادي للايمان ان آمنوا بربكم فآمنَّا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا".
هنا ايضا بالضرورة يبرز السؤال . من هو هذا المنادي للايمان والكفارة معاً بين العرب يا ترى, سوى ان يكون احد المسيحيين العرب الذين ينادون الى الايمان المجاني الكامل الناتج من كفارة المسيح ؟. ونرى ان طلب التكفيرعن الذنوب والخطايا كما قرأنا اعلاه, قد أتي بعد الايمان وطلب الغفران.لان طلب الايمان والتوبة عن الخطايا هي من جهتنا نحن البشر. اما الغفران والكفارة فهي تأتي من الله سبحانه . فان لم تكن كفارة الله ضرورية بعد الايمان, فلماذا تطلبها هذه الجماعة اذًا ؟ وقدكتبها القرآن كمثال حي لكل من آمن بالله وكتبه.
وكفارة الله هنا ليست كما يدعي البعض انها غفران الله. فهؤلاء يعتقدون, ان غفران الخطايا هو نفسه بمثابة التكفير عنها. لكن هذه الافكار هي افكار مغلوطة. لا تتفق مطلقاً مع الواقع هنا ومع كلمات الله في كتبه. لان الغفران هو المسامحة والصفح. اما التكفير فهو تغطية الدَين بدفعه كاملاً الى الدائن. وهكذا حدث في القديم فان المسيح قد دفع الدين كاملاً,لتبرِأة عدالة الله وقداستهِ. الذي يعجز الانسان الخاطي عن دفعه. هذا ما يسميه القرآن كفارة الله. وقد اشترى بها المسيح نفوسنا (راجع الانجيل رومية8:5و9). ونقرأ في القرآن ايضاً: "ان الله اشترى من المؤمنين أنفسَهُم وأموالَهمُ بأن لهم الجنة "(سورة التوبة111). هذا هو مطلب هذه الجماعه بقولها: "ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا".
وقد حاء في سورة الانفال (29) :"يا ايها الذين آمنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويغفرلكم ويكفِّر عنكم سيئاتكم".
بكلمات اخرى, عندما يتقي الانسان الله, ويطلب منه الصفح يغفر له الله ويصفح عنه. لكن عملية الخلاص لم تكتمل بعد. فهذا الانسان لم يزل بحاجة كما قرأتم الى "كفارة الله" التي صنعها بنفسه لاجل الانسان الخاطي لكي يدخل بواسطتها فسيح جنانه. اننا لا نستطيع ان ندخل الجنة بالاستغناء عن كفارة الله هذه وإطاعته. ذلك لان الكفارة التي صنعها الله من اجلنا هي بمثابة جواز سفرنا الى الجنة, بل هي سمة الدخول اليها. وهذه سوف لا نحصل عليها سوى بالايمان بكفارة دم "الذبح العظيم", على جبل المريا, الذي اصبح فيما بعد يدعىجبل الجلجثة, حيث رفع عليه المسيح مصلوباً . يقول القرآن: "وفديناه بذبحٍ عظيم".
وقد جاء في سورة المائدة (125) قوله: "لان اقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعززتموهم واقرضتم الله قرضا حسنا لاكفرنَّ عنكم سيئاتكم ولأدخلناكم جناتٍ تجري من تحتها الانهار".
هنا ايضا تبرز كفارة الله بعد الاعمال الحَسَنَة التي يقوم بها المؤمن بالله , ولكنه سوف لا يستفيد منها كما سمعنا, مالم تتبعها كفارة الله لاجل تغطية الخطية ودفع الدين. ان الايمان بالله والاعمال الحسنة هي من جهتنا , فهي ما نقدمه نحن في عملية خلاص الله لنا, اما الغفران والكفارة فهما من صنع الله ذاته. يقدمهما لنا بعد ان نؤمن بهما اولا, ونعمل الاعمال المرضية امامه. قال يسوع : "انتم احبائي ان عملتم ما اوصيكم به". وقد جاء في سورة التحريم (8) : "يا ايها الذين آمنوا توبوا الى الله توبةً نصوحًا عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جناتٍ تجري من تحتها الانهار".هنا ايضا يبرز الامر بالتوبة للمؤمنين وبالتالي يأتي دور الله بتكفيره عن سيئاتهم ان كانت توبةً نصوحاً من كل القلب.