احكام أهل الذمة
فصل
مآل معابد أهل الذمة
وأما
أنه هل يجوز للإمام عقد الذمة مع إبقاء المعابد بأيديهم فهذا فيه خلاف معروف في
مذاهب الأئمة الأربعة منهم من يقول لا يجوز تركها لهم لأنه إخراج ملك المسلمين
عنها وإقرار الكفر بلا عهد قديم .
ومنهم
من يقول بجواز إقرارهم فيها إذا اقتضت المصلحة ذلك كما أقر النبي أهل خيبر فيها
وكما أقر الخلفاء الراشدون الكفار على المساكن والمعابد التي كانت بأيديهم .
فمن
قال بالأول قال حكم الكنائس حكم غيرها من العقار منهم من يوجب إبقاءه كمالك في
المشهور عنه وأحمد في رواية .
ومنهم
من يخير الإمام فيه بين الأمرين بحسب المصلحة وهذا قول الأكثرين
وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه وعليه دلت سنة رسول الله حيث قسم نصف
خيبر وترك نصفها لمصالح المسلمين .
ومن
قال يجوز إقرارها بأيديهم فقوله أوجه وأظهر فإنهم لا يملكون بهذا الإقرار رقاب
المعابد كما يملك الرجل ماله كما أنهم لا يملكون ما ترك لمنافعهم المشتركة
كالأسواق والمراعي كما لم يملك أهل خيبر ما أقرهم فيه رسول الله من المساكن
والمعابد ومجرد إقرارهم ينتفعون بها ليس تمليكا كما لو أقطع المسلم بعض عقار بيت
المال ينتفع بغلته أو سلم إليه مسجد أو رباط ينتفع به لم يكن ذلك تمليكا له بل ما
أقروا فيه من كنائس العنوة يجوز للمسلمين انتزاعها منهم إذا اقتضت المصلحة ذلك كما
انتزعها أصحاب النبي من أهل خيبر بأمره بعد إقرارهم فيها وقد طلب المسلمون في
خلافة الوليد بن عبدالملك أن يأخذوا من النصارى بعض كنائس العنوة التي خارج دمشق
فصالحوهم على إعطائهم الكنيسة التي داخل البلد وأقر ذلك عمر بن عبدالعزيز أحد
الخلفاء الراشدين ومن معه في عصره من أهل العلم فإن المسلمين لما أرادوا أن يزيدوا
جامع دمشق بالكنيسة التي إلى جانبه وكانت من كنائس الصلح لم يكن لهم أخذها قهرا
فاصطلحوا على المعاوضة بإقرار كنائس العنوة التي أرادوا انتزاعها
وكان ذلك الإقرار عوضا عن كنيسة الصلح التي لم يكن لهم أخذها عنوة . كتاب أحكام
أهل الذمة، الجزء 3، صفحة 1190و 1191.