القــــرآن
القرآن والقراءات
يقرأ
القرآن علي حسب اختلاف لغات العرب. فعدد
القراءات (14) منها (7) متواترة و (3) رواها
الآحاد. و (4) شاذة ([1]).
ويقول
(النيسابوري) ....
1
– إن القراءات السبع متواترة لثبوت
التواتر بالنسبة إلي المتفق عليه.
2
– الاتفاق علي عدم جواز القراءة في الصلاة
بالوجوه الشاذة.
3
– السبعة أحرف التي نزل بها القرآن عند
أكثر العلماء أنها (7) لغات من لغات قريش لا
تختلف ولا تتضاد. بل هي متفقة المعني. وغير
جائز أن تكون في القرآن لغة لا تعرفها قريش.
(وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين
لهم) ([2])
هذا
عن المتعارف عليه حالياً ، إلا أن المتأمل
في التاريخ الإسلامي يجد أن تعدد القراءات
أو أحرف القرآن قد لعب دوراً ملحوظاً في ما
حصل من اختلاف بين المصاحف ، ثم في ما حصل من
اختلاف في النسخ المنسوخة عن مصحف واحد .
وفي هذا المجال ، أمامنا عدة أحاديث ، وصفت
أنها نبوية ، أشارت إلى اختلاف الناس في
النقل عن الرسول لتبرير هذه الظاهرة ، منها
:" أقرأني جبريل القرآن على حرف واحد
فراجعته ، فلم أزل أستزيده فيزيد حتى انتهى
إلى سبعة أحرف " ، و " أنزل القرآن على
أربعة أحرف " ، و " أنزل القرآن على
ثلاثة أحرف " ، و " أنزل القرآن على
سبعة أحرف " ، و " أنزل القرآن على عشرة
أحرف: بشير ونذير وناسخ ومنسوخ وعظة ومثل
ومحكم ومتشابه وحلال وحرام([3])".
ويورد ابن الجوزي حادثة أشار بها الرسول
إلى شرعية تعدد قراءة القرآن ، مع خطأ
تفسيرها من قبل البعض ، جاء فيها :" قال
عمر بن الخطاب : سمعت هشام بن الحكيم يقرأ
سورة الفرقان فقرأ فيها حروفاً لم يكن نبي
الله ( ص) أقرأنيها ، فأردت أن أساوره ، وأنا
في الصلاة ، فلما فرغت قلت : من أقراك هذه
القراءة ؟ قال : رسول الله ، قلت: كذبت ،
فأخذت بيده أقوده إلى رسول الله فقلت : إنك
أقرأتني سورة الفرقان ، وإني سمعت هذا يقرأ
حروفاً لم تكن أقرأتنيها . فقال رسول الله (ص)
: اقرأ يا هشام ، فقرأ كما قرأ ، فقال رسول
الله : هكذا أنزلت ، ثم قال : اقرأ يا عمر ،
فقرأت ، فقال : هكذا أنزلت ، ثم قال رسول
الله : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف([4])".
فماذا تعني هذه الأحرف ، هل هي القراءة أم
الأحكام والنواهي والأوامر أم اللغات ؟
لهذا
السؤال جمع ابن الجوزي أربعة عشر جواباً ،
وأقتنع هو بالجواب الرابع عشر ، نوردها مع
التصرف كالتالي : الأول ؛ حلال وحرام ، وأمر
وزجر ، وضرب أمثال ومحكم ومتشابه . الثاني ؛
حلال وحرام ، وأمر ونهي ، وخبر ما كان وخبر
ما هو كائن ، وأمثال . والثالث ؛ حلال وحرام
، وأمر ونهي ، ووعد ووعيد ، ومواعظ وأمثال
واحتجاج . والرابع ؛ محكم ومتشابه ، وناسخ
ومنسوخ ، وخصوص وعموم ، وقصص . والخامس ؛
مقدم ومؤخر ، وفرائض وحدود ومواعظ ،
ومتشابه ، وأمثال . والسادس ؛ لفظ خاص يراد
بها عموم ، ولفظة يغني تنزيلها عن تأويلها ،
ولفظة لا يعلم فقهها إلا العلماء ، ولفظة لا
يعلم معناها إلا الراسخون في العلم . السابع
؛ آيات في إثبات الصانع ووحدانيته ، وصفاته
، ورسله ، وكتبه ، والإسلام ، وإبطال الكفر .
الثامن ؛ الإيمان بالله ، ومحمد ، والقرآن ،
والرسل ، والكتب ، والملائكة ، والبعث .
التاسع ؛ إنها ما يدخل في اللغة مثل : الهمز
والفتح والكسر
والإمالة([5])
والتفخيم والمد والقصر . العاشر ؛ إنها
الألفاظ المختلفة بمعنى واحد مثل قولهم :
هلم ، تعال ، أصل ، هاهنا إلى عندي ، أعطف
على . الحادي عشر ؛ أحد الوجوه الجمع
والتوحيد كقوله : بشهادتهم وبشهاداتهم ،
والتذكير والتأنيث ، والاعراب والتصريف ،
والأدوات ، واختلاف اللغات : في المد والقصر
ولهمز وتركه والإمالة والتفخيم والإدغام
والإظهار وضم الميمات في الجمع وكسرها .
والهاآت في الكنايات وكسرها . وتغيير اللفظ
في الحاضر إلى الغائب كقوله : يؤتيه ونؤتيه
، يدخله وندخله . الثاني عشر ؛ اختلاف
الإعراب في الكلمة بحركة لا تزيلها عن
صورتها في الكتاب كقوله : هن أطهر لكم ، برفع
الراء وبفتحها . واختلاف في اعراب الكلمة
على وجه يعتري حركاتها ، ويختلف به معناها
ولا يزيلها في الكتاب عن صورتها كقوله : إذ
تلقونه بألسنتكم ، واختلاف في تغيير حروف
الكلمة بما يغير معناها دون صورتها
وإعرابها كقوله : كيف ننشرها ، وقرأ ننشزها
، بالزاي ن وكذلك : حتى إذا أفزع عن قلوبهم ،
وقرأ بالغين المعجمة ، واختلاف في صورة
الكلمة في الكتاب دون المعنى كقوله : إن
كانت الأضحية واحدة ، قرأ الأزقية .
والاختلاف بتقديم الكلمة وتأخيرها كقوله :
وجاءت سكرة الموت بالحق ، وقرأت : وجاءت
سكرة الحق بالموت . واختلاف تغيير صورة
الكلمة ومعناها كقوله : وطلح منضود ، وقرئ
طلع . والزيادة والنقصان كقوله : وما عملت
أيديهم ، وقرأ : عملته ، وقوله : إن الله هو
الغني الحميد ، وقرأ : إن الله الغني الحميد
. الثالث عشر ؛ الاختلاف بالتأنيث والتذكير
كقوله : ولا يقبل منها شفاعة ، ولا تقبل ،
ولا تحل لك النساء ، ولا يحل . في الجمع
والتوحيد كقوله : وصدقت بكلمات ربها وكتبه ،
وكتابه . في الخفض والرفع كقوله : في اللوح
محفوظ ، ومحفوظ ، وهل من خالق غير الله ،
وغير الله . في الأدوات والآلات كالنون إذا
شددت ، والألف إن كسرتها أو فتحتها . وفي
الاعراب والتصريف كقوله : يعرشون . وفي
تغيير اللفظ والنطق كالقصر والمد والتفخيم
والإمالة والكسر والفتح والهمز . الرابع
عشر ؛ وبه يصل ابن الجوزي إلى التفسير
المناسب ، بعد جولته الطويلة في احتمالات
مقصد الحديث ، آخذاً ذلك من علماء ومفسرين
سبقوه ، بقوله : إن المراد بالحديث أنزل
القرآن على سبع لغات ، وهذا هو القول الصحيح
، وما قبله لا يثبت عن السبك ، وهذا اختيار
ثعلب وابن جرير ( الطبري ) ، إلا أن أقواماً
قالوا : هي سبع لغات متفرقات لجميع العرب في
القرآن ، وكل حرف منها لقبيلة مشهورة .
وقوماً قالوا أربع لغات : لهوازن وثلاث
لقريش . وقوماً قالوا : لغة قريش ولغة لليمن
ولغة لجرهم ولغة لهوازن ولغة لقضاعة ، ولغة
لتميم ، ولغة لطي . وقوماً قالوا : إنما هي
بلغة الكعبين " كعب بن عمر ، وكعب بن لؤي"
ولهما سبع لغات([6])".
على ضوء ما تقدم ، فإن هناك حقاً في
الاختلاف بقراءة القرآن ، لكن إتلاف
المصاحف ، كما سبق ، ألغى الحق لتكون لهجة
قريش هي السائدة!
ومن
المعاصرين ، يرى أبو القاسم الخوئي " أن
القرآن إنما نزل على حرف واحد وأن الاختلاف
قد جاء من قبل الرواة([7])".
لكنه سبق أن اعتبر اختلاف اللهجات في معنى
القراءات أو الحروف السبعة أحسن الوجوه ،
فقال شارحاً " إن لكل قوم من العرب لهجة
خاصة في تأدية بعض الكلمات ، ولذلك نرى
العرب يختلفون في تأدية الكلمة الواحدة حسب
اختلاف لهجاتهم ، فالقاف في كلمة يقول
مثلاً يبدلها العراقي بالكاف الفارسير ،
ويبدلها الشامي بالهمزة ، وقد أنزل القرآن
على جميع هذه اللهجات للتوسعة على الأمة ،
لأن الالتزام بلهجة خاصة من القرآن على
جميع هذه اللهجات للتوسعة على الأمة ، لأن
الالتزام بلهجة خاصة من اللهجات فيه تضييق
على القبائل الأخرى التي لم تألف هذه
اللهجة . والتعبير بالسبع إنما هو رمز إلى
ما ألفوه من معنى الكمال في هذه اللفظة ،
فلا ينافى ذلك كثرة اللهجات ، وزيادتها على
السبع([8])".
ثم ينفي الخوئي ما تقدم لاعتبارات عديدة
منها : لأنه ينافي ما ورد عن عمر وعثمان من
أن القرآن نزل بلغة قريش ، وأن عمر منع ابن
مسعود من قراءة " عتى حين" ولأنه ينافي
مخاصمة عمر لهشام بن حكيم في القراءة ،
وكلاهما من قريش!
أما
اللغوي المعاصر هاشم الطعان فقال باحثاً في
أمر الأحرف : إنها " فسرت في بعض المصادر
باللهجات ، واستدعى ذلك أن يبحث عن القبائل
التي يقرأ القرآن بلهجاتها ([9])".
وأعتقد الطبري أن هذه اللهجات ، وسماها
الألسن ، ممثلة تمثيلاً كاملاً ، إلا أنه
أعلن ستة من الأحرف السبعة قد اندثرت في
زمنه ، وعفا أثرها ، وأن القراءة الآن على
حرف واحد دون دون الستة الآخرى . ومن آثار
تلك اللهجات التي عثر عليها أحمد تيمور ما
ورد في " فقه اللغة " للثعالبي :" أن
بعضهم قرأ :" قد جعل ( ربش تحتش سريا)"
يعني الآية " قد جعل ربك تحتك سريا"،
وقد قرأ شاذان:" إنا ( أنطيناك ) الكوثر"
وهو الأستنطاء ، وقرأ عبد الله بن مسعود : (
عتى عين ) يعني " حتى حين " وهي الفحفحة([10])".
وحول
ما ورد عن لهجات أو لغات أو قراءات أو حروف
القرآن ، ينشأ الاحتمالان التاليان : الأول
؛ أن القرآن لم ينزل إلا باللهجة التي كان
ينطقها النبي محمد ، وهي لهجة قريش . وإذا
تقرر حسب رأي المعتزلة أن القرآن مخلوق فقد
عبر الرسول عن الوحي بالحروف والكلمات التي
ينطقها ، ولعلها ممزوجة بمفردات من لهجات
أخرى . والثاني ؛ أن دخول تلك اللهجات جاء
بعد إنتشار القرآن ، ونقله من مكان إلى آخر
، ولا أظن أن إمتداده خارج قريش سيكون
خالصاً بلهجة قريش ، أي كما نطقه الرسول !.
والقراء
السبعة ، كما أوردهم الخوئي في " البيان
في تفسير القرآن" هم :
1-
عبد الله بن عامر الدمشقي ، واسمه
بالكامل " عبد الله بن عامر اليحصبي
الدمشقي" ، وهو إمام أهل الشام في
القراءة ، أصله من حمير باليمن . أخذ عن أبي
الدرداء وعن المغيرة بن أبي شهاب ، وقيل قرأ
عند عثمان بن عفان . وتولى قضاء دمشق ، توفي
السنة 118هـ ([11])
2-
وابن
كثير المكي ، واسمه " أبو معبد عبد الله
بن كثير " مولى عمرو بن علقمة الداري
المكي ، أصله فارسي ، وقال ابن الخياط في
الطبقات : كان من الأبناء ، أي الأب فارسي
والأم يمنية . عمل بمكة عطاراً ، وقرأ على
عبد الله السائب المخزومي ، ومجاهد ،
ودرياس مولى ابن عباس . وتصدر القراء بمكة
حتى أصبح إماماً بها . توفي السنة 120هـ ([12])
3-
وعاصم
بن بهدلة الكوفي ، واسمه " عاصم بن بهدلة
بن أبي النجود الأسدي " ، من موالي الكوفة
، وهو معدود من التابعين ، وانتهت إليه
إمامة القراءة بالكوفة بعد شيخه أبي عبد
الرحمن السلمي ، وتوفي السنة 127هـ وقيل 128 هـ
([13])
4-
وأبو
عمرو البصري ، واسمه " أبو عمرو بن العلاء
المازني" المقرئ النحوي ، مقرئ أعل
البصرة . أخذ عنه الأصمعي وأبو عبيدة ، وقال
الأول :" كنت إذا رأيت أبا عمرو يتكلم
ظننته لا يعرف شيئاً ، كان يتكلم كلاماً
سهلاً " ، توفي السنة 154هـ ([14])
5-
وحمزة
الكوفي ، واسمه " أبو عمارة حمزة بن حبيب
الكوفي " ، مولى آل عكرمة ، أحد السبعة .
أدرك عدد من الصحابة وقرأ القرآن على
الأعمش والكسائي ، وحدث عنه أبي سفيان
الثوري ، وهو القائل : نظرت في المصحف حتى
خشيت أن يذهب بصري ، وكان مصحفه على هجاء
مصحف ابن الزبير . وسماه الأعمش بحُبر
القرآن . ويذكر أنه كان تاجراً بالزيت
والجوز والجبن بين حلوان والكوفة . توفي
السنة 156هـ وقيل 158هـ ([15])
6-
ونافع
المدني ، واسمه " أبو نعيم نافع بن عبد
الرحمن المدني" ، قرأ على طائفة من أهل
المدينة ، وكان أسود اللون حالكاً ، وأصله
من أصبهان . وقال عنه مالك بن أنس : نافع إمام
الناس في القراءة ، توفي السنة 169هـ ([16])
7-
والكسائي
الكوفي، وهو " الإمام أبو الحسن علي بن
حمزة الكوفي ، المعروف بالكسائي " ، من
موالي الكوفة . رحل إلى البصرة ، وأخذ
العربية عن الخليل بن أحمد الفراهيدي . وكتب
الكثير من اللغات ، والغريب عن الأعراب
بنجد وتهامة ، ثم قدم وقد أنفذ خمسة عشر
قنينة حبر ، ومن المؤكد أنها من الحجوم
الكبيرة ، وكان مؤدب محمد الأمين بن الرشيد.
وقال الشافعي في منزلته العلمية : من أراد
أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي.
ومن اعتداد الكسائي بعلمه أنه التقى مع
اللغوي اليزيدي ( يحي بن المبارك البصري
النحوي ) فقال له الأخير : يا أبا الحسن أمور
تبلغنا عنك ينكر بعضها ! أجابه الكسائي أو
مثلي يخاطب بهذا؟ وهل مع العالم من العربية
إلا فضل بصاقي هذا،ثم بصق، فسكت اليزيدي .
واختلف المؤرخون في تاريخ وفاته بين السنة
181 و 193 هـ ([17])
لكن
الذهبي في كتابه " معرفة القراء الكبار
على الطبقات والأعصار " عد من هؤلاء
السبعة اثنين فقط ، وهما : عاصم بن بهدلة
وحمزة الكوفي ، ولعل تشخيص الاخرين سقط
سهواً من قبل النساخ . ويرى الجزري في
اختياره هذا العدد من القراء الذين ظهروا
للوجود بعد جيل التابعين ، أن الأمر لا
يرتبط بالسبعة لأن هذا العدد كثير ما
يستخدم في صيغة المبالغة ، ولهذا يكون عدد
القراء غير محدود . ورد ذلك بقوله :"
والعرب يطلقون لفظ السبع والسبعين
والسبعمائة ، ولا يريدون حقيقة العدد بحيث
لا يزيد ولا ينقص ، بل يريدون الكثرة
والمبالغة من غير حصر ، قال تعالى :" كمثل
حبة أنبتت سبع سنابل " ، و" إن تستغفر
لهم سبعين مرة " ، وقال (ص) في الحسنة : إلى
سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة([18])".
.. وإضافة إلى ما قاله الجزري في اختيار هذا
العدد بالذات فإن له حضور واسع في الأديان
والمثيولوجيا الدينية ، فالسماوات سبع ،
وأبواب العالم السفلي عند السومريين سبع ،
وأبواب جهنم سبع في القرآن ، والفقهاء
المختارون سبعة([19])
و " غير ذلك كثير ([20])"
. ويقول الباحث الإسماعيلي " عارف ثامر"
، وما يتعلق ذلك حضوره بالتوراة وأخبار
عيسى والقرآن ، وبمعتقد الإسماعيلية : "
وقد نذهب إلى القول بأنه عدد مقدس([21])".
وإن كان العدد سبعة هو أكثر الأرقام حظوة
عند المؤرخين في إحصاء القراءات والقراء ،
لكن هذا لا يعني أنه الوحيد ، بل هناك
القراء العشر ، كما يدل عليه كتاب " النشر
في القراءات العشر " ، والقراء الأحد عشر
، والثلاثة عشر ، والعشرون ، والخمسة
والعشرون . وهناك من يعتقد أن لا حدود لعدد
القراء ، غير أنه هناك حدوداً للغات
واللهجات !. والغريب أن أبا القاسم الخوئي
وقبله كثير من علماء الدين ينفون وجود
القراءو قراءاتهم ، ولكن ما سر هذا الكم
الكبير من الكتب المؤلفة في هذه الظاهرة ،
والتي أحصاها الجزري في كتابه " النشر في
القراءات العشر " بسبعة وخمسين كتاباً !
كما
ذكر هاشم الطعان ([22])
عناوين كتب تناولت لغات القرآن منها : "
اللغات في القرآن " لمقاتل بن سليمان ( ت
150هـ) ، و " لغات القرآن " لابن الكلبي (
ت 204هـ) ، و " لغات القرآن " لهيثم بن عدي
( ت 206هـ) ، و " لغات القرآن " للفرا ( ت 207هـ)،
و " اللغات في القرآن " لابن دريد ( ت321هـ)
.. وغيرها كثير ..
وأخيراً
، يتم الاعتراف باختلاف اللهجات ، وتعدد
القراءات في القرآن بالحديث النبوي التالي
:" اقرؤا القرآن بلحون العرب وأصواتها ،
وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين ([23])".
وحسب ما ورد من اختلاف في القراءة ، كيف تتم
مواجهة ترجمة القرآن إلى مختلف اللغات ،
فليس من المعقول أن يشترط بالمسلمين من
مختلف الإنحدارات أن يستعربوا ؟ وهل كان في
ذهن الرسول أن يبقى الإسلام عربياً فقط ،
وأنه موجه إلى قوم لا أقوام ؟ ثم أن الحديث
التالي :" القرآن لم ينزل بالكسكسة([24])
ولا الكشكشة([25])
، ولكن بلسان عربي مبين ([26])".
يلغي الاعتراف بغير لهجة قريش ، فالكسكسة
والكشكشة من طبيعة اللهجات الأخرى . لكن
هناك حديثاً يقول :" إن الرجل الأعجمي من
أمتي ليقرأ القرآن بعجميته فترفعه
الملائكة على العربية([27])".
ثمة إرباك في روايات الأحاديث المتضادة ،
سواء كانت صحيحة أو موضوعة ، فكل حديث يعبر
عن حادثة محددة ، ولكن دون حصول اتفاق ولو
بحدود بين الروايات ، فرواية الحديث أو
واضعه لا يهمه أن يتناقض كلية مع غيره ، ومع
هذا التناقض يحدث إنقلاب كبير ، فكيف نفهم
جواز القراءة بالأعجمية والملائكة تقوم
بالترجمة ، حسب ما يفهم من الحديث السالف ،
وتحريم القراءة بلهجات عربية ، كما حدث أن
عمر بن الخطاب وبخ عبد الله بن مسعود لأنه
قرأ على غير قراءة قريش . ويتضح من الاختلاف
حول القراءة والأحرف التي كتب وحفظ بها
القرآن أن حملة إتلاف وحرق المصاحف التي
جردها عثمان بن عفان واستكملها الحجاج بن
يوسف الثقفي ترمي إلى فرض قراءة قريش ، وقد
ذكرنا احتجاج العراقيين والمصريين على منع
عثمان للقراءات . وقد استحدثت عقوبات صارمة
، ليس أقل من التكفير والموت ، على أي قراءة
تخالف قراءة المصحف العثماني .
ورغم
ذلك استمر الخلاف بالقراءة في فترة لاحقة ،
فقد نقل عن المقرئ البغدادي أبي الحسين
محمد بن أحمد بن شنبوذ أنه أحضر للتحقيق
أمام الوزير العباسي محمد بن مقلة بتهمة
تغييره حروفاً من القرآن ، مع أنه كان من
مشاهير القراء في القرن الرابع الهجري ،
وكاد أن يقتل بسببها ، لولا تراجعه السريع
عن ذلك واعترافه بمخالفة قراءة أكثر من
عشرة آيات . وعندها كتب بخط يده محضر توبته
:" فمتى خالفت ذلك أو بان مني غيره فأمير
المؤمنين في حل من دمي وسعة ، وذلك يوم
الأحد لسبع خلون من ربيع الآخر سنة ثلاث
وعشرين وثلثمائة في مجلس الوزير أبي على
محمود بن علي بن محمد بن مقلة([28])".
ثم كتب الشهود شهادتهم . ونسب المقرئ
المذكور المحققين معه " إلى قلة المعرفة
وغيرهم بأنهم ما سافروا في طلب العلم كما
سافر ". وبهذا أشار إلى تفشي القراءات
الأخرى في أصقاع الدولة رغم تعميم المصحف
العثماني ، والحملات الكثيرة والمتعاقبة
لجمع المصاحف الأخرى ومنع أي قراءة مخالفة .
ولم تنته محنة هذا القارئ بكتابته للمحضر
وإعلان توبته ، فقد رحل إلى المدائن خوفاً
عليه من فتك العامة به ، وقيل :" إنه توفي
في محبسه بدار السلطان " .
وبشأن
اللغات الأعجمية بالقرآن روي عن علي بن أبي
طالب أنه قال :" في هذا القرآن من كل لسان([29])".
وفي المصدر نفسه ورد حديث " أن في القرآن
من غير لسان العرب ". وورد أيضاً :" ما
في الأرض من لغة إلا أنزلها الله تعالى في
القرآن ". لكن جماعة منهم أبو عبيده قالوا
:" من زعم في القرآن لساناً سوى العربية
فقد أعظم على الله القول، واحتج بقوله : إنا
جعلناه قرآناً عربيا([30])".
ويروى أن الحجاج بن يوسف الثقفي اتخذ
قراراً مخالفاً للإسلام فمنع إمامة الصلاة
لغير العربي ، ورد ذلك في رواية أحمد بن
عبيد العجلي ، أحد التابعين ومقرئ الكوفة ،
أن يحى بن وثاب اعتزل الصلاة بعد سماعه
بقرار الحجاج ، وأنه قال للمصلين :"
اطلبوا إماماً غيري ، إنما أردت أن لا
تستذلوني([31])".
ولا يخفى على أحد بأن هذه القراءات أوجدت السؤال حول خلق القرآن ، وأيضاً فتحت الباب أمام تعارض آي القرآن مع بعضها البعض وهو ما سنراه معا فيما بعد!
[1]
-
دائرة معارف القرن العشرين 7/ 695.
[2]
-
دائرة معارف القرن العشرين 7/ 696.
[3]
-
وردت الأحاديث في كتاب الحديث " كنز
العمال"
[4]
-
فنون الأفنان في عيون علوم القرآن ، ص 31
[5]
-
الإمالة : وتعني الميل بالفتحة نحو
الكسرة ، وبالألف نحو الياء ، ويقال له
الإضجاع والبطح ، وربما قيل له الكسر
أيضاً ( راجع الجزري ، النشر في القراءات
العشر، ج2،ص30 . و هاشم الطعان ، الأدب
الجاهلي بين لهجات القبائل واللغة
الموحدة ، ص 158
[6]
-
فنون الأفنان ، ص 34
[7]
-
البيان في تفسير القرآن ، ص 193
[8]
-
المرجع السابق ، ص 192
[9]
-
الأدب الجاهلي بين لهجات القبائل واللغة
الموحدة ، ص 93
[10]
-
المرجع السابق ، ص166 – 167 ، عن تيمور "
لهجات العرب " ص 67 ، والاستنطاء مازال
معروفاً بين العراقيين ، مثل قولهم : الله
ينطيك ( يعطيك) ، أو إنطيني .
[11]
-
ابن الخياط ، الطبقات ،ص311، معرفة القراء
الكبار على الطبقات والإعصار ، ج1 ، ص 82.
[12]
-معرفة
القراء الكبار،ج1 ، ص 86.
[13]
-
المرجع السابق ، ص 88
[14]
-
المرجع السابق ، ص 100
[15]
-
المرجع السابق ، ص 111
[16]
-
المرجع السابق ، ص 107
[17]
-
المرجع السابق ، ص 120
[18]
-
النشر في القراءات العشر ، ج1 ، ص 120
[19]
-
سير أعلام النبلاء ، ج8 ، ص 52
[20]
-
إن الله خلق الكون في ستة أيام ثم استوى
على العرش في اليوم السابع ، وفي التوراة
استراح في هذا اليوم ، وعدد الأرضين سبع ،
وعدد الكواكب النيرة سبع ، وللنفس الكلية
سبع نفوس ، والموجودات التي يتألف منها
عالم الطبيعة سبع ، وعدد أيام الأسبوع
سبع ، والأئمة الإسماعيليين سبعة .. الخ .
وهناك من مسايرة الاكتشافات العلمية من
أجل إيجاد دلائل رقمية على وجود المعجزات
وعصمة الأئمة . وبحوث في هذا الجانب لا
تزيد على تسلية تشبه إلى حد ما لعبة
الكلمات المتقاطعة ، ولا تضيف شيئاً
للعقائد الدينية والمذهبية ، إن لم تهبط
بها من برجها المتسامي.
[21]
-
عارف ثامر ، الأعداد ودلالتها ، مجلة
الموسم ، العدد 15 ، 1993
[22]
-
الأدب الجاهلي بين القبائل واللغة
الموحدة ، ص 147
[23]
-
النشر في القراءات العشر ، ج2 ، ص 30
[24]
-
إبدال كاف المؤنث أو كاف الخطاب عند
الوقف سيناً في الوقف ، أو إلحاقها سيناً
. أو هي إبدال كاف المذكر سيناً أو
إلحاقها سيناً لتحقيق الفرق بين المذكر
والمؤنث ( هاشم الطعان ، الأدب الجاهلي ،
ص 153)
[25]
-
إبدال كاف المؤنثة شيناً ، أو إلحاقها
شيناً ، أو في الوقف والول معاً . ومن
العرب من هذه الكاف بين الجيم والشين ،
وتنسب إلى ربيعة ومضر وحمير وأهل الشحر
من قضاعة ومهرة ، وتنسب لتميم وهوازن (
المرجع السابق ) . وقد سمعنا الكشكشة على
أرض الواقع تلفظ باليمن ، كقولهم :"
أحبش وأحب الجمل الحملش " بدلاً عن "
أبك وأحب الجمل الذي حملك".
[26]
-
كنز العمال ، 2470/1
[27]
-
الأصول من الكافي ، ج2 ، ص 619
[28]
-
معرفة القراء الكبار ، ج1 ، ص 276 . و نزهة
الجليس ومنية الأنيس ، ج2 ، ص 432
[29]
-
فنون الأفنان في عيون علوم القرآن ، ص 77
[30]
-
المرجع السابق ، ص 77
[31]
-
معرفة القراء الكبار على الطبقات
زالأعصار ، ج1 ، ص 63 - 64