التحايل على الزنا


يحارب الوهابية زواج المتعة ، الذي قال بنسخه طائفة من الأمة ، وعارض
النسخ آخرون هم الشيعة ، وهو زواج مؤقت باتفاق الطرفين ، ويشنِّع
الوهابية على الشيعة في ذلك تشنيعاً كبيراً ، ويتهمونهم بإشاعة الفاحشة
في الأمة ، ولكن الذي يجهله كثيرون خارج ديار الحرمين أن الوهابية بل
كبار علمائهم يحِلُّون بدعة جديدة يسمونها زواج المسيار [8]، وقد تداولت
ذلك وسائل إعلامهم المختلفة ، ونشرت فتوى جوازه أيضا- وعلى لسان الشيخ
ابن باز في باب (واسألوا أهل الذكر) - المجلة العربية ، الرياض ، عدد
232 ، جمادى الأولى 1417هـ .

وطريقة هذا النكاح أن يتزوج رجل امرأة بعقد يستوفي الشروط المشروعة
ولكن لا تخلو صورة من صوره من التالي أو بعضه :

- السرِّيَّة ؛ فيكون الزواج غير معلَن.

- أن يشترط فيه عدم الإنفاق.

- أن لا يكون فيه مبيت .

- عدم اشتراط الولي.

- في نية الرجل المسبقة خلال العقد أنْ يطلِّق بعد أمدٍ ، من غير
أن تدري الزوجة بذلك[9] .

نقول:

أولا: الإعلان من شروط النكاح الشرعي ، وهو جائز الغياب هنا ، مما يعني
خروج امرأة وأبناء يطالبون بميراث بعد موت أبيهم لا تدري بهم الزوجة
الأولى ولا أبناؤها مما يعني الشقاق والخلاف ، ولا يخفى أن من مقاصد
التشريع إشاعة الإخاء والمودة في المجتمع ، لا الشقاق والنـزاع ، كما أن
عدم إعلان النكاح كفيل بجعل العقد باطلاً عند كثير من الفقهاء (حاشية
الدسوقي على الشرح الكبير 2/236 237).

والراجح أن الإعلان شرط للأحاديث الواردة في الأمر بإعلان النكاح بالدفوف
ونحوها ، فقد قال r : (فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في
النكاح) رواه النسائي وابن ماجة وأحمد ، وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي
r قال : (أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالغربال) رواه ابن ماجة ،
والأمر بالإعلان ورد في أحاديث أخرى رواها أحمد ، والترمذي ، وابن ماجة ،
والنسائي.

ومسألة أخرى هي إثبات الفراش عند التجاحد لحفظ النسب ، وكيف يحصل هذا
إلا في نكاح معلن ؟!

ثانياً: لا يكفي في صحة عقد النكاح مجرد توافر الأركان والشروط الظاهرة ،
بل لابد من انتفاء الموانع والمفسدات، ولذلك حكم المحققون من الفقهاء
ببطلان نكاح التحليل ولو لم يذكر فيه شرط التحليل ، وأجمعوا على بطلانه
إذا ذكر الشرط في العقد نفسه (يراجع مبدأ الرضا في العقود (2/1238
1254) وهذا النكاح تقليد لليهود والنصارى في اتخاذ العشيقات مع
الزوجات ، قال بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: {ولا متخذات أخدان }:
كانت المرأة تتخذ صديقاً تزني معه ، ولا تزني مع غيره … فلهذا كان عمر بن
الخطاب يضرب على نكاح السر ، فإن نكاح السر من جنس اتخاذ الأخدان ،
والمرأة المحصنة تتميز عن المسافحة بإعلان النكاح .

ثالثاً : العدل مقصد أساسي للشريعة في كل شيء ، بل عليه قامت السماوات
والأرض ، وقام التشريع الإسلامي، ولذلك فحكم الله تعالى واضح فيمن لا يستطيع
العدل بين الزوجتين أن يكتفي بواحدة قال تعالى {فإن خفتم ألا تعدلوا
فواحدة} سورة النساء ، وجاءت السنة المشرفة لتبين خطورة عدم العدالة ،
فقال r : (من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه
ساقط) رواه الترمذي والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي (
2/186).

وقوله تعالى { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} أي إن خفتم أن لا تعدلوا في
القسم والنفقة في نكاح المثنى والثلاث والرباع فواحدة .. فدل على أن
العدل بينهن في القسم والنفقة واجب ، وإليه أشار في آخر الآية بقوله
{ذلك أدنى أن لا تعولوا} أي أن لا تجوروا ، والجور حرام فكان العدل واجبا
ضرورة (بدائع الصنائع (3/1548). وقال تعالى في بيان حقوق الزوجة {ولهن
مثل الذي عليهن بالمعروف} سورة البقرة ، وبينت السنة المطهرة أن هذه
الحقوق العامة للزوجات مطلقا فقال النبي r: (ألا إن لكم على نسائكم حقا
ولنسائكم عليكم حقاً.. ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن
وطعامهن) رواه ابن ماجة والترمذي ، وقال حديث حسن صحيح ، كما أن الزوجة
في الإسلام لا تهجر إلا في البيت فحق المبيت ثابت ، ونكاح يخلو من شروط
الإسلام فهو باطل.

رابعاً: النفقة والسكنى من حقوق الزوجة بنص الكتاب قال تعالى {وعلى
المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} سورة البقرة ، وقوله تعالى {لينفق
ذو سعه من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} سورة الطلاق ،
وقوله تعالى{أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن}
سورة الطلاق ، وقوله تعالى في حق المطلقات{لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن
إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه}
سورة الطلاق!

فقد اثبت الله تعالى للمرأة حق النفقة والسكنى بصيغ متعددة آمراً بهما ،
وجعل ذلك من حدود الله تعالى التي لا يجوز تجاوزها ، ومن تعدّاها فقد ظلم
نفسه بارتكاب هذا المنكر. ولذلك قال الفقهاء بأن من مقتضيات عقد الزواج
حلاً الاستمتاع والمبيت والنفقة ، والمهر ونحو ذلك، وأن من اشترط شرطا
يخالف مقتضى العقد فإن العقد باطل راجع الماوردي في الحاوي 9/503 ، (9/
507) ، (2/508) ، الكاساني في البدائع (3/1544).

أما مسألة التنازل عن الحقوق فهناك فرق بين شرط التنازل عن الحقوق في
العقد ، أو بعده ولقد فرق الفقهاء بين اشتراط شروط تخالف مقتضى العقد
فتجعله فاسداً ، وبين أن يتم العقد ثم تتنازل المرأة عن حقها كاملاً من
النفقة ، أو المبيت ، أو هي تنفق ، ومثال ذلك المهر فقد ذهب الجمهور
إلى بطلان العقد المشروط فيه نفي المهر ، وبين أن يتم العقد ثم تطييب
نفس المرأة بالمهر.

خامساً: إن عدم وجود الولي في النكاح يبطل العقد عند جمهور الفقهاء ،
قال تعالى {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} سورة البقرة ، وقال النبي
r : (لا نكاح إلا بولي) رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه ابن المديني،
والترمذي ، ومعناه النفي لحقيقة النكاح الشرعية بدليل حديث عائشة رضي
الله عنها: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، باطل ،
باطل ..) رواه أحمد والأربعة إلا النسائي، وصححه الترمذي وأبو عوانة وابن
حبان والحاكم.

سادساً: إنَّ الله سبحانه وتعالى يقول {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم
أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمةً إنَّ في ذلك لآيات لقومٍ
يتفكرون} وأي سكن ذلك الذي بُيِّتتْ له نيةُ الهدم !، وأية مودة ورحمة تلك
التي يكِنُّها من يعبث بشرف النساء ليستمتع بهن وهو لهنَّ خادع! .

سابعاً : أبغض الحلال عند الله الطلاق بنص الحديث النبوي الشريف ، وضع لإنهاء
العلاقة الزوجية عند فشل جدوى باقي السبل ، وهذا الزواج إن لم نقل أنه
مبني على الطلاق فهو مآله المعلوم ، فهؤلاء القوم لم يتزوجوا إلا ليذوقوا
عسائل النساء ، فهو استخدام غير شرعي للطلاق.

ثامناً: هذا غشٌ للمرأة الحالمة بالبيت الهانئ المستقر ، في ظل الزواج
الشرعي الصحيح ، فهذا الزوج قد غشَّها بزواج حدَّ له أمداً معلوماً قبل أن
يكون وهي لا تدري به ؛ والرسول r يقول كما في صحيح مسلم (من غشَّ فليس
مني).

تاسعاً : فوق أنَّ هذا الزواج غشٌ ، وهو كافٍ لحرمته ؛ فهو كذلك استغلال بشعٌ
أناني للمرأة الغافلة العفيفة ، التي لا تدري بأن هذا الزوج ما هو إلا
ذئبٌ جاء لينهش لحمها ثمَّ يرميها هيكلاً محطماً ليعدوا على أخرى.

عاشراً : هذا تشويهٌ لصورة الزواج الشرعي ، الذي هو رباط قدسي ، جعل الله
فيه حماية للمرأة وصيانةً لها ، وهذا التلاعب سيسقط هيبته عند الآباء وعند
النساء ، ويجعلهم يتوجسون الغدر في كل متقدمٍ للزواج. وزواج المسيار لا
يتفق مع كرامة النساء ، بما يجعلهن كالسلعة الرخيصة المخلوقة للاستمتاع
الشهواني بعيداً عن المعاني السامية الكريمة التي يحملها الإسلام لهن،
والأهداف النبيلة التي تصبو إليها شريعتنا الغراء .

حادي عشر: نكاح التحليل محرم بالسنَّة الشريفة وإن كان له شهود وإعلان
وسمي المحلل تيساً مستعاراً لأسباب منها أنه تزوج المرأة لأمدٍ معلوم ، وهذه
تسمية نبوية لهذا الزوج ، وقد أفتى العقلاء من الأمة – ومنهم السادة
المالكية – بأن كلَّ نكاح وقِّت بوقتٍ فهو نكاحٌ باطل[10].

ثاني عشر: هذا تحايلٌ على ما حرَّم الله ، وهو نفس أسلوب اليهود الذين حذَّرنا
القرآن من اتباع خطواتهم ، والذين رمَوا شباكهم يوم الجمعة ليلتقطوها
يوم الأحد ، ظانين بذلك أنهم قد تحايلوا على الله الذي حرَّم عليهم الصيد
يوم السبت ، وسبحان الله!لكأن الوهابية لم يكتفوا بتقليد اليهود في
العقائد فهاهم يقلدونهم حتى في الفقه ، ولكن لا عجب فالمقصد متفِق وهو
خراب ديار الإسلام ، فعقيدتهم لسان حالها يقول : أيها الناس اسرقوا
وازنوا واشربوا الخمر بل وافعلوا كلَّ موبقة ولكن قولوا فقط لا إله إلا الله
وستدخلون الجنة بعد عذاب قليل ، فيا بشرى المنافقين عند هؤلاء ، والله
سبحانه وتعالى يقول {ومن يعص الله ورسوله ويتعدَّ حدوده يدخله ناراً خالداً
فيها وله عذاب مهين} ، ذاك في العقيدة أما في الفقه فهاهم يتحايلون على
الحرام لِيحلُّوه !.

ثالث عشر: إنَّ هذا السِّفاح الذي يدعونه زواجا لَيدلُّ على الفهم الأحمق لدى
هؤلاء المتعفنة فطرهم لمفهوم الزواج ، فهو يدلُّ بوضوح على أنهم يفهمون
الزواج على أنه متعة جنسية للرجل ، متى ما تحققت وشبع من المرأة فله أن
يرمي بها ويذهب إلى أخرى يتلذذ بها وهكذا دواليك ، وليس الزواج الإسلامي
كذلك ، فهو علاقة مقدسة بين الرجل والمرأة فيه السكن والمودة ، وبناء
الأسرة المسلمة وإنجاب الذرية الصالحة التي هي أساس المجتمع الصالح ،
وانظر بنفسك لترى إن كان زواج الوهابية هذا يحقق شيئاً من تلك المطالب!.

رابع عشر: مع أننا نؤمن بأنَّ زواج المتعة منسوخ ، فإنَّه خيرٌ ألف مرَّة
مقارنةً بزواج الوهابية هذا ، فليس فيه غِشٌ للمرأة ولا استغلالٌ ، فهو لا
يكون إلا برضا الطرفين ، وزواج الوهابية تكون فيه المرأة آمنة تحلم
بالمستقبل السعيد مع من تظنه شريك عمرها ، مخلصةً له ، ثمَّ لا تتبين إلا
وكلمة طالق تحلُّ على مسامعها كالصَّاعقة المدوِّية من دون سبب تعلمه ، أو
جرمٍ ترتكبه!

خامس عشر: سمى الرسول الكريم الطلاق أبغض الحلال ، فهو آخر ما يُلجأ إليه
، وهذا الزواج الوهابي سيجعل الطلاق أحبَّ الحلال عند رجالهم السفهاء.

سادس عشر : هذا المسيار لا يحل مشكلة العنوسة بحال ؛ بل يزيد المجتمع
تعقيداً ومشاكل أسرية وخصوصاً في مسألة الذرية . وقد أظهر استبيان في بعض
البلاد التي تعمل بهذا النوع من الزواج أظهر أن غالبية النساء لا ينظرن
إليه كحل، ولكن الحل يكمن في إزالة القيود الاجتماعية ، والقبلية ،
والإقليمية ، والقضاء على الفوارق الطبقية ، وإزالة مظاهر الترف والبذخ
والإسراف والتبذير التي تثقل كاهل الرجل وأهله ، والتخفيف من المهور مع
عناية الدولة بالموضوع من خلال تشكيل هيئة مختصة لها صلاحيات وإمكانات
كبيرة ا

علماً أن الشرع الشريف قد حلَّ مشكلة العنوسة بتشريع واضح في أول سورة
النساء ؛ وفي السنة الغراء بعدم المغالاة بالمهور ، فلماذا الهروب عن
شرع الإسلام والتشبه بالنصارى واليهود في اتخاذ خليلات يلجأوون إليهن من
غير نفقة ولا اشتراط مبيت ؟! ، ووالله إن هي إلا بدعةٌ لهم وزرها ووزر من
عمل بها إلى يوم القيامة.

سابع عشر: هؤلاء الحشوية يدَّعون السلفية ، وحاشا السلف الصالح عنهم ، فمن
أين لهم بالدليل من السُّنَة على جواز فعلتهم ؟! بل ولا دليل حتى من كلام
أئمتهم فقد نقل ابن قدامة (6/551) في زواج النهاريات والليليات أي
اشتراط أن يأتيها في النهار فقط ، أو في الليل فقط ، نقلاً عن المروزي
عن أحمد بن حنبل أن ليس هذا من نكاح أهل الإسلام ، ثم ذكر ابن قدامة أن
زواج السر منهي عنه ، وأن الشروط التي تخص تحديد الوضع تفسد العقد ،
لأنه شرط ينافي المقصود من النكاح وهو مذهب الإمام الشافعي.

إن الزواج الإسلامي ليس زواج المتعة ، ولا المؤقت ، ولا التحليل ، ولا
المسيار ، وإنما الزواج على سنة الله ورسوله من توافر الأركان والشروط
وعدم وجود الموانع والشروط المخالفة لمقتضى العقد فمن استطاع ذلك فله
أن ينكح ما طاب له من النساء مثنى وثلاث ورباع ، وإلا فعليه الا
 

الصفحة الرئيسية