جاء
في مطلع الرسالة إلى العبرانيين " الله
بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديما ، بأنواع
وطرق كثيرة .." ، هكذا أيضاً يؤمن المسلم بأن
الله كلم البشر في كثير من أقطار العال ، لدى
مختلف الشعوب ، وفي حقب شتى من تاريخهم . ذلك
أن الله ما خلق البشر دفعة واحدة ثم تركهم
ومضى . فهو الرحيم ، يرافقهم في الطريق الذي
ينهجونه في حياتهم ، ويقودهم إلى الإيمان بما
في الخلق من آيات لا تُحصى ، ويعلمهم بكلامه
المنزل ويكشف لهم عن إرادته السامية ، وبذلك
يؤكد حضوره بين الناس ، آمراً ومترفقاً في آن
واحد . ويعترف الإسلام بالوحي الكتابي ،
ولاسيما تراة موسى وإنجيل عيسى المسيح ( يسوع
المسيح ) ، فهو يتضمن كلام الله بأقوى تعبير .
وما الوحي الخاص الذي جاء به القرآن إلا
مواصلة لذلك الوحي الكتابي – أو التقليد
الكتابي بحسب الاصطلاح المسيحي . فرسالة
القرآن ، في نظر الإسلام ، تؤكد ما جاء في
التوراة والإنجيل وتكملهما وترتقي بهما في
النهاية إلى أسمى درجات الشمول . إلا أنه بعد
تنزيل القرآن أضحت تعاليمه المقياس ومصدر
الشريعة للمسلمين ، ولجميع الناس الذين لا
يملكون كتاباً مُنزلاً .
ومن
ثم فالقرآن هو للمسلم آخر كلام أوحي به الله
للنبي محمد ( 570 – 632م ) بواسطة الملاك جبريل .
ودُعي الوحي الإلهي قرآناً ، لأن المقصود منه
هو أن يتلى علناً ، فكلمة قرآن مشتقة من الفعل
" قرأ " أي تلا  ،
وهو أول ما أُمر به محمد ( العلق : 1 ). ولم ينزل
القرآن دفعة واحدة بل نزل به (جبريل) علي قلب
محمد صلي الله عليه وسلم ليكون من المنذرين
بلسان عربي مبين. في نحو (23) سنة ([1])
بحسب الحوادث ومقتضي الحال. ويحدد (الباقوري)
هذه المدة ب (22) سنة و (2) شهر و (22) يوماً ([2])
وما نزل منه في (مكة) مدته (12) سنة و (5) أشهر و (13)
يوماً ويبلغ مقداره نحو الثلثين منه. وما نزل
في (المدينة) كانت مدته (9) سنوات وشهراً واحداً
و (9) أيام ([3])
وهو يعادل الثلث.
جعل
المؤرخين للقرآن عدة أسماء ؛ منها : الكتاب –
الروح الأمين – الفرقان([4])
– المثاني – التنزيل – الذكر – العلي. كما
تعددت أوصافه .. فهي.. العزيز – العظيم –
الكريم – المجيد – العربي ([5]).
ومن أسمائه التي أطلقها المسلمون عليه :
الإمام ، كقولهم : إمام عثمان وإمام أهل الشام ([6])
، والمصحف ، ومأدبة الله كما ورد في حديث نبوي
:" القرآن مأدبة الله فتعلموا مأدبته ما
استطعتم " ([7]).
واختلف الناس أيضاً في أسماء السور ، ففي معنى السورة أورد السيوطي عن العتبي ما يلي : السورة لا تهمز ولا تهمز ، فمن همزها أسارت ، أي أفضلت من السور ، وهو ما بقي من الشراب في الإناء ن كأنها قطعة من القرآن . ومن لم يهمزها جعلها من المعنى المتقدم وسهل همزها . ومنهم من يشبهها بسورة البناء ، أي قطعة منه ، أي منزلة بعد منزلة . وقيل من سور المدينة لإحاطتها بآياتها واجتماعها كاجتماع البيوت بالسور ، ومنه السوار لإحاطته بالساعد . وقيل لإرتفاعها لأنها كلام الله ، والسورة المنزلة الرفيعة . وقيل لتركيب بعضها على بعض ، من التسور بمعنى التصاعد والتركيب " ([8]) . كما تعددت أسماء عدد من السور ، وهذا لا يمكن أن يكون توقيفاً – مفروض مسبقاً – عن النبي ، كما ذهب إلى ذلك عدد من المحدثين والمفسرين ، وإنما كان الاجتهاد في التسمية حسب طبيعة السورة ، وما فيها من مواقف حرجة ، وكان المشركون يستهزؤن بأسماء السور التي سميت بأسماء الحيوان .وفي تعدد أسماء السور ذكر السيوطي : لسورة الفاتحة ، فقط ، كان هناك خلاف عليها في أن تكون من القرآن أم لا – أكثر من عشرين اسماً ، فهي الفاتحة و أم القرآن ، والسبع المثاني ، والقرآن العظيم ، والوافية ، والكنز ، وسورة الصلاة ..الخ ([9]).
[1]
    - جند
    الله 76
[2]
    - مع
    القرآن 65
[3]
    - مع
    القرآن 67 – تاريخ القرآن 11
[4]
    -
    يقول د. رشيد الخيون ، في حاشية كتابة "
    جدل التنزيل " : " حسب رأي المختصين
    باللغات القديمة أن الفرقان كلمة ذات أصل
    عبري ( باروقا) وتعني المخلص أو المنجي ، ليس
    له علاقة بالمصدر العربي " فرق بين الحق
    والباطل " ، ومنه كان لقب عمر بن الخطاب
    بـ " الفاروق" ، وعمر بهذه الحال لقب
    بالمخلص لا بالمفرق بين الحق والباطل كما
    يشاع في كتب الإخباريين . فالكل كانوا
    يفرقون بين الحق والباطل ، فلماذا ينفرد
    عمر بهذا اللقب دون غيره . وذكر ابن عساكر أن
    أصل التسمية كانت من أهل الكتاب :" بلغنا
    أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر
    الفاروق ، وكان المسلمون يأثرون ذلك من
    قولهم " ( تاريخ دمشق ، 44 ص 51 ) . وإستناداً
    إلى ما فصحت عنه رواية دخول عمر إلى الإسلام
    أن الرسول استبشر كثيراً بإسلامه . ومن
    يومها أعلنت الدعوة بعد أن كانت سرية
    لسنوات . فأبو بكر كان الصديق ، وعمر المخلص
    . كذلك أشارت آيات قرآنية ، منها :" آتينا
    موسى وهارون الفرقان " ، و " آتينا موسى
    الكتاب والفرقان " إلى أن الفرقان جاء
    بالمعنى المذكور ويشير الحديث التالي إلى
    أنه من أسماء التوراة أيضاً :" والذي نفسي
    بيده ما أنزل في القرآن ولا في الزابور ولا
    في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها ، يعني أم
    القرآن ، وأنها لسبع من المثاني والقرآن
    العظيم الذي اعطيته " ( كنز العمال ، 2497 / 1)
    .جدل التنزيل ، ص 15 ، حاشية 1.
[5]
    - بدر
    الدين الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، ج1
    ، ص 273
[6]
    - ابو
    بكر السجستاني ، كتاب المصاحف ، ص 56.
[7]
    -
    محمد الري شهري ، ميزان الحكمة ، 8 ص 74.
[8]
    -
    الاتقان في علوم القرآن ، السيوطي ، 1 ص 115
[9]
    -
    المصدر السابق ، ص 116