احكام أهل الذمة

 

فصل الآمر بالله وأهل الذمة

وكذلك في ايام الآمر بأمر الله امتدت أيدي النصارى وبسطوا أيديهم بالجناية وتفننوا في أذى المسلمين وإيصال المضرة إليهم واستعمل منهم كاتب يعرف بالراهب ولقب بالأب القديس الروحاني النفيس أبي الآباء وسيد الرؤساء مقدم دين النصرانية وسيد البتركية صفي الرب ومختاره ثالث عشر الحواريين فصادر اللعين عامة من بالديار المصرية من كاتب وحاكم وجندي عامل وتاجر وامتدت يده إلى الناس على اختلاف طبقاتهم فخوفه بعض مشايخ الكتاب من خالقه وباعثه ومحاسبه وحذره من سوء عواقب أفعاله وأشار عليه بترك ما يكون سببا لهلاكه . وكان جماعة من كتاب مصر وقبطها في مجلسه فقال مخاطبا له ومسمعا للجماعة نحن ملاك هذه الديار حربا وخراجا ملكها المسلمون منا وتغلبوا عليها وغصبوها واستملكوها من أيدينا فنحن مهما فعلنا بالمسلمين فهو قبالة ما فعلوا بنا ولا يكون له نسبة إلى من قتل من رؤسائنا كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 1، صفحة 478.

 

وملوكنا في أيام الفتوح فجميع ما نأخذه من أموال المسلمين وأموال ملوكهم وخلفائهم حل لنا وبعض ما نستحقه عليهم فإذا حملنا لهم مالا كانت المنة عليهم وأنشد ( بنت كرم غصبوها أمها % وأهانوها فديست بالقدم ) ( ثم عادوا حكموها فيهم % ولناهيك بخصم يحتكم )

فاستحسن الحاضرون من النصارى والمنافقين ما سمعوه منه

واستعادوه وعضوا عليه بالنواجذ حتى قيل إن الذي اختاط عليه قلم اللعين من أملاك المسلمين مئتا ألف وإثنان وسبعون ألفا ما بين دار وحانوت وأرض بأعمال الدولة إلى أن أعادها إلى أصحابها أبو علي بن الأفضل ومن الأموال مالا يحصيه إلا الله . ثم انتبه الآمر من رقدته وأفاق من سكرته وأدركته الحمية الإسلامية والغيرة المحمدية فغضب لله غضب ناصر للدين وبار بالمسلمين وألبس الذمة الغيار وأنزلهم بالمنزلة التي أمر الله تعالى أن ينزلوا بها من الذل والصغار وأمر ألا يولوا شيئا من أعمال الإسلام وأن ينشئوا في ذلك كتابا يقف عليه الخاص والعام فكتب عنه ما نسخته الحمد لله المعبود في أرضه وسمائه والمجيب دعاء من يدعوه بأسمائه المنفرد بالقدرة القاهرة المتوحد بالقوة الظاهرة وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة هدى العباد بالإيمان إلى سبيل الرشاد ووفقهم في الطاعات لما هو أنفع زاد في المعاد وتفرد بعلم الغيوب فعلم كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 1، صفحة 479.

 

من كل عبد إضماره كما علم تصريحه (   يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه ) الذي شرف دين الإسلام وعظمه وقضى بالعادة الأبدية لمن انتحاه وتيممه وفضله على كل شرع سبقه وعلى كل دين تقدمه فنصره وخذلها وأشاد به وأخملها وورفعه ووضعها ووطده وضعضعها وأبى أن يقبل دينا سواه من الأولين والآخرين .

فقال تعالى وهو أصدق القائلين (   ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) . وشهد به لنفسه وأشهد به ملائكته وأولي العلم الذين هم خلاصة الأنام فقال تعالى (   شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام ) . ولما ارتضاه لعباده وأتم عليهم به نعمته أكمله لهم وأظهره على الدين كله وأوضحه إيضاحا مبينا فقال تعالى (   اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) . وفرق به بين أوليائه وأعدائه وبين أهل الهدى والضلال وأهل البغي والرشاد فقال تعالى (   فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اشهدوا بأنا مسلمون ) . وصلى الله على الذي رفعه باصطفائه إلى محله المنيف وبعثه إلى الناس كافة بالدين القيم الحنيف وجعله أفضل من كان وأفضل من يكون (   وأرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) فكانت نبوته لظهر الكفر قاصمة وشريعته لمن لاذ بها ولجأ إليها من كل شر عاصمة وحججه لمن عاند وكفر خاصمة حتى أذعن المعاندون واعترف الجاحدون وذل المشركون و (   جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ) وأشرق وجه الدهر برسالته ضياء وابتهاجا ودخل الناس بدعوته في دين الله أفواجا وأشرقت على الوجوه شمس الإسلام واتسق قمر الإيمان وولت على أدبارها مهزومة عساكر الشيطان . ورضي الله عن أصحابه وخلفائه الذين اتبعوا سنته وابتغوا في القيام بها رضوانه ووقفوا عند شرعه فأعزوا من أعزه وأهانوا من أهانه . أما بعد فإن الله سبحانه ببالغ حكمته وسابغ نعمته شرف دين الإسلام وطهره من الأدناس وجعل أهله خير أمة أخرجت للناس فالإسلام الدين القويم الذي اصطفاه الله من الأديان لنفسه وجعله دين أنبيائه ورسله وملائكة قدسه فارتضاه واختاره وجعل خير عباده وخاصته هم أولياءه وأنصاره يحافظون على حدوده ويثابرون ويدعون

كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 1، صفحة 482.

 

لئن بقيت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلما .

الصفحة الرئيسية