الجزء الثالث الإعجاز في العلم"بل هو آيات بيّنات في صدور الذين أوتوا العلم" (العنكبوت 49) "وليعلم الذين أوتوا العلم أنّه الحقّ من ربّك" (الحج 54) "وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا" (الإسراء 85) توطئةتعبير "العلم" في لغة القرآن واصطلاحهيرد تعبير "العلم" اسما وفعلا مع مشتقاتهما كثيرا في القرآن . ويظهر بين هذا "العلم" ، و "أولي العلم" و "الراسخين في العلم" – وبين القرآن صلة متواصلة متأصلة كأنه يستشهد بهم ، ويستعلي بهم ، ويتحدّى بهم ، كما في قوله : "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ، وما يجحد بآياتنا إلاّ الظالمون" (العنكبوت 49) ؛ "وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك ، فيؤمنوا به ، فتخبت له قلوبهم" (الحج 54) ؛ "والراسخون في العلم يقولون : آمنا ، كلٌ من عند ربنا" (آل عمران 7) . وكأن أولي العلم يشهدون مع القرآن "إن الدين عند الله الاسلام" (آل عمران 19) فظن فريق أول أن القرآن ، كما هو كتاب دين ، هو أيضا كتاب علم . وأفرط بعضهم في الظن فرأوا فيه جميع علوم الأولين والآخرين . وانتهى الأمر ببعضهم فقالوا بإعجاز القرآن في العلم ، فقد سبق القرن العشرين الى الكشف عن علم الذرة ، لأن كلمة الذرة اللغوية وردت فيه . وقام فريق آخر منذ الشاطبي يردعون الناس عن ذلك الاسراف ، وينادون بأن القرآن كتاب دين لا كتاب علم . وقام فريق ثالث ، مثل عبد الكريم الخطيب في (اعجاز القرآن) يقف في منزلة بين المنزلتين ، فيرى " ان العلم هو الذي يخدم قضية القرآن ، إذ هو الذي يكثر له من القوى المبصرة التي ترى ما فيه من حِكم وأسرار ... وفي هذا يتجلّى وجه جديد من وجوه الاعجاز في القرآن ، وهو خلوده على الزمن ، مع احتفاظه بمكانه من السمو والهيمنة على كل ما تبلغه العقول من مدركات ، وما تلده الحياة من أسرار" (27:1) . وهذا الخبط كله فيما بينهم قائم على سوء فهم التعبير القرآني : "العلم" و "أولي العلم" . انهم يفهمونه على حرف اللغة ، وهو اصطلاح قرآني ذو مدلول خاص . واصطلاح القرآن لتعابير "العلم" و "أولي العلم" ، وموضوع صلتهم بالقرآن ، يجعل صلة القرآن بالعلم ، بحسب حرفه اللغوي والعلمي ، لا وجود لها ؛ ويجعل ما قالوه من اعجاز القرآن في العلم من دون أساس : "وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا" (الاسراء 85) . فالقرآن كتاب دين ، لا كتاب علم . |