القــــرآن

نزوله

تحدث الإخباريون المسلمون ، من مختلف الملل ، عن نزول القرآن من " اللوح المحفوظ" الذي محله " السماء السابعة " وكذلك نزول الكتب السماوية الآخرى . ويعطي محمد باقر المجلسي ، أحد أعيان الشيعة في القرن الحادي عشر الهجري ، وصفاً عجيباً لمراسيم نزول القرآن ، يسنده إلى اخباريين متقدمين ، ويبدأه بوصف الملاك " إسرافيل " حارس اللوح والحاجب الهائل :" هذا حاجب الرب ، وأقرب خلق الله منه ، واللوح المحفوظ بين عينيه من ياقوتة حمراء ، فإذا تكلم الرب تبارك وتعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه ، ثم ألقى إلينا نسعى به في السموات والأرض ، إنه لأدنى خلق الرحمن منه ، وبينه وبينه تسعون حاجباً من النور ، يقطع دونها الأبصار ما يعد ولا يوصف " ([1]). ويوصف اللوح المحفوظ أن " له طرفان طرف على العرش وطرف على جبهة إسرافيل ، فنظر في اللوح فيوحى به إلى جبرائيل عليه السلام ([2]) ". وإسرافيل الذي يحمل القرآن إلى جبرائيل ، وهو أقرب المخلوقات من الرب إذ يبعد عنه " مسيرة ألف عام " ([3]) . وقال السيوطي ، وهو فقيه ومؤرخ ومفسر سني من أعلام القرنين التاسع والعاشر الهجريين ، في إنزال القرآن :" اختلف في إنزاله من اللوح المحفوظ على ثلاثة أقوال ؛ أحدهما وهو الأصح والأشهر : أنه نزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ، ثم نزل بعد ذلك منجماً في عشرين سنة ، أو ثلاث وعشرين سنة أو خمسة وعشرين سنة على حسب الخلاف في مدة إقامته ( الرسول ) بمكة بعد البعثة([4]) . وروي السيوطي أيضاً ، حول نزول القرآن ، ما لا يختلف عن وصف المجلسي :" أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى السماء الدنيا ، وكان بمواقع النجوم ، وكان ينزل على رسوله بعضه في أثر بعض ([5])".

ويصف إمام الحرمين الجويني ، وهو من كبار متكلمي وفقهاء الأشاعرة في القرن الخامس الهجري وأستاذ أبي حامد الغزالي ، مراتب نزول القرآن بقوله :" أن جبرائيل صلوات الله عليه أدرك كلام الله تعالى وهو في مقامه فوق سبع سموات ، ثم نزل إلى الأرض فأفهم الرسول ما فهمه عن سدرة المنتهى من غير نقل لذات الكلام ([6]) ". ويعني الجويني بـ " من غير نقل لذات الكلام " عدم نقل صوت الله ، موضحاً ذلك بقوله :" إذا قال القائل : نزلت رسالة الملك إلى القصر ، لم يرد بذلك انتقال أصواته ، أو إنتقال كلامه القائم بنفسه ".

كما عكس الاخباريون " الهول السماوي " الذي صاحب نزول القرآن على حال الرسول الجسمانية ، فوصف عند تلقي الوحي أنه كان يعالج من ذلك شدة ، فنزل : " لا تحرك به لسانك " وكان إذا نزل عليه الوحي وجد منه ألماً شديداً ، ويتصدع رأسه ، ويجد ثقلاً ([7])" . وكيف كان حال الرسول إذا صدق قول ابن عباس :" سمعت أنه نزل جبرائيل على رسول الله ستين ألف مرة ([8])" ؟ وقد ورد أن الرسول عند استلامه الوحي يغمى عليه ويتصبب رعقاً ، فإذا أفاق قال : قال الله عز وجل : كذا وكذا ، وأمركم بكذا ، ونهاكم عن كذا ([9]) . والخلاصة أن هذه التفاصيل الأسطورية الهائلة ، التي قدمها الاخباريون لإضفاء أكبر قدر من القدسية والأجواء الرهيبة على العلاقة بين الوحي والرسول ، وبالتالي عكسها على علاقة الرسول بالناس ، لهي أمر ذو بعد سياسي ! وليس غريباً هذا الإستنتاج إذا عرفنا بأن تلك التفاصيل وردت في أحاديث نبوية ، وهي المدخل الأعظم في تشكيل الإسلام لدولته منها عن القرآن .

<<<القرآن و ترتيبه


[1] - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ، 18 ، ص 258

[2] - المرجع السابق ، ص 259.

[3] - المرجع السابق ، ص 259

[4] - الاتقان في علوم القرآن ، 1 ، ص 89

[5] - المرجع السابق

[6] - كتاب الإرشاد ، ص 135

[7] - بحار الأنوار ، 18 ، ص 361.

[8] - المرجع السابق ، ص 263

[9] - المرجع السابق ، ص 260.

الصفحة الرئيسية