سر المعمودية والحياة الجديدة

مقدمة
الباب الأول: أسرار الكنيسة
الفصل الأول: الصليب والأسرار
الفصل الثاني: الأسرار وسائط نعمة
الفصل الثالث: الجانب المادي في الأسرار
الباب الثاني: سر المعمودية والحياة الجديدة
الفصل الأول: أصوله الكتابية
الفصل الثاني: طقوسه الكنسية
الفصل الثالث: مفاعيله الروحية
الفصل الرابع: الاعتراضات والرد عليه
الفصل الخامس: التطبيق الروحي
الخاتمة
حمل هذا الكتاب

عودة للصفحة الرئيسية

الباب الأول أسرار الكنيسة جذورها وأصولها



1ـ الصليب والأسرار.
2ـ الأسرار وسائط نعمة.
3ـ الجانب المادي في الأسرار.
جذور وأصول 

تمتد جذور الأسرار الكنيسة حتى تصل إلى صليب الرب يسوع المسيح، وقد قنَّن السيد المسيح ممارسة أسرار النعمة موضحا ذلك في مواضع عديدة من الكتاب المقدس، التي سوف نشير إليها ونحن نتكلم عن النقاط الجوهرية التالية: 

1ـ الصليب مصدر النعمة في الأسرار.
2ـ الأسرار وسائط نعمة.
3ـ الجانب المادي في الأسرار.


الفصل الأول
الصليب مصدر النعمة في الأسرار
الصليب هو مصدر كل نعمة وعطية وبركة إلهية لنا، أي أنه بدون الصليب ما صارت لنا أية بركة أو نعمة، لأنه على الصليب سدد الرب يسوع المسيح الدين الواجب علينا سداده. فالمسيح مات بدلا منا، وغفر خطايانا، وأرضى عدالة الآب عوضا عنا، ولما أرضى عدالة الآب صرنا مصالحين مع الله، وحسبنا مستحقين للبركة التي يهبها لنا في المحبوب.

إذن الصليب هو مصدر كل نعمة لنا. ولكن كيف نحصل على هذه النعمة التي صارت لنا بالصليب؟ هل ننالها بمجرد الإيمان فقط؟ 

الواقع أن الإيمان هام للغاية وهو قاعدة أساسية لنوال البركة الإلهية التي صارت لنا في الصليب. فبدون أن أؤمن أن المسيح مات عني وفداني ومحا آثامي وصالحني مع الآب لا يمكن أن نأخذ أية نعمة أو أية بركة.

ولكن بعض الطوائف تقول إن الإيمان وحده كافٍ للخلاص، ظانين أنه عندما تؤمن أن المسيح مات من أجلك وفداك وغفر لك خطاياك انتهى الأمر وخلاص، ويقولون آمن فقط فتخلص. 

والواقع أنه إذا بحثنا في الكتاب المقدس بتدقيق نجد أنه توجد وسائل ووسائط نعمة عديدة، من خلالها تـتدفق البركة علينا، وبدونها لا نحصل على أية نعمة.

ما هي تلك الوسائل التي بواسطتها تسرى هذه النعمة من الصليب إلى قلبي وحياتي؟ 

هذا يجرنا للحديث عن النقطة التالية وهي: 


الفصل الثاني

الأسرار وسائط نعمة


هناك وسائط عديدة من خلالها تسري النعمة إلينا، فالكتاب المقدس يوضح لنا هذه الوسائل، وسنعرض لبعض منها بما فيها الأسرار المقدسة.


1ـ وسيلة التوبة: 

نلاحظ أن الابن الضال في الكورة البعيدة بعد ما ابتدأ يحتاج ويبحث عن الخرنوب ولا يجده قال: كم من أجير لأبى يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعا (لوقا 15: 17) بهذا يتضح أنه كان مؤمنا أن في بيت أبيه يوجد الخير، والبركة، والعز، والشبع، والأكل إلى الفيض "كم من أجير في بيت أبي يفضل عنه الخبز"، ولكن إذا توقف عند هذا الإيمان في الكورة البعيدة فهل كان من الممكن أن ينال الخير والبركه؟ كلا. بل كان لابد له أن يقوم ويرجع إلى أبيه. وكلمة الرجوع هي التوبة، فالرجوع يعنى التوبة. فبرجوع الابن الضال إلى بيت أبيه نال نصيبا في هذه البركة وهذا الخير.

إذن التوبة وسيلة لازمه مع الإيمان. 

هناك وسيلة أخرى لازمه لأخذ البركة وهي الصلاة.


2ـ وسيلة الصلاة:

ففي مثل العشار والفريسي اللذين دخلا إلى الهيكل. ابتدأ الفريسي يفتخر بأنه يعمل خيراً وبراً، وأن حياته ممتازة. أما العشار فوقف من بعيد ورفع قلبه بصلاة خافته ووجهه نحو الأرض قائلا: اللهم ارحمني أنا الخاطئ. فصلى وطلب من الله فأعطاه الله براً، إذ خرج مبرراً (لو18: 14) لأن الرب يقول: "اسألوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم" (لو11: 9). وتلاميذ المسيح عندما لم يطلبوا منه شيئا قال لهم "إلى الآن لم تطلبوا شيئا بإسمي، اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملا" (يو16: 24). 

من هذا يتضح أنه بدون الطلبة لا يأخذ الإنسان شيئا. 

إذن فهناك وسيلة أخرى مع الإيمان ومع التوبة هي الطلبة. 

هذا وهناك وسيلة ثالثة أيضا وهي الصوم. 


3ـ وسيلة الصوم:

لو رجعنا إلى أهل نينوى نجد أنهم لما تابوا قدموا صوماً. فقد صاموا بمناداة يونان. صام الملك وصامت الحيوانات نفسها. قدموا التوبة بصوم، وطلبوا من الرب الغفران. كانوا واثقين من ربنا إنه سوف يرحمهم. 

إذاً مع الإيمان هناك توبة، وهناك صلاة وهناك أيضا صوم. معنى هذا أن هناك وسائط ووسائل للنعمة من خلالها تسرى النعمة إلينا ليس بالإيمان فقط. فالإيمان شيء أساسي ولكن كما رأينا يلزم أن يكون معه وسائل أخرى. ومن ضمن وسائط النعمة أيضا الأسرار الكنسية المقدسة. 



4ـ وسائل الأسرار الكنسية: 

أسرار الكنيسة السبعة هي وسائط تسري من خلالها نعمة الصليب والبركات الروحية لحياة المؤمن كما سنرى:


(أ) فمن خلال سر المعمودية تسرى إلينا نعمة التجديد والميلاد الجديد (يو3: 3ـ5، تي3: 5). 

(ب) ومن خلال سر الميرون تسرى إلينا نعمة حلول الروح القدس فينا (أع8: 17، 19: 5و6). 

(ت) ومن خلال سر الاعتراف تسرى إلينا نعمة الغفران (مت16: 15). 

(ث) ومن خلال سر التناول تسرى نعمة حلول المسيح وثباته فينا وثباتنا فيه (يو6: 35و55). 

(ج) ومن خلال سر مسحة المرضى تسرى نعمة الشفاء فينا(يع4: 14). 

(ح) ومن خلال سر الزيجة تسرى نعمة الاتحاد بين الزوجين ليصير الاثنان جسدا واحدا (1كو6: 16). 

(خ) ومن خلال سر الكهنوت تسرى نعمة تفويض سلطة الخدمة للكاهن ليوصل نعمة الله إلى الآخرين من خلال بقية الأسرار(مت28: 19و20).


الفصل الثالث

الجانب المادي في الأسرار


نأتي إلى نقطه هامة وهي مراعاة الجانب المادي في الأسرار. فالإنسان مكون من ثلاثة عناصر هي (الجسد والنفس والروح). لذلك فإن الله يهتم أيضا بهذه العناصر. إذ أنه هو الذي خلقها، وجلب ترابا من الأرض وصنع منه جسدا ونفخ فيه نسمة حياة (أي نفخ فيه الروح) فصار آدم نفسا حية. 


واهتمام الله بكل من الجسد والنفس والروح يتضح مما ذكر في رسالة معلمنا بولس الرسول (1 تس23:5) إذ يقول "ولتحفظ نفسكم وجسدكم وروحكم كاملةً في المسيح يسوع". ففي قول الرسول: الجسد والنفس والروح تحفظ كاملة، يتضح أن الله يهتم بالجسد ويهتم بالنفس ويهتم بالروح. كما أن المسيح في نهاية الأيام يوم مجيئه سيغير هذا الجسد إلى جسد نوراني. لماذا؟ طبعا لأنه يهتم به. لقد خلق للإنسان جسداً من تراب ولكنه قدَّسه وباركه، وأيضا سيحوله إلى جسد نوراني مثل جسده الذي قام به من الأموات.


أما عن النفس فإن الله سوف يدخلها الفردوس أيضا مع الروح. إذن الله مهتم بالإنسان ككل. يهتم بجسده، ويهتم بنفسه، ويهتم بروحه. 

ولكن ما دخل هذا الكلام في الأسرار؟ 


أقول لك، حيث أن الله يهتم بالجسد، لذلك أعطانا أن نستخدم المادة في الأسرار. مادة في المعمودية وهي الماء. وفي الميرون نسستخدم الزيت. ونستخدم الخبز والخمر كمادة تسرى في جسدنا المادي عندما نتقدم للتناول. وكل هذا ليكون هناك شئ مرئي ومحسوس لنا تسرى من خلاله النعمة غير المرئية وغير المحسوسة. ولذلك فإن تعريف السر هو نوال نعمة غير منظورة تحت مادة منظوره. والمادة المنظورة تتعامل مع الجسد، أما النعمة فتتعامل مع النفس والروح سرا لتعيد للنفس صورتها الأولى وتعيد للروح قوتها الأولى. 

فإن كانت الأسرار هي نعمة خفية في مادة منظورة، فإن الماء أو الزيت أو الخبز … هي المادة المنظورة التى تتعامل مع طبيعة الإنسان المادية.


بعض الطوائف التي تنادي بأن الخلاص هو بالإيمان فقط. يقولون: هل مسح التلاميذ في العلية بزيت الميرون عندما صلوا وامتلأوا بالروح؟ 


وللرد على هذا الكلام، أي معمودية التلاميذ يوم الخمسين من الروح القدس بدون زيت الميرون، نقول أن هناك بركات وأحداث تمت في البداية لا تتكرر بنفس الصورة، مثل صلب السيد المسيح لا يتكرر، ومثل قيامته من الأموات لاتتكرر، هكذا أيضا يوم الخمسين لا يتكرر، والطريقة التي حل بها الروح القدس على التلاميذ أيضا لا تتكرر. ولكن الكتاب يوضح الطريقة التي استخدمها الآباء الرسل لإعطاء نعمة الروح القدس للطالبين وهي "وضع اليد" (أع8: 15). ثم بعد انتشار المسيحية استخدموا المسحة المقدسة أي الميرون "أما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء" (1يو2: 20) وأيضا "وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء وهي حق وليست كذبا. كما علمتكم تثبتون" (1يو2: 27). لكن الطوائف ألغوا الأسرار، وألغوا أيضا سر الكهنوت. 


يقولون إن النعمة هي إحدى حقوقنا في الصليب، وان كل ما نطلبه نأخذه بهذا الحق، ولا داعي لأية ممارسات آخرى.


وللرد على ذلك أضرب هذا المثل: المليونير يحتفظ بأمواله في البنك، وعندما يرغب أن يسحب منها شيئا، لابد وأن يحرر شيكا بكل ما يريده من رصيده. هذه هي قوانين البنوك. وإن لم يفعل هذا فلن يستطيع أن يسحب قرشا واحدا من البنك.


هكذا أيضا يا عزيزي بالنسبة للحياة الروحية. نشبه الأسرار المقدسة بشيكات نعمة على بنك الدم موقع عليهـا بالروح القدس، أي اعتمدها الروح القدس ويصبح بذلك شيكا نافذ العطاء للمؤمنين، يهب نعمة وبركة تحل عليهم على حساب رصيد الصليب.


لأن لك رصيد في بنك الدم في الصليب رصيد نعمة، رصيد بركة، رصيد امتلاء بالروح القدس، رصيد عطية سماوية. أي يكون لك رصيد كثير في الصليب ومعني هذا أن ربنا أعطاك دفتر شيكات خاص هو الأسرار المقدسة. 


بناءً عليه يمكنك أن تصرف شيك المعمودية لتأخذ ميلاد جديد، وشيك الميرون ليحل فيك الروح القدس، وشيك الاعتراف لتأخذ الغفران... وهكذا.


رأينا إذن أن الأسرار هي وسائل، نأخذ من خلالها النعمة التي في الصليب.

وسوف نناقش بمشيئة الله كل سر على حده. ونوضح جذور وأصول كل سر من الكتاب المقدس فإن الأسرار هي من وضع السيد المسيح نفسه كما سنرى.


كما سوف نناقش أيضا مفاعيل هذه الأسرار في حياتنا، لكي ونحن نمارس السر تكون عيوننا على البركة والنعمة، وليس مجرد ممارسة السر فقط.