كيف مات المسيح بالنسبة الى القرآن ؟.
ان القرآن يقدم لنا الشعب اليهودي بوجه عام كقاتل للانبياء. بل لانبيائه هو بالذات. فقد جاء في سورة ال عمران(112): "وضربت عليهم المسكنة ذلك بانهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الانبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون". واليهود هم طبعاً المعنيون. وفي سورة النساء (155) يتحدث القرآن عن كفرهم بآيات الله وقتلهم الانباء بغير حق. وفي سورة المائدة (70) يؤكد على ذلك قائلا: "لقد اخذنا ميثاق بني اسرائيل وارسلنا اليهم رسلا كلما جاءهم رسولٌ بما لا تهوى انفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون"
المسيح مات مقتولا على الصليب .
يتبين من هذه الآيات وغيرها ان اليهود كانوا شعبا تميز بالعصيان على الله, حتى اصبح قتل الانبياء شبه عادة من عوائدهم, لدرجة ان القرآن لم يجد نفسه مضطراً الى اعطاء الامثلة حينما تكلم عنهم بهذا الخصوص. بل ترك أمر تفصيلها الى كتب الله التي قد سبقته وقد أشار اليها مرارا.
فمن الواضح هنا ان الآيات التي اوردناها اعلاه حول قتل اليهود لانبيائهم لم تأت على ذكر المسيح بالذات. فهي لا تخصص احداً. لذلك لا نستطيع ان نستنتج منها على نحو مباشر ان اليهود قتلوا بين من قتلوهم من الانبياء ,عيسى ابن مريم رسول الله ايضًا,
استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون.
لكن هناك آيات اخرى في القرآن تشهد بوضوح اكبر لموت المسيح بالذات مقتولا على ايدي اليهود. ففي سورة البقرة (87) نقرأ ما يلي: "لقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه بالروح القدس. افكلما جائكم رسول بما لا تهوى انفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون .
ففي هذه الآية ينقسم الرسل الذين جاؤا بما لا تهواه انفس اليهود الى فريقين . فريق كُذِّبَ وفريق آخرا قد مات مقتولا على ايدي اليهود . ثم ان هذه الآية تخص بالذكر اثنين كبيرين من انبياء اليهود . صحيح ان
هذه الآية لا تقول صريحاً ان موسى قد كُذِّبَ وان المسيح قد قُتِلَ .لكن اليس هذا هو المعنى بالذات ؟.فهذه الآية تذكر اولا موسى وتقول انه أُوتي الكتاب, ثم تأتي بالدرجة الثانية على ذكر المسيح وتقول انه أوتي البينات وأُيد بالروح القدس.وعندما تصل الى التفريق بين من كُذِّب من الانبياء ومن قُتِل على ايدي اليهود منهم , تذكر الذين كُذِّبوا اولا, ممثلين بموسى الذي كُذِّبَ. والذين قتلوا آخراً ممثلين بالمسيح الذي قُتِل ,وذلك كما لنا بالتناظر مع ذكر موسى اولاً والمسيح ثانياً.. ففي المقطع الاول منها ذُكِرَ موسى اولا ثم المسيح اولا ثم المسيح. كذلك التكذيب ذُكر موسى اولا ثم القتل.
معقولية الاستنتاج
ان موسى يُعتَبَر في هذه
الآية ممثلا للفريق الذي كَذَّبَهُ اليهود من الانبياء وانه بالتالي هو ذاته كُذِّب. وان المسيح يُعتَبَر فيها ممثلا للفريق الثاني الذي قُتل وانه بالتالي من الذين ماتوا مقتولين على ايدي اليهود. هذا كله من جهة اولى . اما من الجهة الثانية فانه من المعلوم عموما من الكتب المقدسة كلها ان موسى لم يمت مقتولا. فالتوراة تخبرنا في سفر التثنية (48:32) ان الله قد أمر موسى ان يصعد الى جبل نبو الذي قبالة اريحا, فصعد اليه موسى ومات هناك.بالمقابل فان موسى قد كُذِّب مرارا عديدة وذلك بشهادة القرآن والتوراة وسنكتفي هنا بايراد مَثَل على ذلك من كلٍ منهماَ. فها موسى ذاته يشتكي امام الله في التوراة في سفر الخروج (1:4)من ان اليهود شعبه لا يصدقونه ولا يسمعون لقوله. وها القرآن يعيد بدوره ما جاء في التوراة عن موسى فيذكره بين سائر الانبياء والمرسلين الذين كُذِّبوا فيقول في سورة الحج (44) :" وكُذِّبَ موسى فامليت للكافرين ثم اخذتهم فكيف كان نكير".
لقد قلنا اعلاه ان موسى لم يمت مقتولا من جهة, وانه كُذِّبَ مرارا عديدة من جهة اخرى .اليس من البديهي ان نستنتج ان عيسى ابن مريم, الذي اوتي البينات وأُيِّدَ بالروح القدس كما ورد في الآية اعلاه , الا يصبح من البديهي أن يُمَثِّلَ هذا المسيح الفريق الذي قُتِلَ ويندرج في عداده, كما ان موسى يُمثل الفريق الذي كُذِّبَ ويندرج في عداده ايضاً ؟؟
فلِمَ قتلتموهم ان كنتم صادقين
ثم ان هناك آية اخرى في القرآن من شأنها ان تزيدنا قناعة بامكانية قراءة موت المسيح مقتولا في القرآن ذاته. ففي سورة ال عمران (183) يقول عن لسان اليهود: "ان الله قد عهد الينا ان لا نؤمن لرسول حتى ياتينا بقربان تاكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلِمَ قتلتموهم ان كنتم صادقين".ان السؤال الذي يطرح ذاته علينا هنا هو, من المقصود يا ترى,عندما يتكلم القرآن عن الرسول الذي جاء قبله بالبينات وبالقربان الذي تأكله النار وقد قتله اليهود ؟؟.
لقد سبق لايليا النبي ان قدم قرباناً لله في العهد القديم وطلب فنزلت على القربان نار من السماء واكلته. لكن هل ايليا هو المقصود هنا ؟. طبعاً لا. وذلك واضح من كون ايليا كما تخبرنا التوراة قد اخطتف حيا الى السماء. فهو اذاً لم يمت ولا يمكن بالتالي ان يكون من عداد الانبياء الذين قتلهم اليهود. لكن ان لم يكن ايليا المقصود فمن هو المقصود اذاً ؟, من أوتي بالبينات وارتبط اسمه بها في القرآن ؟ من, غير المسيح عيسى ابن مريم ؟ فهل نستطيع والحالة هذه ان نستثني عيسى ابن مريم, وموائده السخية لليهود, وصاحب البينات والعجائب من لائحة شهداء اليهود ؟ الم تقل التوراة عنه وقد شهد القرآن ذاته لصدقها , انه سيموت مصلوبا بين اشرار, فديةً وكفارة عن شعبه, وعن العالم اجمع ؟. وقد قال داود عنه بروح النبوة وهو كعادة الانبياء وكأنه يتكلم عن نفسه في مزمور (16:22):"ثقبوا يديَّ ورجليَّ واحصي كل عظامي وهم ينظرون ويتفرسون فيَّ , يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون" ؟.واشعيا بدوره يتنبأ ويكتب "من صدقخبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب. نبت قدامه كفرخ وكعرق من ارض يابسة لا صورة له ولا جمال فننظر اليه ولا منظر فنشتهيه. محتقر ومخذول من الناس رجل اوجاع. محتقر ومخذول من الناس رجل اوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به لكن احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا. وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبِحُبُرِهِ شفينا-أي بجروحه شفينا- كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا. ظلم اما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح وكنعجة صامتة امام جازيها فلم يفتح فاه. من الضغطة ومن الدينونة اخذ. وفي جيله من كان يظن انه قطع من ارض الاحياء انه ضرب من اجل ذنب شعبي. وجعل مع الاشرار قبره ومع غني عند موته. على انه لم يعمل ظلما ولم يكن في فمه غش" (راجع كتاب موسى اش 53).
وعندما نأتي الى الانجيل وهو الكتاب المنير نجد:"ان المسيح قد مات من اجل خطايانا بحسب الكتب وانه دفن وقام بحسب الكتب"(راجع الانجيل 1كو3:15). وقد صرح المسيح ذات يوم لليهود المحيطين به: "انقضوا هذا الهيكل وانا في ثلاثة ايام اقيمه". والانجيل يكتب بوضوح ان المسيح كان يتكلم عن هيكل جسده الذي سيموت ويدفن ويقوم في اليوم الثالث, ويُرفع بعدها الى السماء "(الانجيل يوحنا 19:2-21).
وقد صرح المسيح ذات يوم لليهود قائلا: "كما مكث يونان-يونس- في بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليالي هكذا سيبقى ابن الانسان في بطن الارض ثلاثة ايام وثلاث ليالي"(الانجيل مت40:12). وقد صلب بين لصين, كما يشهد التاريخ اليهودي والروماني على ذلك. وقد بقي في القبر ثلاثة ايام قام بعدها منتصرا على الموت . وبقي مع تلاميذه اربعين يوما بعد قيامته. وعندما انقضت ارتفع الى السماء الى حيث كان اولاً( يوحنا62:6).
وكما تقول ايضا الآية القرآنية التي سبق ذكرها اعلاه : "يا عيسى ابن مريم اني متوفيك ورافعك الي وجاعلا الذي آمنوا بك فوق الذين كفروا الىيوم القيامة". (سورة المائدة (117) . وجاء عن لسان المسيح في سورة مريم (33): "سلام عليَّ يوم ولدتُ ويوم اموتُ ويوم أُبعثُ حياً".
فهل بعد هذه جميعها نستطيع ان نستثني عيسى ابن مريم من لائحة شهداء اليهود. , الذي قد جاء ليموت فدية وكفارة عن جميع الذين يقبلونه مخلصا, فنكذب بذلك توراة موسى وصحف ابراهيم وزابور داود, التي هي مزامير داود, وانبياء الله جميعهم, والانجيل, والملائكة والبشر, والقرآن ايضاً, الذي شهد بأخلاص لكل هذه الكتب السماوية , وقد انذر بالضلال البعيد للذين يكفرون بكتب الله, بقوله "ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا " (سورة النساء 136). ويقول ايضا في آيات بيناتٍ مضيئاتٍ كنور الشمس ان المسيح قد مات ورفع حيا الى المجد ؟؟. (راجع سورة مريم 33وال عمران (55وسورة المائدة (117) الخ .