احكام أهل الذمة
باب الجزية
سئل
الشيخ الإمام العالم العلامة شمس الدين زاده الله من فضله عن كيفية الجزية
الموضوعة على أهل الذمة بالبلاد الإسلامية وسبب وضعها وعن مقدار ما يؤخذ من
الأغنياء ومن المتوسطين ومن الفقراء وعن حد الغني والمتوسط والفقير فيها وهل يثاب
أولياء أمور المسلمين أمدهم الله تعالى على إلزامهم بها على حسب حالهم أم لا? وهل
يؤخذ من الغني والفقير والمتوسط? وأجاب أما سبب وضع الجزية فهو قوله تعالى ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم
الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب
حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) فأجمع
الفقهاء على أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن المجوس وكان عمر بن الخطاب
رضي الله عنه قد توقف في أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبدالرحمن بن عوف أن رسول
الله أخذها من مجوس هجر ذكره البخاري .
وذكر
الشافعي أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال له
عبدالرحمن بن عوف أشهد لسمعت وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد توقف في أخذ
الجزية من المجوس حتى شهد عبدالرحمن بن عوف أن رسول الله أخذها من مجوس هجر ذكره
البخاري .
وذكر
الشافعي أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال له عبدالرحمن
بن عوف أشهد لسمعت وضعت لأجلهم
خاصة وإلا لو كانت الجزية تعم جميع الكفار لم يكن أهل الكتاب أولى بها من غيرهم
ولقال لهم حكم أمثالهم من الكفار يقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية .
وأما تحريم ذبائحهم
ومناكحتهم فاتفاق من الصحابة رضي الله عنهم ولهذا أنكر الإمام أحمد وغيره على أبي
ثور طرده القياس وإفتاءه بحل ذبائحهم وجواز مناكحتهم ودعا عليه أحمد حيث أقدم على
مخالفة أصحاب رسول الله والصحابة كانوا أفقه وأعلم وأسد قياسا ورأيا فإنهم أخذوا
في الدماء بحقنها موافقة لقول رسول الله وفعله حيث أخذها منهم وأخذوا في الأبضاع
والذبائح بتحريمها احتياطا وإبقاء لها على الأصل وإلحاقا لهم بعباد الأوثان إذ لا
فرق في ذلك بين عباد الأوثان وعباد النيران فالأصل في الدماء حقنها وفي الأبضاع
والذبائح تحريمها فأبقوا كل شيء على أصله وهذا غاية الفقه وأسد ما يكون من النظر .
كتاب أحكام أهل الذمة، الجزء 1، صفحة 79و80و81.
قالوا
ولله تعالى حكم في إبقاء أهل الكتابين بين أظهرنا فإنهم مع كفرهم شاهدون بأصل
النبوات والتوحيد واليوم الآخر والجنة والنار وفي كتبهم من البشارات بالنبي وذكر
نعوته وصفاته وصفات أمته ما هو من آيات نبوته وبراهين رسالته وما يشهد بصدق الأول
والآخر .
وهذه
الحكمة تختص بأهل الكتاب دون عبدة الأوثان فبقاؤهم من أقوى الحجج على منكر
النبوات والمعاد والتوحيد وقد قال تعالى لمنكري ذلك ( فاسألوا أهل الذكر إن
كنتم لا تعلمون ) ذكر هذا عقب قوله ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي
إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) يعني سلوا أهل الكتاب هل أرسلنا قبل
محمد رجالا يوحى إليهم أم كان محمد بدعا من الرسل لم يتقدمه رسول حتى يكون إرساله
أمرا منكرا لم يطرق العالم رسول قبله? وقال تعالى ( واسأل من أرسلنا من قبلك
من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) والمراد بسؤالهم سؤال أممهم عما
جاؤوهم به هل فيه أن الله شرع لهم أن يعبد من دونه إله غيره? قال الفراء المراد سؤال
أهل التوراة والإنجيل فيخبرونه عن كتبهم وأنبيائهم . كتاب أحكام أهل الذمة،
الجزء 1، صفحة 96و97.
وقال
ابن قتيبة التقدير واسأل من أرسلنا إليهم رسلا من قبلك وهم أهل الكتاب .
وقال
ابن الأنباري التقدير وسل من أرسلنا من قبلك .
وعلى
كل تقدير فالمراد التقرير المشركي قريش وغيرهم ممن أنكر النبوات والتوحيد وأن الله
أرسل رسولا أو أنزل كتابا أو حرم عبادة الأوثان فشهادة أهل الكتاب بهذا حجة عليهم
وهي من أعلام صحة رسالته إذ كان قد جاء على ما جاء به إخوانه الذين تقدموه من رسل
الله سبحانه ولم يكن بدعا من الرسل ولا جاء بضد ما جاؤوا به بل أخبر بمثل ما
أخبروا به من غير شاهد ولا اقتران في الزمان وهذه من أعظم آيات صدقه . كتاب أحكام أهل الذمة،
الجزء 1، صفحة 98.