التالي

الخاتمة

إنّ مجموع التصاريح عن التحدى بالاعجاز، من نصوصها وقرائنها القريبة والبعيدة، يورث علماً ضرورياً نوجزه بهذه الكلمات:

أولاً: يتحدى القرآن، فى فترة عابرة من تنزيله المشركين لا أهل الكتاب، بإعجاز فيه.

ثانياً: يجعل القرآن هذا الاعجاز فى الهدى لا فى الاسلوب والنظم والبيان.

ثالثاً: تحدى القرآن بهداه المشركين، فهم فى شركهم اعجز عن " مثل" هدى القرآن. ولكنه لم يتحدّ بهداه أهل الكتاب لأنه فى الهدى تابع للكتاب "الإمام" ، "يقتدى" به، ويفصّله ويصدّقه؛ ويستشهد بأهله، ويطمئنّ فى شك لديهم. فلا اعجاز فى الهدى: حسب النسخة ان تكون مثل "الإمام" وما القرآن سوى تعريب "المثل" الذى عند النصارى من بنى اسرائيل.

رابعاً: ولا اعجاز للتحدى فى بيانه، لأن القرآن نفسه نسخ التحدى بإعجازه فى الأحكام، بمبدإ النسخ وواقعه (البقرة 106)؛ ونسخ التحدى بإعجازه فى التعليم والاخبار والأوصاف، بمبدأ المتشابه فيه وواقعه (آل عمران 7).

خامساً: أجل إن القرآن " بلسان عربى مبين" وهذا اعجاز واضح لكل ذى عينين. ولكن القرآن لا يجعله اعجازاً للتحدى، ولا يصح ان يكون معجزة له. فالقرآن فى التنزيل والهدى والبيان هو فى " زبر الأولين" " كالتوراة والانجيل" (الجلالان): " وانه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربى مبين؛ وانه لفى زبر الأولين" (الشعراء 192 – 196)، " وهو آيات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم" من اهل الكتاب (العنكبوت 49).

سادساً: فمن حيث الواقع، ان قول القرآن القاطع: " وشهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله" (الاحقاف 10) ينقض التحدى " بمثل هذا القرآن" (الاسراء 88)، " بسورة مثله" (يونس 38)، "بعشر سور مثله" (هود 13)، " بحديث مثله" (الطور 34)، "بسورة من مثله" (البقرة 23). ويقرّر أن الإتيان "بمثله" وارد عند أهل الكتاب.

سابعاً: ومن حيث المبدأ، إن كتاباً أكثره " من المتشابه" ، سوى " آيات محكمات" يتحكّم النسخ فى أحكامها، و" لا يعلم تأويله الاّ الله؛ والراسخون فى العلم يقولون: آمنا به، كلُ من عند ربنا" (آل عمران 7) هو كتاب لا إعجاز فيه للتحدى، على الاطلاق.

فإعجاز القرآن لا اعجاز فيه للتحدى ولا معجزة. أجل "ان الله لم يجعل القرآن دليل لنبوة" . تلك هى شهادة القرآن القاطعة فى اعجازه، ومعجزة اعجازه.

التالي