احكام أهل الذمة
فصل حجة الإمام الشافعي في قتل الساب
الدليل الثالث ما
احتج به الشافعي على أن الذمي إذا سب قتل وبرئت منه الذمة وهو قصة كعب بن الأشرف .
قال الخطابي قال الشافعي يقتل الذمي إذا سب النبي وتبرأ منه الذمة .
واحتج في ذلك بخبر
كعب بن الأشرف .
قال الشافعي في الأم
لم يكن بحضرة النبي ولا قربه رجل من أهل الكتاب إلا يهود المدينة وكانوا حلفاء
الأنصار ولم يكن الأنصار أجمعت أول ما قدم رسول الله إسلاما فوادعت اليهود رسول
الله ولم تخرج إلى شيء من عداوته بقول يظهر ولا فعل حتى كانت وقعة بدر فتكلم بعضهم
بعداوته والتحريض عليه فقتل رسول الله فيهم .
ومعلوم أنه إنما أراد
بهذا الكلام كعب بن الأشرف وقصته مشهورة مستفيضة .
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1414.
وقد رواها عمرو بن
دينار عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله
ورسوله فقام محمد بن مسلمة فقال أنا يا رسول الله أتحب أن أقتله قال نعم قال فائذن
لي أن أقول شيئا قال قل .
فأتاه وذكره ما بينهم
قال إن هذا الرجل قد أراد الصدقة وعنانا فلما سمعه قال وأيضا والله لتملنه قال إنا
قد اتبعناه الآن ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره قال وقد أردت أن
تسلفني سلفا قال فما ترهنونني نساءكم قال أنت أجمل العرب أنرهنك نساءنا قال ترهنون
إلي أولادكم قال يسب ابن أحدنا فيقال رهنت في وسقين من تمر ولكن نرهنك اللأمة يعني
السلاح قال
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1415.
نعم وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عبس
بن جبير وعباد بن بشر فجاؤوا فدعوه ليلا فنزل إليهم .
قال سفيان قال غير
عمرو قالت له امرأته إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم قال إنما هو محمد ورضيعه أبو
نائلة إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب .
فقال محمد إني إذا
جاء سوف أمد يدي إلى رأسه فإذا استمكنت منه فدونكم فنزل وهو متوشح فقال أنجد منك
ريح الطيب
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1416.
قال نعم تحتي فلانة
أعطر نساء العرب .
قال أفتأذن لي أن أشم
منه
قال نعم فشم ثم قال أتأذن
لي أن أعود قال فاستمكن منه ثم قال دونكم فقتلوه متفق عليه .
وروى ابن أبي أويس عن
إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة عن أبيه عن جابر بن عبدالله أن كعب بن
الأشرف عاهد رسول الله ألا يعين عليه ولا يقاتله ولحق بمكة ثم قدم المدينة معلنا
بمعاداة رسول الله فكان أول ما خزع عنه قوله
( أذاهب أنت لم تحلل
بمنقمة % وتارك أنت أم الفضل بالحرم )
في أبيات يهجوه فيها
فعند ذلك ندب رسول الله إلى قتله .
وهذا محفوظ عن ابن
أبي أويس رواه الخطابي وغيره .
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1417.
وقال قوله خزع معناه
قطع عهده .
وفي رواية غيره فخزع
منه هجاؤه له فأمر بقتله .
والخزع القطع يقال
خزع فلان عن أصحابه يخزع خزعا أي انقطع وتخلف ومنه سميت خزاعة لأنهم انخزعوا عن
أصحابهم وأقاموا بمكة .
فعلى اللفظ الأول
يكون التقدير وهذا أول خزعه عن النبي أي أول انقطاعه عنه بنقض العهد .
وعلى الثاني قيل
المعنى قطع هجاءه للنبي منه أي نقض عهده وذمته .
وقيل معناه خزع من
النبي هجاه أي نال منه وشعث منه .
وقد ذكر أهل المغازي
والتفسير مثل محمد بن إسحاق أن كعب بن الأشرف كان موادعا للنبي في جملة من وادعه
من يهود المدينة وكان عربيا من بني طيء وكانت أمه من بني النضير .
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1418.
قالوا فلما قتل أهل
بدر شق ذلك عليه وذهب إلى مكة ورثاهم لقريش وفضل دين الجاهلية على دين الإسلام حتى
أنزل الله فيه ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب
يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا
أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ) ثم لما رجع إلى المدينة أخذ ينشد الأشعار يهجو
بها النبي ويشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم حتى قال النبي من لكعب بن الأشرف فإنه
قد آذى الله ورسوله وذكروا قصة قتله مبسوطة .
وقال الواقدي حدثني
عبدالحميد بن جعفر عن يزيد بن رومان ومعمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك وإبراهيم
بن جعفر عن أبيه عن جابر وذكر القصة قال ففزعت يهود ومن معها من المشركين
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1419.
فجاؤوا إلى النبي حين أصبحوا فقالوا قد
طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا قتل غيلة بلا جرم ولا حدث علمناه فقال رسول
الله إنه لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل ولكنه نال منا الأذى
وهجانا بالشعر ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان للسيف ودعاهم رسول الله إلى أن يكتب
بينهم كتابا ينتهون إلى ما فيه فكتبوا بينه وبينهم كتابا تحت العذق في دار رملة
بنت الحارث فحذرت يهود وخافت وذلت من يوم قتل ابن الأشرف .
كتاب
أحكام أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1420.
أحكام أهل الذمة
101.
-