الفاروق

 

•  وقصة وفد بني تميم تكشف الكثير أيضاً !!

 » سيرة ابن كثير / ج: 4 ص: 78 :

 ثم قال البخاري : حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام بن يوسف ، أن ابن جريج أخبره عن ابن أبي مليكة ، أن عبد الله بن الزبير أخبرهم : أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد بن زرارة . فقال عمر : بل أمر الأقرع بن حابس . فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي . فقال عمر : ما أردت خلافك .فجاءا فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) حتى انقضت . ورواه البخاري أيضاً من غير وجه عن ابن أبي مليكة بألفاظ أخر . وقد ذكرنا ذلك في التفسير عند قوله تعالى : لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي الآية . وقال محمد بن إسحاق : ولما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفود العرب قدم عليه عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي ، في أشراف من بني تميم ، منهم الأقرع ابن حابس التميمي ، والزبرقان بن بدر التميمي ـ أحد بني سعد ـ وعمرو بن الأهتم ، والحبحاب بن يزيد ، ونعيم بن يزيد ، وقيس بن الحارث ، وقيس بن عاصم أخو بني سعد ، في وفد عظيم من بني تميم . قال ابن إسحاق : ومعهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، وقد كان الأقرع بن حابس وعيينة شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنين والطائف ، فلما قدم وفد بني تميم كانا معهم . ولما دخلوا المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته : أن أخرج إلينا يا محمد . فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم ، فخرج إليهم فقالوا : يا محمد جئناك نفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا . قال : قد أذنت لخطيبكم فليقل . فقام عطارد بن حاجب فقال: الحمد لله الذي له علينا الفضل والمن وهو أهله ، الذي جعلنا ملوكاً ووهب لنا أموالاً عظاماً نفعل فيها المعروف ، وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثره عدداً وأيسره عدةً. فمن مثلنا في الناس ، ألسنا برءوس الناس وأولي فضلهم ؟ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا ، وإنا لو نشاء لأكثرنا الكلام ولكن نخشى من الإكثار فيما أعطانا ، وإنا نعرف بذلك أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا ، وأمر أفضل من أمرنا ثم جلس . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس أخي بني الحارث بن الخزرج قم فأجب الرجل في خطبته . فقام ثابت فقال : الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه ، قضى فيهن أمره ، ووسع كرسيه علمه ، ولم يك شيءٌ قط إلامن فضله . ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكاً واصطفى من خيرته رسولاً أكرمه نسباً وأصدقه حديثاً وأفضله حسباً ، فأنزل عليه كتاباً وائتمنه على خلقه ، فكان خيرة الله من العالمين . ثم دعا الناس إلى الإيمان به فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوي رحمه ، أكرم الناس أحساباً ، وأحسن الناس وجوهاً ، وخير الناس فعالاً، ثم كان أول الخلق إجابةً واستجاب لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن ، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله ، نقاتل الناس حتى يؤمنوا ، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه ، ومن كفر جاهدناه في الله أبداً وكان قتله علينا يسيراً .

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم .

 فقام الزبرقان بن بدر فقال :

نحنُ الكــرام فلا حيٌّ يعادلنـــــا

                    منَّا الملــوك وفينــا تنصــب البيعُ

وكـم قســرنا من الأحياءِ كلِّهم

                    عنــد النهابِ وفضـل العــزِّ يتبـعُ

ونحنُ يُطعمُ عند القحطِ مطعمنا

                    من الشــواءِ إذا لم يؤنـس القـزعُ

بما ترى النــاس تأتينا ســـراتهم

                    من كلِّ أرضٍ هويــاً ثم نصــطنعُ

فننحر الكومَ عبـــطاً في أرومتنا

                    للنازلــينَ إذا مـــا أنزلوا شـــبعوا

فمــا ترانا إلى حيٍّ نفـــاخرهم

                    إلااستفادوا وكانوا الرأس يقتطعُ

فمــن يفـــاخرُنا في ذلك نعرفه

                    فيرجع القومُ والأخبـار تســـتمعُ

إنا أبينـــا ولم يأبى لنـــا أحــدٌ

                    إنـــا كـــذلك عند الفخر نرتفعُ

قال ابن إسحاق : وكان حسان بن ثابت غائباً ، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام شاعر القوم فقال ما قال ، عرضت في قوله وقلت على نحو ما قال . فلما فرغ الزبرقان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت قم يا حسان فأجب الرجل فيما قال . فقال حسان :

إنَّ الــذوائبَ من فهــرٍ وإخــوتهم

                    قــد بيَّنـــوا ســـنَّةً للنِّــــاس تُـتَّبــعُ

يرضى بـها كلُّ من كانت سـريرتهُ

                    تقــوى الإلـــهِ وكلُّ الخيرِ يصــطنعُ

قـــومٌ إذا حـاربوا ضـــرُّوا عدوَّهم

                    أو حاولوا النفعَ في أشـــياعِهم نفعُوا

ســجيةٌ تـلكَ منـهم غــيرُ محـــدثةٍ

                    إن الخلائق فاعـــلم شـــرُّها البــدعُ

إن كــان في النَّاس سبَّاقون بعدهمُ

                    فكـــلُّ ســـبقٍ لأدنى ســـبقهم تبعُ

لا يـرفعُ النـاسَ مــا أوهت أكفهـمُ

                    عند الدفـــاعِ ولا يوهون مــا رقعُوا

إن ســابقوا الناسَ يوماً فاز سـبقهمُ

                    أو وازنُوا أهــلَ مــجدٍ بالندى منعُوا

أعـفةٌ ذكــرت في الوحيِ عفَّـتُــهم

                    لا يطمَعُــونَ ولا يـُـرديــهم طـــمعُ

لا يبــخلونَ على جــارٍ بفضـــلهم

                    ولا يمســـــهم من مطــــمعٍ طـــبعُ

إذا نصــبنا لحيٍّ لم نــــدب لــــهم

                    كــما يدبُّ إلى الوحشــيةِ الـــذرعُ

نســـمو إذا الحربُ نالــتنا مخــالبَها

                    إذ الزعانف من أظفــارها خشـــعوا

لا يفخــرونَ إذا نـــالوا عـــدوَّهم

                    وإن أُصـــيبوا فلا خـــور ولا هــلعُ

كأنَّهـم في الوغى والمـوتُ مكــتنعٌ

                    أُســـــدٌ بحليةٍ في أرســـاغها فـــدعُ

خــذ منهم ما أتوا عفواً إذا غضبوا

                    ولا يكن همُّــك الأمــرَ الذي منعُوا

فـإن في حربــهم فاترك عــداوتهم

                    شـــراً يخـــاض عليه السـمُّ والســلعُ

أكــرم بقـومٍ رسولُ الله شــيعتهم

                    إذا تفــــاوتت الأهــــواءُ والشــــيعُ

أهــدى لــهم مِـدحتي قلبٌ يؤازره

                    فيـــما أحبَّ لســانٌ حـائكٌ صـــنعُ

فـــإنَّهم أفضــلُ الأحيــاءِ كلِّـــهم

                    إن جدَّ في الناسِ جدُّ القولِ أو شمعُوا

 وقال ابن هشام : وأخبرني بعض أهل العلم بالشعر من بني تميم أن الزبرقان لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم قام فقال :

أتيناكَ كيما يعـلم الناسُ فضلنا

                    إذا اختلفوا عندَ احتضارِ المواسـمِ

بأنا فروع الناس في كلِّ موطنٍ

                    وأن ليسَ في أرضِ الحجازِ كدارمِ

وأنا نــذودُ المعلمين إذا انتـخوا

                    ونضـربُ رأسَ الأصــيدِ المتفاقــمِ

وإن لــنا المرباعَ في كلِّ غــارةٍ

                    نـغيرُ بنجــدٍ أو بأرضِ الأعاجـــمِ

قال : فقام حسان فأجابه فقال :

هل المجدُ إلاالسؤدد العود والندى

                    وجاه الـملوك واحتمـال العظائمِ

نصــرنا وآوينـــا النــــبيَّ محمـداً

                    على أنف راض من معــد وراغمِ

بحيٍّ حــــريد أصـــــله وثــراؤه

                    بجابية الجولانِ وســطَ الأعــاجمِ

نصرناه لما حــــلَّ بين ديــــارِنـا

                    بأســيافِنا مــن كلِّ بـــاغٍ وظالمِ

جعــلنا بنينا دونــــه وبنـــــاتنا

                    وطــبنا له نفســـاً بفيءِ المغـــانمِ

ونحن ضربنا الناسَ حتى تتابعوا

                    على دينــهِ بالمرهفــاتِ الصوارمِ

نحن ولدنا من قريشٍ عظيمــها

                    ولـدنا نبيَّ الخيرِ من آلِ هاشـــمِ

بني دارم لاتفخروا إن فـخركم

                    يعـودُ وبالاً عندَ ذكــرِ المكــارمِ

هبلتم علينا تفـــخرونَ وأنتـــم

                    لنا خــول من بين ظئرٍ وخـــادمِ

فإن كنتم جئتم لحقنِ دمائكــم

                    وأموالكم أن تقسموا في المقاسمِ

فلا تجعلوا لله نـــداً وأســلموا

                    ولاتلبسـوا زياً كزيِّ الأعـــاجمِ

قال ابن إسحاق : فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله ، قال الأقرع بن حابس : وأبي إن هذا لمؤتى له ! لخطيبه أخطب من خطيبنا ، ولشاعره أشعر من شاعرنا ، ولأصواتهم أعلى من أصواتنا. قال : فلما فرغ القوم أسلموا وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم . وكان عمرو بن الأهتم قد خلفه القوم في رحالهم ، وكان أصغرهم سناً ، فقال قيس ابن عاصم ـ وكان يبغض عمرو بن الأهتم ـ : يا رسول الله إنه كان رجل منا في رحالنا وهو غلام حدث . وأزرى به ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطى القوم .

الصفحة الرئيسية