احكام أهل الذمة
فصل في
استئجارهم واستئجار المسلم نفسه منهم
أما استئجارهم فقد
ثبت عن النبي أنه استأجر دليلا يدله على طريق الهجرة وكان مشركا فأمنه ودفع إليه
راحلته هو والصديق .
كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 1، صفحة 561.
وأما إيجارهم نفسه
فهي مسألة تفصيل ونحن نذكر نصوص أحمد .
قال إسحاق بن إبراهيم سمعت أبا عبدالله
وسأله رجل بناء أبني للمجوس ناووسا قال لا تبن لهم ولا تعنهم على ما هم فيه .
وقال محمد بن الحكم سألت أبا عبدالله عن
الرجل المسلم يحفر
كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 1، صفحة 562.
لأهل
الذمة قبرا بكراء قال لا بأس به وليس هذا باختلاف رواية .
قال شيخنا والفرق
بينهما أن الناووس من خصائص دينهم الباطل فهو كالكنيسة بخلاف القبر المطلق فإنه
ليس في نفسه معصية ولا من خصائص دينهم .
وقال إسحاق بن منصور
قيل لأبي عبدالله يؤاجر الرجل نفسه من اليهود والنصراني قال لا بأس نعم .
حدثنا مهنا قال قلت لأحمد هل تكره للمسلم
يؤاجر نفسه للمجوسي قال لا .
كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 1، صفحة 563.
قال وسألت أحمد قلت
يكري الرجل نفسه لمجوسي يخدمه ويذهب في حوائجه قال لا بأس قلت له فيقول له لبيك
إذا دعاه قال لا .
وقد قال في رواية الأثرم إن آجر نفسه من
الذمي في خدمته لم يجز وإن كان في عمل شيء جاز .
وقال في رواية أحمد بن سعيد لا بأس أن
يؤاجر نفسه من الذمي .
كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 1، صفحة 564.
فهذه ثلاث روايات عنه رواية مطلقة بالجواز
ورواية مصرحة بالمنع في الخدمة خاصة ورواية مصرحة بالجواز في الخدمة .
وللشافعي قولان في إجارة نفسه له للخدمة .
وقد اختلف أصحاب أحمد في ذلك فمنهم من منع
إجارة نفسه منه إجارة العين مطلقا للخدمة وغيرها وجوز إجارة نفسه منه على عمل في
الذمة .
ومنهم من منع إجارة الخدمة خاصة وجوز إجارة
العمل وهذه طريقة أكثر أصحابنا وفرقوا بينهما بأن إجارة الخدمة تتضمن حبس نفسه على
خدمته مدة الإجارة وذلك فيه نوع إذلال للمسلم وإهانة له تحت يد الكافر فلم يجز
كبيع العبد المسلم له .
قالوا ويحققه أن عقد الإجارة للخدمة يتعين
فيه حبسه مدة الإجارة واستخدامه والبيع لا يتحقق فيه ذلك فإذا منع منه فالمنع من
الإجارة أولى .
قالوا ولأنها بيع منافعه والمنافع تجري
مجرى الأعيان فلا يجوز بيع رقبته ولا بعضها ولا منافعه من الذمي .
قالوا وهذا بخلاف الإجارة على الذمة فإنها
لم تتضمن ذلك وإنما هي التزام لعمل مضمون في الذمة . كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 1، صفحة 565.
وتلخيص مذهبه أن إجارة
المسلم نفسه للذمي ثلاثة أنواع أحدها إجارة على عمل في الذمة فهذه جائزة .
الثانية إجارة للخدمة فهذه فيها روايتان
منصوصتان أصحهما المنع منها .
الثالثة إجارة عينه منه لغير الخدمة فهذه
جائزة وقد آجر علي رضي الله عنه نفسه من يهودي يستقي له كل دلو بتمرة وأكل النبي
من ذلك التمر . كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 1،
صفحة 566.