جامعية الله وواحديته في القرآن
فما نقرأه في التوراة عن جامعية الله سبحانه, نقرأهُ في القرآن ايضًا
. فهو يتكلم كثيراً عن الله في صيغة الجمع. فكأني بالله سبحانه يريدُ ان يعلنَ واحديَّته الجامعة على كل الملا وفي كل الاوقات والظروف. فكما اعلنها في التوراة في بدء الخليقة,كذلك اعلنها في الانجيل. وها اننا نقرأها في القرآن ايضاً.مثال على ذلك قوله عن ذات الله:"انَّا نحن انزلنا الذكر وانَّا له لحافظون"سورة الحجر(8). ويقول ايضا: "سنَّةَ من قد ارسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنَّتِنَا تحويلاً"سورة الاسراء (77). او: "لقد خلقنا الانسانَ في احسنِ تقويم" سورة التين (4).الخ.هل يُعقَلُ ان الله يجمعُ مع نفسه احداً آخرَ خارجاً عن طبيعتهِ الإلهية . فيتكلم معه وكأنه الله نفسه, أكانَ هذا الآخرَ ملاكاً ام نبيًّا ام انسانًا سواء ؟؟؟. وان كان الله يستعمل لنفسهِ صيغةِ الجمعِ للتفخيمِ او انطلاقاً من سُموِّهِ وعَظَمَتِهِ كما يظن البعض .كالأباطرة والملوكِ مثلاً,حيث اننا نراهم احيانا يستعملونَ لنفوسهم صيغة الجمع ,كقول الفرد منهم: نحن. او نريدُ. او نعملُ ونأمرُ. ولكن ليس نخلق. نقول لهؤلاء مهما كان القصد وراء هذا : انه ليس من عادة الله في كتبهِ ان يشرك معه احدا خارجا عن طبيعته الالهية ليقول معه نحن نخلق. او لنخلق. او خلقنا.حاشاة ليقول معه نحن نخلق. او لنخلق. او خلقنا.حاشا, لان من يساويه من مخلوقاتهِ. حتى يجمع مع نفسه احداً , ليقول واياه نحن . هل يوجد آلهة أخرى في القرآن تخلق مع الله. او اقانيم هذا عددها. كما جاء في التوراة والانجيل ؟. وهي متساوية معه في العظمة والكمال حتى في عملية خلق البشر والعالم وما فيه ؟؟.
انه من غير المستبعد ان يكون هذا هو الصحيح.. إذ نقرأ في القرآن الكريم , وفي غيره من الكتب السماوية التي جاءت من قبل, عن أقنوم واحدٍ وحيدٍ هو من روح الله,ومؤيدا بالروح القدس,قوله :"اني قد جئتكم بآية من ربكم اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطيرفانفخ فيه فيكون طيرا باذن الله وابريء الاكمه والابرص وأحيي الموتى باذن الله وانبئكم بما تاكلون وما تذحرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين". (سورة ال عمران 44-49 ومائدة 110)...وسنتأمل أكثر في هذا الموضوع في صفحة ( 19) من هذا الكتاب.
اعبدوا الله ربي وربكم
هذا. وان المسيح باخلاء نفسه من المجد الاسنى وولادته في الجسد كالعبيد للكفارة عن العبيد, قد اصبح عبدا مع العبيد. فانه مكتوب عنه: " أُحصي مع أثمة. وحمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين".(راجع كتاب موسى والانبياء سفر اشعيا 12:53). اما بعد ان انهى المسيح عمل الكفارة بموته مصلوبا وقيامته من الموت, فقد اختلفت المشاهد. يكتب الانجيلي يوحنا: ان مريم المجدلية,بعذ ان رأت سيدها قائما من القبر في صبيحة الاحد,اقتربت اليه فرحةً لتلمس ثوبه قال لها:"لا تلمسيني يا مريم لاني لم اصعد بعد الى ابي . لكن اذهبي الى اخوتي وقولي لهم اني اصعد الى ابي وابيكم والهي والهكم". نرى ان المسيح قد افرد نفسه بعد قيامته من القبر بقوله: "اني اصعد الى ابي وابيكم والهي والهكم". (الانجيل يوحنا17:20).فلم يقل المسيح اني اصعد الى ابينا والهنا, وكأنه لم يزل واحدا مع هؤلاء البشر. فان بنوة المسيح لله حتى بعد ان أخذ طبيعة الانسان, تختلف كليا عن بنوتنا وعبوديتنا نحن البشر لله. فاننا نحن البشر قد اصبحنا لله اولادا بالتبني بالمسيح. فانه مكتوب ان الله " قد سبق وعيننا للتبني بالايمان بيسوع بالمسيح حسب مسرته"(افسس5:1). وقد اصبح مَثَلهُ بالنسبة الى البشر,كَمَثَلِ آدم فانه مكتوب :كما في آدم" -الاول"- "يموت الجميع ,هكذا في المسيح"- آدم الثاني-"يحيا الجميع".وهم الذين يقبلون كفارته (راجع الانجيل1كو15 و افسس الاصحاح الاول) .
وها اننا نقرأها ايضا في جواب السيد المسيح لله في القرآن فيقول: "ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم". لم يقل المسيح للناس اعبدوا الله ربنا وكأنه واحدا مع الناس. بل قال لهم اعبدوا الله ربي وربكم. وهذ ما يشبه الى حد بعيد قوله الى مريم المجدلية بعد قيامته من القبر (إقرأ انجيل يوحنا17:20).
ونقرأ ايضا في سورة الزخرف قوله : "ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأُبيِّنَ لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعونِ. ان الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم" (سورة الزخرف 63و64). ونرى هنا ايضا ان المسيح لم يضع نفسه في مصاف الناس, فانه يختلف كليا عن الناس. فانه في الاصل هو خالقهم وسيدهم. فلم يقل اعبدوا الله ربنا وكأنه واحدا منهم . بل قال لهم "فاتقوا الله وأطيعونِ. ان الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ".
هذا ما اعلنه الوحي للبشر في التوراة والانجيل وقد اشار اليها الرسول الكريم منذرا بقوله: "ومن لم يحكم بما انزل الله فيه فاولئك هم الفاسقون "(راجع سورة المائدة (44-47). وكتب ايضا:"ومن يكفر بالله وملائكته وكُتُبِهِ ورسلهِ واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً"(سورة النساء 136). وقال الانجيل تحذيرأ مماثلاً بقوله: "من لا يصدِّق الله فقد جعله كاذباً". (الانجيل 1يو 10:5). وكتب ايضا: "بل ليكن الله صادقاً وكلُ انسانٍ كاذباً"(راجع الانجيل رسالة رومية 3:3).
وان هذا ما لا نستطيع فهمه وسبر غوره في عقولنا المحدودة اليوم, بل علينا ان نعتمد على ما كتبه لنا الروح القدس بواسطة انبيائه ورسله القديسين. يكتب رسول المسيح بولس: "الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ"-أي بعد القيامة- "سأعرف كما عُرفت"(اكو12:13). وإن المعرفة الصحيحة التي يطلبها الله من البشر,هي ليست للجميع. بل للانبياء والرسل وكتبهم, وللذين يقرأونها. فيكتب الانجيل في هذا :"ولكن الانسان الطبيعي لا يَقبَلُ ما لروح الله لانه عنده جهالة. ولا يقدر ان يعرفه لانه إِنَّما يُحْكَمُ فيه روحياً. واما الروحي فَيَحْكُمُ في كل شيء وهو لا يُحْكَمُ فيه من احد. لأنه من عرف فكرَ الرب فَيُعَلِّمَهُ.اما نحن" –الانبياء والرسل-"فلنا فكر المسيح"(راجع الانجيل 1كو14:2-1).
لذا ايضا يكتب القرآن مخاطب الرسول الكريم : "ان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكوننَّ من الممترين. ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين", سورة يونس (94و95). وقوله له ايضا موجه الكلام الى الجميع : "وما ارسلنا قبلك الا رجالاً نوحي اليهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون". سورة الانبياء (6) . والانجيل بدوره ينصح جميعنا بالرجوع, في كل شاردة وواردة,الى التوراة, واقوال الانبياء انفسهم من خلال كتبهم .فيكتب الرسول بطرس: "وعندنا الكلمة النبوية وهي اثبت التي تفعلون حسنا ان انتبهتم اليها كما الى سراج منير في موضع مظلم الى ان ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم"(الانجيل 2بط19:1).