وما قتلوه وما صلبوه بل شبه لهم
من المتمسكين بالنظرية التي تدَّعِي ان المسيح لم يمت مصلوباً , هم الذين عثروا في فهم ما ورد في سورة النساء (157) اذ يقول: "وما قتلوه وما صلبوه بل شبه لهم". فكأنهم ارادوا بتمسكهم هذا ان يكذبوا كل الآيات القرآنية التي وردت بخصوص موت المسيح, ويقلبوا الكتب السماوية جميعها رأساً علىعقب. لقد نسوا ان القرآن يقول ومن لا يحكم بما انزل الله فهؤلاء هم الكافرون. ويقول ايضاً: "افلا يتدبرون القرآن فلو كان من عند غير الله لوجد فيه اختلافا كثيرا" سورة النساء (82) اي اختلافاً عما سبقه من كتب سماوية منزلة, او اختلافا عن نفسه وبين آياته. لانه عندما يُفصَلُ القرآن عن جزوره في التوراة والانجيل, فان ذلك يؤدي بالضرورة الى سوء فهمه وتفسيره. وإن القرآن لم يترك ظرفاً مناسباً الا وشهد لهذين المرجعين القديمين .
شبه له ام شبه لهم ؟؟!
من سوء تفسير القرآن, الناتج عن فصله عن جزوره, في التوراة والانجيل, والذي من شأنه ان يضلل اخواننا المسلمين ممن لم يطلعوا عليه اطلاعاً وافياً. وقداكتفوا بما يسمعونه ظرفياً من بعض مفسريه وقرائه مرتلا وربما على نحو يعوزه الوضوح.كما ان تفسيرا من هذا النوع من شأنه ايضاً ان يزرع في اذهان اخواننا المسلمين وغيرهم افكاراً تبعدهم كليا عن اخوانهم المسيحيين اهل الكتاب, الذين يقول عنهم القرآن الكريم انهم اقرب الناس مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى (راجع المائدة 81).
ان من ثمار سوء الفهم اعلاه لغطاً يدور حول ما جاء في سورة النساء (157) عن المسيح حيث نقرأوما قتلوه وما صلبوه بل شبه لهم.
من المؤسف ان اقول إن سوء فهم هذه الآية, قد ادَّى بالكثيرين من المسلمين الى سوء قراءتها ايضا وتردادها. فعوض عن ان يقرأوها شُبِّه لهم نراهم يرددونها على نحو ببغائي شُبِّه له. لكن الفرق بين ان يُشبَّه للمسيح , وبين ان يُشبَّه لليهود انهم قتلوا المسيح فرق عظيم جدا. فلو انه قد جاء في الآية الكريمة انه شُبِّه للمسيح في صلبه, لكانت تعني ان شخصًا آخر قد صلب مكان المسيح , فظن اليهود انه المسيح لانه ربما كان يشبهه . لكن الآية لا تقول انه شُبِّه للمسيح, بل شُبِّه لليهود انهم قتلوا المسيح, واخفوا رسالته الى الابد,.كما كانوا يفعلون بغيره من الانبياء والقديسين .
لكن هل نسي اليهود يا ترى انهم قتلوا المسيح؟ اظن ان اليهود لم ينسوا الى الآن انهم صلبوه وقتلوه. وقد ذهبوا بعدها الى بيوتهم مطمئنين وقائلين نعم لقد قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله.
فها داود نبيهم وملكهم المحبوب يتنبأ في لسان سيده المسيَّا فيقول:"ثقبوا يديَّ ورجليَّ واحصي كل عظامي وهم ينظرون ويتفرسون فيَّ, يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون".راجع مزمور (16:22).وتنبأ عن بعثه حيا من القبر فقال: "لانك لن تترك نفسي في الهاوية. ولا تدع قدوسك يرى فساداً" (راجع الانجيل اعمال 27:2ومزمور 10:16). ففي ذلك لا ذكر لآخر مات بديلا عن المسيح لانه يشبهه .
وبالفعل فان بعض أئمة المسلمين قد استرسلوا في سوء تفسير هذه الآية والفوا عليها كتبا ومجلدات. وكان حصيلتها ان الصلب قد وقع فعلاً, انما ليس على المسيح بالذات بل على احد تلاميذه او احد المشاهدين, الذي اوقع الله عليه شبه المسيح. فظن اليهود انه المسيح ذاته فصلبوه.
لقد قرأت هذا التفسير,او ما يشبهه, في احد كتب شرح القرآن وهو من تأليف احد كبار الشارحين المسلمين ، لكن المؤسف في الامر, ان صاحب هذا التفسير بعد ان زرعه في عقول المسلمين, يعود ويتنصل منه في النهاية اذ يقول انه تفسير افتراضي وضع خصيصاً لتفسيرهذه الآية. وهو الى ذلك يستبعد ان يكون الله سبحانه قد تسبب في قتل انسان بريء حتى يحلص المسيح, اذ ان الله قادر اذا اراد, على تخليصه بطرق اخرى
فمهما يكن من أمر, فان الآية اعلاه لا تقول شبه له, بل كما اكدنا وكما هو مكتوب شبه لهم (راجع سورة النساء (157), وهذا يعني ,كما نود ان نكرر هنا مؤكدين , بان اليهود قتلوه وصلبوه كما قرأنا في الاية اعلاه, وقد ذهبوا الى بيوتهم مطمئنين مهللين وقائلين بكل فخر واعتزاز: انَّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله. فقد ظنوا انهم بقتله قد اخفوا رسالته الى الابد, لكن في عمل قيامة المسيح من الموت ورفعه حيا الى السماء , كان وكأنهم لم يقتلوه ولم يصلبوه بل شبه لهم انهم قتلوه وصلبوه . فقد نسي اليهود ان انبيائهم قد تنبأوا بسخاء عن موت المسيح الكفاري وبعثه من القبر حيا.
ما لهم به من علم الا اتباع الظن
مجرد الظن, فما معنى ما لهم به من علم الا اتباع الظن, ؟ او ما معنى ان يكون اليهود قد ظنوا انهم قد قتلوا المسيح عيسى ابن مريم.
ان اليهود حسبما جاء في الآية القرآنية اعلاه , قالوا انهم قتلوا المسيح, فجاء قولهم هذا كما نرى, بمثابة اعتراف واضح وصريح بقتلهم اياه , فلا مجال بعد للشك في صدق اعترافهم او كذبه, لانهم طبعاً هم ادرى الناس بما فعلوا. فقد قتلوه واعترفوا كعادتهم بافتخارٍ وصلابة رقَبة قائلين : انَّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله.
فقد صدقنا اقوالهم التي تتناسب مع اعمالهم ولم نعترض عليها. كقولهم في (الآية 155),"فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم يآيات الله وقتلهم الانبياء بغير حق. وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا" ولكنَّ القرآن يريد الآن ان يعلن لنا حقيقة اخرى قالوها وفعلوها, وها هم انفسهم بكل باعتزاز ودون خوفٍ او حياء يرددونها : "بقولهم انَّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله"( الآية 157). الا نصدقهم ايضا فيما قالوه من هذا القبيل . والقرآن ينقل لنا اقوالهم هذه كما جاءت بكل امانة.
فما هو رأيكم دام امركم ؟ هل نستطيع ان نأخذ هذه الكلمات المصداقة الواضحة بعين الاعتبار والتصديق من القرآن ؟, ام ترفضونها كغيرها من الحقائق الكتابية,كما رفض اليهود قديما حقائق كتبهم, وها هم الآن, مع من لهم من البشر, محرومون من مسيحهم, ومن ملكوتهم الذي قد انتزع منهم واعطي لامة تعمل اثماره ( راجع الانجيل (متى 21: 42)..
فكأني بهذه الكتب الكثيرة التي يؤلفونها اليوم, وهي تدورحول نكران حقيقة شخص المسيح وطبيعته اللاهوتية-الانسانية, وبنوته لله وموته الكفاري عن العالم , يريدون بها ان يكذبوا ماجاء في كتب الله جميعها والقرآن نفسه, وان يؤثروا على رعاياهم قاطبة,ان المسيح لم يمت موته الكفاري عن الخطيئة كما تنبأت عنه الأنبياء.ولم يبعث من القبر حيا ويرتفع الى الله كما يكتب القرأن ايضا, وكما نقرأ في كتب الله جميعها. وكأنَّي بهذه الذبائح الحيوانية, التي كانت تقدم بالالوف والربواة في هيكل الله القديم, تكفيرا عن الذنوب والخطايا لم تكن يوما . فانه في يوم واحد, وهو يوم تدشين هيكل سليمان, ذبحت فيه "اثنين وعشرين الفا من البقر.ومئة وعشرين الفا من الغنم"( راجع .وهذه جميعها كاننت تشير الى كفارة الله, من آدم الى نوح الى ابراهيم الى داود الى ان جاء المسيح ذبحا عظيما وانتهى امرها. وقد تكلم عنها الانبياء جميعهم.وما علينا الآن سوى الايمان بها لنحصل عليها كما صرح بذلك المسيح نفسه (راجع يو3).