احكام أهل الذمة
ذكر الأدلة من السنة على وجوب قتل
السباب وانتقاض عهده
الدليل الأول ما رواه
الشعبي عن علي أن يهودية كانت تشتم النبي وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل رسول
الله
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1398.
دمها وهكذا . رواه أبو داود في السنن . .
واحتج به الإمام أحمد
في رواية ابنه عبدالله فقال حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال كان رجل من المسلمين
أعمى يأوي إلى امرأة يهودية فكانت تطعمه وتحسن إليه فكانت لا تزال تشتم النبي
وتؤذيه فلما كان ليلة من الليالي خنقها فماتت فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله فنشد
الناس في أمرها فقام الأعمى فذكر له أمرها فأبطل رسول الله دمها .
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1399.
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1400.
من اعلم الناس بحديث علي وأعلمهم بثقات
أصحابه وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو
الدليل الثاني قال
الإمام أحمد حدثنا روح حدثنا عثمان الشحام حدثنا عكرمة مولى ابن عباس أن رجلا كانت
له أم ولد تشتم النبي فقتلها فسأله النبي عنها فقال يا رسول الله إنها كانت تشتمك
فقال رسول الله ألا إن دم فلانه هدر .
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1401.
رواه أبو داوود
والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل عن عثمان الشحام عن عكرمة عن ابن
عباس أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا
تنزجر فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبي وتشتمه فأخذ المغول فوضعه في بطنها
واتكأ عليها فقتلها فلما أصبح ذكر ذلك للنبي فجمع الناس فقال أنشد الله رجلا فعل
ما فعل لي عليه حق إلا قام فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتدلدل حتى قعد بين يدي
النبي فقال يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي
وأزجرها فلا تنزجر ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة فلما كان البارحة
جعلت تشتمك وتقع فيك فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها فقال
النبي ألا اشهدوا أن دمها هدر .
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1402.
والمغول بالغين
المعجمة قال الخطابي هو شبيه المشمل ونصله دقيق ماض وكذلك قال غيره هو سيف دقيق
يكون غمده كالسوط والمشمل السيف القصير سمي بذلك لأنه يشتمل عليه الرجل أي يغطيه
بثوبه واشتقاق المغول من غاله الشيء واغتاله إذا أخذه من حيث لا يدري .
قال شيخنا فهذه القصة
يمكن أن تكون هي الأولى وعليه يدل كلام الإمام أحمد لأنه قيل له في رواية ابنه
عبدالله في قتل الذمي إذا سب أحاديث قال نعم منها حديث الأعمى الذي قتل المرأة قال
سمعتها تشتم النبي
ثم روى عنه عبدالله
كلا الحديثين وعلى هذا فيكون قد خنقها وبعج بطنها أو تكون كيفية القتل غير محفوظة
في إحدى الروايتين .
ويؤيد ذلك أن وقوع
قصتين مثل هذه لأعميين كل منهما كانت المرأة
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1403.
تحسن إليه وتكرر الشتم وكلاهما قتلها
وحده وكلاهما نشد رسول الله فيها الناس بعيد في العادة .
وعلى هذا التقدير
المقتولة يهودية كما جاء مفسرا في تلك الرواية ويمكن أن تكونا قصتين كما يدل عليه
ظاهر الحديثين .
فإن قيل يجوز أن تكون
هذه المرأة من أهل الحرب ليست من أهل الذمة وحينئذ لا يدل على قتل الذمي المعاهد
وانتقاض عهده بالسب قيل هذا ظنه بعض الناس الذين ليس لهم بالسنة كثير علم وهو غلط
لأن هذه المرأة كانت موادعة مهادنة إذ النبي لما قدم المدينة وادع جميع اليهود
الذين كانوا بها موادعة مطلقة ولم يضرب عليهم جزية وهذا مشهور عند أهل العلم
بمنزلة التواتر بينهم .
قال الشافعي رحمه
الله تعالى لم أعلم مخالفا من أهل العلم بالسير أن رسول الله لما نزل المدينة وادع
يهود كافة على غير جزية وهو كما قال الشافعي رحمه الله تعالى وذلك أن المدينة كان
فيما حولها ثلاثة أصناف من اليهود بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة وكان بنو
قينقاع وبنو النضير حلفاء الخزرج وكانت قريظة حلفاء الأوس فلما قدم النبي هادنهم
ووادعهم مع إقراره لهم ولمن كان حول المدينة من المشركين من حلفاء الأنصار على
حلفهم وعهدهم الذي كانوا عليه حتى إنه عاهد اليهود أن يعينوه إذا حارب ثم نقض
العهد بنو قينقاع ثم النضير ثم قريظة .
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1404.
قال محمد بن إسحاق
وكتب رسول الله يعني في أول ما قدم المدينة كتابا بين المهاجرين والأنصار وادع فيه
يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم وشرط لهم .
قال ابن إسحاق حدثني
عثمان بن محمد بن الأخنس بن شريق قال أخذت من آل عمر بن الخطاب هذا الكتاب كان
مقرونا بكتاب الصدقة الذي كتب عمر للعمال كتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا من محمد
النبي بين المسلمين والمؤمنين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم
أمة واحدة دون الناس
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1405.
المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون
بينهم معاقلهم الأولى يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عوف على
ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين
المؤمنين .
ثم ذكر لبطون الأنصار
بني حارث وبني ساعدة وبني جشم وبني النجار وبني عمرو بن عوف وبني الأوس مثل هذا
الشرط .
ثم قال وإن المؤمنين لا
يتركون مفرحا منهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن
دونه إلى أن قال وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم فإن المؤمنين بعضهم مولى
بعض دون الناس وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1406.
مظلومين ولا متناصر عليهم وإن سلم
المؤمنين واحدة إلى أن قال وإن اليهود متفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وإن
ليهود بني عوف ذمة من المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا
من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته .
وإن ليهود بني النجار
مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني
ساعدة مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود
الأوس مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم
وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته وإن لحقه بطن من بني ثعلبة مثله وإن لبني
الشطبة مثل ما ليهود بني عوف وإن موالي ثعلبة كأنفسهم وإن بطانة يهود كأنفسهم .
ثم يقول فيها وإن
الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حرث وأشجار
يخشى فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد وإن يهود الأوس ومواليهم وأنفسهم على مثل
ما في هذه الصحيفة .
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1407.
وهذه الصحيفة معروفة
عند أهل العلم .
روى مسلم في صحيحه عن
جابر رضي الله عنه قال كتب رسول الله على كل بطن عقوله ثم كتب أنه لا يحل لمسلم أن
يتولى مولى رجل مسلم بغير إذنه فقد بين فيها أن كل من تبع المسلمين من اليهود فإن
له النصر .
ومعنى الاتباع
مسالمته وترك محاربته لا الاتباع في الدين كما بينه في أثناء الصحيفة فكل من أقام
بالمدينة ومخاليفها غير محارب من يهود دخل في هذا .
ثم بين أن ليهود كل
بطن من الأنصار ذمة من المؤمنين ولم يكن بالمدينة أحد من اليهود إلا وله حلف إما
مع الأوس أو مع بعض بطون الخزرج وكان بنو قينقاع وهم المجاورون للمدينة وهم رهط
عبدالله بن سلام حلفاء بني عوف بن الخزرج رهط ابن أبي رهم البطن الذي بدئ بهم فيه
هذه الصحيفة .
قال ابن إسحاق حدثني
عاصم بن عمر بن قتادة أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله
وخانوا
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1408.
فيما بين بدر وأحد فحاصرهم رسول الله
حتى نزلوا على حكمه فقام عبدالله بن أبي بن سلول إلى رسول الله حين أمكنه الله
منهم فقال يا محمد أحسن في موالي فأعرض عنه فأدخل يده في جيب درع رسول الله فقال
رسول الله أرسلني وغضب حتى إن لوجه رسول الله ظلالا وقال ويحك أرسلني فقال والله
لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربع مئة حاسر وثلاث مئة دارع قد منعوني من الأسود
والأحمر تحصدهم في غداة واحدة إني والله أخشى الدوائر فقال رسول الله هم لك .
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1409.
وأما النضير وقريظة
فكانوا خارجا من المدينة وعهدهم مع رسول الله أشهر من أن يخفى على عالم .
وهذه المرأة المقتولة
والله أعلم كانت من بني قينقاع إذ ظاهر القصة أنها كانت بالمدينة وسواء كانت منهم
أو من غيرهم فإنها كانت ذمية لأنه لم يكن بالمدينة من اليهود إلا ذمي فإن اليهود
كانوا ثلاثة أصناف وكلهم معاهد .
وقال الواقدي حدثني
عبدالله بن جعفر عن الحارث بن الفضيل
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1410.
عن محمد بن كعب القرظي لما قدم رسول
الله المدينة وادعته يهود كلها فكتب بينه وبينها كتابا وألحق رسول الله كل قوم
بحلفائهم وجعل بينه وبينهم أمانا وشرط عليهم شروطا فكان فيما شرط ألا يظاهروا عليه
عدوا فلما أصاب رسول الله أصحاب بدر وقدم المدينة بغت يهود وقطعت ما كان بينها
وبين رسول الله من العهد فأرسل إليهم رسول الله فجمعهم ثم قال يا معشر يهود أسلموا
فوالله إنكم لتعلمون أني رسول الله قبل أن يوقع الله بكم مثل وقعة قريش فقالوا يا
محمد لا يغرنك من لقيت إنك لقيت أقواما أغمارا وإنا والله أصحاب الحرب وإن قاتلتنا
لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا .
ثم ذكر حصارهم
وإجلاءهم إلى أذرعات وهم بنو قينقاع الذين كانوا بالمدينة .
فقد ذكر ابن كعب مثل
ما في هذه الصحيفة وبين أنه عاهد جميع اليهود وهذا مما لا يعلم فيه نزاع بين أهل
العلم بسيرة النبي
ومن تأمل الأحاديث
المأثورة والسيرة كيف كانت معهم علم ذلك ضرورة .
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1411.
ومما يوضح ذلك أن
النبي لما ذكر له أنها قتلت نشد الناس في أمرها فلما ذكر له ذنبها أبطل دمها وهو
إذا حكم بأمر عقب حكاية حال حكيت له دل ذلك على أن ذلك المحكي هو الموجب لذلك
الحكم لأنه حكم حادث فلا بد له من سبب حادث ولا سبب إلا ما حكي وهو مناسب فيجب
الإضافة إليه .
وأيضا فلما نشد النبي
في أمرها ثم أبطل دمها دل على أنها كانت معصومة وأن دمها كان قد انعقد سبب ضمانه
وكان مضمونا لو لم يبطله النبي لأنها كانت حربية لم ينشد الناس فيها ولم يحتج أن
يبطل دمها ويهدره لأن الإبطال والإهدار لا يكون إلا لدم قد انعقد له سبب الضمان
ولهذا لما رأى امرأة مقتولة في بعض مغازيه أنكر قتلها ونهى عن قتل النساء ولم
يبطله ولم يهدره فإنه إذا كان في نفسه باطلا هدرا والمسلمون يعلمون أن دم الحربية
غير مضمون بل هو هدر لم يكن لإبطاله وإهداره وجه وهذا ولله الحمد ظاهر .
فإذا كان النبي قد
عاهد اليهود عهدا بغير ضرب جزية عليهم ثم إنه أهدر دم يهودية منهم لأجل سبه فأن
يهدر دم يهودية من اليهود الذين ضربت عليهم الجزية والتزموا أحكام الملة لأجل السب
أولى وأحرى ولو لم يكن قتلها جائزا لبين لقاتلها قبح ما فعل فإنه لا يقر على باطل
كيف وقد قال
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1412.
إن من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم
يرح رائحة الجنة ولأوجب ضمانها وكفارة قتل المعصوم فلما أهدر دمها علم أنه كان
مباحا .
وقد وهم الخطابي في
أمر هذه المقتولة فقال فيه بيان أن ساب النبي يقتل وذلك أن السب منها لرسول الله
ارتداد عن الدين فاعتقد أنها مسلمة وليس في الحديث ما يدل على ذلك بل الظاهر أنها
كانت كافرة كما صرح به في الحديث ولو كانت مرتدة منتقلة إلى غير دين الإسلام لم
يقر سيدها على ذلك أياما طويلة ولم يكتف بمجرد نهيها عن السب بل كان يطلب منها
العود إلى الإسلام والرجل لم يقل كفرت ولا ارتدت وإنما ذكر مجرد السب والشتم فدل
على أنها لم يصدر منها زائد عليه .
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1413.
277.
-