فأتوا بكتاب من عند الله هو اهدى منهما اتبعه ان كنتم صادقين
وقد جاء في سورة القصص (48) ان المشركينَ عندما حاجّوه بالكتب وبما اوتي موسىقال لهم الرسول: "قل فأتوا بكتاب من عند الله هو اهدى منهما اتبعه ان كنتم صادقين." لقد ذَكَرَ الرسول الكتاب هنا في صيغة المثنى, التي يقصد بها ان الكتاب المقدس في عهديه هو كتابان, كما ان هذان الكتابان يحتويان على كُتُبِ الله باكملها المؤلفة من (66) كتاباً وهي التوراة والانجيل. فان التوراة تحتوي على (36) كتابا والانجيل يحتوي على (29) كتابا.
وقد قال القرآن بهذا كما سبق وذكرنا في سورة النساء (26) "يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم".اي إن ارادة الله هي ان يهتدي الكل الى سُنَّة ما قبل القرآن التي بدون شك,هي سنَّة المسيح عيسى ابن مريم سنَّة الفداء والكفارة.
ان هدف القرآن كان ولم يزل, هو الهداية الى كفارة الله وغفرانه في كتب التوراة والانجيل التي لا تتغير. وقد اعلنها الله في لغة عربية فصحى يفهمها العرب الذين كانوا متأخرين اجتماعيًا وفكرياً فيقول في سورة (الزخرف2-4):"والكتاب المبين , إنَّاجعلناه قرآنًا عربيًّا لعلكم تعقلون وإنه في أُم الكتاب (أي في التوراة), لدينا لعلىُّ حكيم". وان ما نراه اليوم من روحانية تتخلل القرآن وآياته, مردُّه الى مصدر القرآن نفسه,وهو الكتاب المبين المحفوظ لدى الله. هو كتاب موسى والانبياء "التوراة" اول كتاب أُنزل من السماء الى البشر, يقول:"تلك آيات الكتاب المبين انَّا أنزلناه قرآنًا عربيا لعلكم تعقلون"(سورة يوسف1و2). ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة" (راجع سورة هود17)
لم يأتِ الرسول محمد لمحاربة هذين المرجعين القديمين المحفوظين من الله , التوراة والانجيل, كما يفعل بعض المسلمين الحاقدين على كتب الله اليوم. بل قد أُرسل الرسول الكريم الى العرب ليبسِّطَ لهم بعض الحقائق الالهية الصعبة المكتوبة بغير لغتهم , لبجعلها مستساغة وسهلة الفهم بلسان عربي فصيح. وقد قال القرآن بهذا: "الكتاب المبين انا جعلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم (أي انه في التوراة التي هي امامًا ورحمةً )" (سورة الزخرف 1-4).
لم يأتِ رسول العرب ليفرِّق العرب, بل ليجمع العرب حول كلمة الله التوراة والانجيل فقال: "ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا" سورة النساء 136وقد جاء ايضًا في سورة البقرة 284),آمَنَ الرسول بما أُنزل اليه من ربه,والمؤمنون كلٌ آمَنَ بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله ومن لا يحكم بما انزل الله فيه فاولئك هم الفاسقون اقرأ سورة المائدة من42-47).وقال رسول المسيح يوحنا في الانجيل تحذيرأ مماثلاً: "من لا يصدِّق الله فقد جعله كاذباً"(راجع يو10:5)
بحسب ما تيسر لنا قراءته من كتب الله, نستطيع ان نفهم ان الذين يروِّجونَ الكفر والضلال والافتراء على الله وكتبه, هم الذين يعلِّمونَ الناس قائلين , ان لله كتاباً واحداً فقط لا غير, اسمه القرآن, وليس عند الله كتباً, كما في الآيتين اعلاه. فهؤلاء الناس قد ضَلُّوا ضلالاً بعيدًا جداً عن القرآن, وما سبقه من كتب لله (سورة النساء 136).
خامسًا : لقد تبرهن لنا ايضًا, ان الكفارة التي صنعها الله لاجل خطيئة الانسان الاول ونسله, هي في القرآن, كما هي في الكتب اليهودية- المسيحية على السواء. لكنَّ القرآن لم يستفض بها, بل ترك امرها الى كتب الله التي سبقته , وقدشهد لها واشار للرجوع اليها في كل مناسبة. لانها كتب الله سبحانه, ولا يستطيع احد ان يبدل كلام الله او يحرفه, لانه سهران على كلمته لبجريها . وقد حث الرسول شعبه لقراءتها, لا الكفر بها وتسميتها بالكتب المحرفة كما يحدث اليوم, واتهام الله بالكذب والضعف, إذا صح التعبير.
ان القرآن الكريم لم يوصِ بالابتعاد عن كتب الله التي سبقته والادعاء انها محرفَّة, وترك المسلمين الجدد في ظلامٍ روحيٍ دامس , نتيجة لتجاهل قياداتهم الطريق المستقيم الى معرفة الله والحياة الابدية يالانجيل. لقدتم فيهم القول الذي قاله الرب لرؤَساء اليهود قديماً: ويل لكم لانكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون الداخلين يدخلون (مت13:23). وان الانجيل يعلن بشكل واضح, السبب في منع ايصال الانجيل الى شعب الله في كل مكانٍ انه الشيطان اقرأ(2كو1:4-6) حيث يقول : "ولكن ان كان انجيلنا مكتومًا فانما هو مكتوم في الهالكين الذين فيهم اله هذا الدهر (الشيطان) "قد اعمى اذهان غير المرمنين لئلا تضيء لهم انارة انجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله".
ان محبة الله للإنسان هي محبة ابدية, وقد دبَّرَ امرخلاصه منذ اللحظة الاولى, بعد ان اخطأ في جنة عدن, كما مر بنا. بصيرورته هو نفسه نسل المرأة ليصير آدماً ثانياً ليسحق رأس ابليس في حياته الطاهرة وكفارته على الصليب. وهذا العمل العظيم, الذي ينكره الكثيرون اليوم, لهو اعظم عمل قامت به محبة الله للبشر. وهذا لم يحدث سرًا , بل تنبأت عنه الانبياء وكتبه الرسل منذ البداية. فمن يتجاهله فكأنه يتجاهل الله سبحانه وكل ما خرج من فمه الى البشر. لانه من غير المعقول ان الله المحب يترك الناس المخلوقين على صورته ومثاله, دون إعطائهم كلمة, تعِّبر عن شخصيته وارادته. للدخول معه في حياة شركة ابدية كقصده الازلي,تكون محفوظة الى مدى الاجيال . وسوف لا يتغير قصده لانه الله, وانها كلمته التي لا تتغير. فلنكن امناء في توصيل رسالة الله الى اصحابها المحتاجين اليهاكما هي. ونعطي كتبه الاحترام اللائق. ونحثّ العالم على قراءتها, والسير بموجبها, للانتفاع منها.وذلك قبل ان تأتي الساعة الرهيبة حيث هناك لا ينفع الندم يكتب في الانجيل: قد وضع للتاس ان يموتوا مرة وبعد ذلك الدينونة. ويقول القرآن ايضا: هل ينظرون الاَّ السَّاعة ان تأتيهم بغتةً وهم لا يشعرون".