وكان ذلك عند الله فوزا عظيما".

هنا ايضا يبرز السؤال من جديد : من اين جاء هذا الفوز العظيم لله من جهة المؤمنين يا ترى ,سوى كما قرأنا اعلاه, من كفارته عن سيئاتهم. بذلك يكون الله قد اشترى انفسهم وما تملكه ايديهم. بدفع الثمن كاملا على الصليب الى عدل الله وتبرأته. كما جاء في التوراة, وكُتِبَ في الانجيل. وها اننا نقرأه في القرآن ايضا : "ان الله اشترى من المؤمنينَ انفسَهُم واموالهَم بأنَّ لهم الجنةَ " (راجع سورة التوبة111و112) .

وهناك اسئلة لاهوتية عميقة في القرآن الكريم تدورحول هذا الموضوع وغيره من المواضيع الهامَّة لخلاص الله . لاجواب لها سوى السكوت والسير في طريق القضاء والقدر.وكأن الله سبحانه غائبا عن المشهد. وإما,من الناحية الاخرى, الاصغاء الى نصائح القرآن, بالرجوع الى الذين يقرأون الكتاب من قبل كما نقرأ في سورة الانبياء (6) : "وما ارسلنا قبلك الا رجالاً نوحي اليهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون". كما اننا نقرأ ايضا عن نصيحة موجهة الى الرسول نفسه قائلة :"ان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكوننَّ من الممترين. ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين", سورة يونس (94و95). وهذا النوع من النصائح كما يظهر, هوغير مرغوب فيه عند مشايخ الامة.

 

نرجع ونكرر ونسأل من جديد .كيف اشترى الله انفس المؤمنين واموالهم بان لهم الجنة ؟.هل 

اشترى ذلك بالمال والمشترى هو المال عينه.كما قرأنا في الآية اعلاه-وكان ذلك عند الله فوزا عظيما ؟؟ ( راجع ايضا سورة الفتح 4) .ْ وممن اشتراهم ؟. او ما هو الثمن الباهظ الذي يتساوى مع انفس المؤمنين وما يملكونه. الذي دفعه الله يا ترى ؟؟. هل هو دماء الابطال,الذين قد جاهدوا مع الرسول في حروبه ضد المشركين بين العرب, وقد سفكت دمائهم نتيجة لهذا الامر,فيكونون بذلك قد اشتروا الجنة كما يفهمه البعض . ولكننا إذ نقرأ هنا, في القرآن الكريم, نرى ان الله الذي اشترى , وليس الابطال . فالمشتري هو الذي يدفع الثمن وليس الآخرين . فانه مكتوب" ان المسيح بدم نفسه دخل مرة واحدة الى الاقداس فوجد فداء ابديا "راجع التوراة لاويين ( 11:17). وانجيل المسيح سفر العبرانيين 9: 22) الخ.

هل نصدق الله "وكتبه ورسله وملائكته". ام نبقى في الكلام فقط دون العمل والحق. يقول الانجيل : "انت تؤمن ان الله واحد.حسنا تفعل. والشياطين ايضا يؤمنون ويقشعرون. ولكن هل تريد ان تعلم ايها الانسان الباطل ان الايمان بدون الاعمال ميت (يع19:2). لانه يجب ان الذي يأتي الى الله يؤمن انه موجود وانه يجازي الذين يطلبونه"(راجع الانجيل عبرانيين 11). وقد أنذر الرسول الكريم بقوله : "ومن لا يحكم بما انزل الله فيه"-اي في الانجيل-" فاولئك هم الفاسقون "(المائدة 43و67) وقال الانجيل تحذيرأ مماثلاً : "ومن لا يصدِّق الله فقد جعله كاذباً" (راجع 1الانجيل يو 10:5).

ان المعنى الاعمق في هذا يكمن في انه دون كفارة الله لاجل خطايا البشر,كان لا يمكن لله ان يعمل في محبته ورحمته وعدله في آنٍ , لهذا الانسان المخلوق على صورته ومثاله. وقد سقط بسبب او بآخر. وفي رأس هذه القائمة الحرية التي أساء استعمالها فاقتنصها الشيطان لارادته. أي ان آدم في سقطته هذه, قد باع بكوريته وذريته للشيطان الرجيم.كما فعل بعده عيسو اخو يعقوب. إذ باع بكوريته هو ايضا. بأكلة عدس. من ثم عاد وطلبها بدموع فلم تعطى له .

لكن في تجسد الكلمة وصيرورته بديلاً عن آدم , فقد سوا القضية بتمامها. إذ نقل الى جسده الكامل بركة النسل الآدمي, وسار بها تلك المرحلة الصعبة وهي حفظ الوصية, التي عجز آدم ونسله عن حفظها, من مياه الاردن الى صليب الجلجثة. ثلاث سنوات ونصف السنة. وهناك متنا جميعا بموته وقمنا مبررين بقيامته الى حياة جديدة افضل. . يكتب الانجيل : صار آدم الانسان الاول نفسا حية وآدم الأخير روحا محييا. آدم الاول تراب من الارض. وآدم الاخير الرب من السماء.وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس ايضا صورة السماوي (1كو45:15-49).

حينئذ تكلم الوحي قائلا: الرحمة والحق التقيا البر والسلام تلاثما. الحق من الارض ينبت والبر من السماء يتطلع "(راجع مزامير داود 10:85). وقال ايضا :"العدل والحق قاعدة كرسيك الرحمة والامانة تتقدمان امام وجهك".ويتابع داود النبي في هذا : "لان خلاصه صار قريب من خائفيه ليسكن المجد في ارضنا. ويقول ايضا مترنما بمراحم الرب: "انفلتت انفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين, الفخ انكسر ونحن انفلتنا. عوننا باسم الرب صانع السموات والارض آمين" (راجع زابور داود 124: 7) .

هذا لان داود الملك كان قد رأى بالوحي الالهي وكتب الكثيرعن فداء الرب, وتكفيره عن خطايا البشر. فيخاطبه بقوله : "آثام قد قويت علينا معاصينا انت تكفر عنها " (مز3:65). وكان ذلك بالموت على الصليب. إذ يكتب داود بلسان المسيح قوله :"ثقبوا يديَّ ورجليَّ واحصي كل عظامي وهم ينظرون ويتفرسون فيَّ , يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون"(راجع مزمور 16:22).

+ ذلك لكي تستطيع محبة الله الفائقة الحفاظ على عدله ورحمته وحقه في آنٍ. هذه الثلاثة التي لا تجتمع سوى في داته. ولا يُعملُ بها سوى في اقانيمه. وان هذا الانسان المخلوق على صورته تعالى, قد أُعطيَ الوصيةلكي يحيا بها بتعلمه الطاعة والشركة الابدية مع إلهه, وليس لكي يموت مع نسله,كما حدث في جنة عدن . إذ ان آدم عوضا من ان يتعلم الطاعه فيحيا مع الله ونسله الى الابد,عصى الوصية .كماكُتِبَ في القرآن ايضا: "عصى آدم ربه فغوى". ويكتب الرسول بولس في هذا موضحا: "فلما جاءت الوصية عاشت الخطية فمت انا . فوجدت الوصية التي هي للحياة هي نفسها لي للموت (راجع رو7:7-11)..لذا , جاء المسيح كانسانٍ كاملٍ بديلٍ لآدم العاصي وحفظ الوصية كاملة. فانه مكتوب ان المسيح: "بكونه ابناً تعلم الطاعة مما تألم به. وإذ كُمِّلَ صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي" (راجع الانجيل عب8:5). هذا.ومكتوب ايضا: ”كما بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد فبالاولى كثيرا الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح" (راجع ايضا الانجيل رسالة رومية12:5-21).

هذا بعض ما كُتب عن دور الله في خلاصنا,

  وبالقدر المستطاع لمفهومنا. ويكتب الانجيل مزيداً عن ابينا ابراهيم وبركته شارحا لنا هذا الامر فيقول :"اذاً الذين هم من الايمان يتباركون مع ابراهيم المؤمن لان جميع الذين هم من اعمال الناموس هم تحت لعنة, لانه مكتوب ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به . ولكن ان ليس احد يتبرر بالناموس عند الله فظاهر, لان البار بالايمان يحيا. ولكن الناموس"الوصية" ليس من الايمان بل الانسان الذي يفعلها يحيا بها" (راجع لاويين 5:18).ويتابع :"المسيح افتدانا من لعنة الناموس اذ صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة (راجع التوراة سفر تثنية 23:21). لتصير بركة ابراهيم للامم في المسيح يسوع لننال بالايمان موعد الروح (الانجيل غلا 9:3-14) . فهذا الاله العظيم, بالذات,كما قرأنا إعلاه, اراد بملء اختياره ان يكون حمل الله الرافع خطية العالم (يو18:10).

وقد كان شرطاً ضرورياً بالنسبة لخطة الله في خلاص الانسان وحفاظه على عدله ورحمته, ان يأتي هذا الفادي من نسل المرأة, وبلا خطيئة.ذلك ليكون اهلاً ان يكمل القصد الالهي-الازلي . هذا ما كُتِبَ في التوراة والانجيل وقد أشار اليهما القرآن بقوله: ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم بان لهم الجنة.وانه الفوز العظيم كما تبين سابقا . فيكتب لنا داود النبي في سفر المزامير , ان "الله تطلع من ال*--سماء ورآى كل بني آدم , فاذا بهم قد زاغوا جميعاً وفسدوا واعوزهم مجد الله ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد"(مزمور14و53). وايوب العربي يكتب لنا بدوره : "هوذا عبيده لا ياتمنهم والى ملائكته ينسب حماقة.فكم بالحري سكان بيوت من طين الذين اساسهم في التراب ويسحقون مثل العث". (سفرايوب18:4-20 و 14:14-16). او"من يخرج الطاهر من النجس. لا احد" (ايوب4:14).

ففي هذا الموقف يعلنها الروح القدس بواسطة عبده اشعيا فيقول: ان الرب تطلع من السماء وساء ف عينيه انه ليس عدل. ورآى انه ليس انسان وتحير من انه ليس شفيع. فخلصت ذراعه لنفسه وبره هو عضده. فلبس البر كدرع وخوذة الخلاص على راسه ولبس ثياب الانتقام كلباس واكتسى بالغيرة كرداء...ويأتي الفادي الى صهيون"..(راجع اش16:59-20). ويقول النبي ايضا تشددوا لاتخافوا. هوذا الهكم. الانتقام يأتي.جزاء الله.هو يأتي ويخلصكم". (راجع اش3:35-7).

ويخاطب اشعيا ذراعي الرب التي سمرت على الصليب لخلاص البشر فيقول: "قريب بري. قد برز خلاصيوذراعايَ يقضيان للشعوب.ايَّايَ ترجو الجزائر وتنتظر ذراعي".ويتابع النبي : "استيقظي استيقظي البسي قوة يا ذراع الرب . الستِ انتِ القاطعة رهب الطاعنة التنين؟؟ (راجع اشعيا ص 4:51-10).

ان المعنى الاعمق في هذا يكمن في تجسد المسيح الكلمة, وضرورة ظهور الله في جسد انسان كي تخلص ذراعه لنفسه بعد ان رأى عجز الملائكة والبشر عن تخليصه.وهذا هو الموضوع الرئيسي لتجسد الكلمة وصيرورته آدماً آخَراً وأخيراً (راجع 1كو45:15).

فهذا الابن الوحيد, يهوه اله بني اسرائيل بالذات , قد اصبح في ملء الزمان حمل الله ابيه الرافع خطية العالم. فقد اتى روحاً وكلمةً "وحل بيننَا, يقول القرآن في هذا ايضاً: "انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه".

هذا المسيح, عندما رآه يوحنا المعمدان, المدعو في القرآن (يحيَ ),اشار اليه وقال:"هوذا حمل الله الرافع خطية العالم" ( يو 29:1). هذا ما نقرأه في التوراة والانجيل اللذين قد شهد بصحتهما القرآن الكريم. وأنذر قائلاً: "ومن لا يحكم بما انزل الله فيه فاولئك هم الفاسقون " وقال الانجيل تحذيرأ مماثلاً ايضا: من لا يصدِّق الله فقد جعله كاذباً. (راجع 1يو 10:5).

عودة الى الصفحة الرئيسية