القــــرآن
القرآن ، ما ألقاه
الشيطان
إن
البحث في تاريخ القرآن ، لا في القرآن
وأحكامه ، يوجب الحديث عن كل ما تيسر في
المصادر التاريخية . فالواقع أن الرواة
والمؤرخين كانوا من المؤسسة الدينية ،
علماء وفقهاء ورؤساء مذاهب ، ولم يكن أحداً
منهم متهاوناً في دينه ، لكنهم كانوا أكثر
واقعية مما نحن عليه الآن . والشك في
الرواية لا يعني إلغاؤها بحال من الأحوال .
وحسب الخارطة المذهبية الإسلامية ليس هناك
رواية تظل خارج دائرة الشك . لكن المتوافر
من الروايات ، كما أراه ، يعبر عن التاريخ
إلى حد ما ، فاختلاق الأحداث وفبركتها يحصل
بحدود وبقيود أيضاً ، وحتى الاختلاق مهما
كان متخيلاً له صلة بالواقع . ولعل الخرافة
والخبر المختلق ينمان عن حقيقة محجوبة لا
تقوى على الظهور ، والافصاح عن نفسها في
مكانها وزمانها.
إن
الحديث عن أسباب نزول الآية الناسخة
التالية :" وما أرسلنا من قبلك من رسول
ولا نبي ، إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في
أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم
الله آياته ، والله عليم خبير ([1])".
قد يراه البعض غير جائز ، لكني أراه كما أرخ
له الطبري والسجستاني وغيرهما نقلاً عن
صحابة فضلاء وتابعين من مستوى سعيد بن جبير
، يلبي حاجة معرفية فقط . ولو كانت رواية ما
ألقى الشيطان على النبي من كلام قد يغير
مجرى الدعوة الإسلامية ، فيها ما يسئ إلى
الدين ، أو القرآن لحذفها المؤرخون من
صفحات تواريخهم . لكنهم تعاملوا مع الحدث
بكل هدوء وصراحة ، مع علمنا أنها وردت في
غير مصدر ، وناقليها كانوا فقهاء ومؤرخين
مؤمنين ..
أورد
الطبري حادثة دخول الشيطان بين الرسول
والوحي ، مفصلة في " تاريخ الأمم والملوك"
، وابن الأثير في " الكامل في التاريخ "
، والنيسابوري في " أسباب النزول"
وأوردتها كتب السير والتفاسير كافة ،
تقريباً . ومن الجدير ذكره ، أن هذه الآية من
آيات قلائل نسخت منسوخها خطاً وحكماً . وفي
غيرها من المنسوخات يروى عن أنس بن مالك (
خادم النبي ) أنه قال :" كنا نقرأ على عهد
رسول الله (ص) سورة تعدلها سورة التوبة ، ما
أحفظ منها غير آية واحدة : ولو أن لابن آدم
واديين من ذهب لابتغى إليهما ثالثاً ، ولو
أن لهما ثالثاً لا بتغى إليهما رابعاً ، ولا
يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله
على من تاب([2])".
فما هي قصة الآية الشيطانية ، وما هي
الأسباب التي أدت إلى وجودها ، وكيف نسخت؟
كتب
الطبري :”لقي
الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود
بن المطلب وأمية بن خلف رسول الله ( ص)
فقالوا : يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد
ما نعبد ، ونشركك في أمرنا كله . فإن كان ما
جئت به خيراً مما في أيدينا كنت أشركتنا فيه
، وأخذنا بخظنا منه ، وإن كان الذي بأيدينا
خيراً مما في يدك كنت أشركتنا في أمرنا ،
وأخذت بحظك منه ، فأنزل الله عز وجل : قل يا
أيها الكافرون ، حتى انقضت السورة . فكان
رسول الله (ص) حريصاً على صلاح قومه محباً
مقاربتهم بما وجد إليه سبيل ، قد ذكر أنه
تمنى السبيل إلى مقاربتهم ، فكان من أمره في
ذلك ما حدثنا ابن حميد . قال حدثنا سلمة ،
قال : لما رأى رسول الله (ص) تولي قومه عنه ،
وشق عليه ما يرى من مباعدتهم ، ما جاءهم به
من الله تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما
يقارب بينه وبين قومه ، وكان يسره مع حبه
قومه ، وحرصه عليهم أن يلين له بعض ما قد غلظ
عليه من أمرهم ، حتى حدث بذلك نفسه وتمناه
وأحبه ، فأنزل الله عز وجل :" والنجم إذا
هوى ما ضل صاحبكم وما غوى ، وما ينطق عن
الهوى " فلما انتهى إلى قوله " أفرأيتم
اللات والعوى ومناة الثالثة الأخرى "
ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به
نفسه ، وتمنى أن يأتي به قومه :" تلك
الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهم ترتضى " .
فلما سمعت ذلك قريش فرحوا وسرهم وأعجبهم ما
ذكر به آلهتهم ، فأصاخوا له والمؤمنون
مصدقون نبيهم . فلما جاءهم به عن ربهم ولا
يتهمونه على خطأ ولا هم ولا زلل . فلما انتهى
إلى السجدة منها ، وختم السورة سجد فيها ،
فسجد المسلمون بسجود نبيهم تصديقاً لما
جاءهم به واتباعاً لأمره ، وسجد من في
المسجد مؤمن ولا كافر إلا وسجد ، إلا الوليد
بن المغيرة فإنه كان شيخاً كبيراً ، فلم
يستطع السجود ، فأخذ بيده حفنة من البطحاء
فسجد عليها ، ثم تفرق الناس من المسجد ،
وخرجت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم
يقولون : ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر ، قد
زعم فيما يتلو أنها الغرانيق العلى وأن
شفاعتهن ترتضى . وبلغت السجدة من بأرض
الحبشة من أصحاب رسول الله (ص) . وقل : أسلمت
قريش فنهض منهم رجال وتخلف آخرون . وأتى
جبريل رسول الله (ص)فقال : يام محمد ماذا
صنعت ؟ لقد تلوت على الناس ما لم آتك به من
الله عز وجل ، وقلت ما لم يقل لك . فحزن رسول
الله (ص) عند ذلك حزناً شديداً ، وخاف من
الله خوفاً كثيراً ، فأنزل الله عز وجل ،
وكان به رحيماً ، يعزيه ويخفض عليه الأمر ،
ويخبره أنه لم يك قبله نبي ولا رسول تمنى
كما تمنى ، ولا أحب كما أحب إلا والشيطان قد
ألقى في أمنيته كما ألقى على لسانه (ص) فنسخ
الله ما ألقى الشيطان وأحكم آياته ، أي
فإنما أنت كبعض الأنبياء والرسل ( عبارة غير
واضحة) الله عز وجل : وما أرسلناك من قبل من
رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في
أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم
آياته والله عليم حكيم([3])".
وحسب
الرواية المذكورة وغيرها كان موقع الآية ،
التي ألقاها الشيطان ، كان سورة " النجم"
، وناسختها وردت في سورة " الحج" . ولعل
هذا التداخل دليل آخر على ترتيب السور
والآيات كا بإجتهاد لا بتوقيف عن نبي أو وحي
، كما زعم من وعم . ولكن الحديث ظل يجري
حولها في سورة " النجم " ، فقد جاء في
وصف آلهة قريش الثلاثة : أفرأيتم اللات
والعزى ومناة الثالثة الأخرى ، ألكم الذكر
وله الأنثى ، تلك إذاً قسمة ضيزى ،
إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم
ما أنزل الله به من سلطان إن يتبعون إلا
الظن وما تهوى الأنفس ، ولقد جاءهم من ربهم
الهدى ، أم للإنسان ما تمنى ، فلله الآخرة
والأولى ، وكم من ملك في السموات لا تغني
شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن
يشاء ويرضى([4])".
وبعد النسخ وما ورد من آيات مصححة قالت قريش
:" ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتكم
عند الله ، فغير ذلك وجاء بغيره ، وكان ذانك
الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسول
الله (ص) ، قد وقعا في فم كل مشرك ، فازدادوا
شراً إلى ما كانوا عليه([5])".