التالي

بحث رابع

"العلم" الوحيد في القرآن هو "علم الكتاب"

ظل القرآن يستشهد طول العهد بمكة بمن عنده علم الكتاب : "ويقول الذين كفروا : لست مرسلاً ! – قل : كفى بالله شهيدا ومَن عنده علم الكتاب " (الرعد 43) . فهو يكتفي بالشهادة على صحة رسالته وصحة دعوته بشهادة مَن عنده علم الكتاب ؛لذلك يسميهم " أولي العلم " فهم أهل "العلم" من دون العالمين . وهم "الذين أوتوا العلم من قبله " (الاسراء 107) : "فالعلم" على الاطلاق هو علمهم – لاحظ التعريف والاطلاق في تعبيره : "العلم" . فهذا هو "العلم" الوحيد الذي يذكره القرآن ، وبه يستشهد ، وبه يتحدى : "قل : آمنوا به أو لا تؤمنوا : إن الذين أوتوا العلم من قبله ، إذا يُتلى عليهم ، يخرّون للأذقان سجدًا" (الاسراء 107) . فيكفيه ايمانهم وتكفيه شهادتهم .

وشهادتهم للاسلام من شهادة الله وملائكته ، والقرآن كله يشهد بشهادتهم "أن الدين عند الله الاسلام" ؛ بهذه الشهادة هم "أولو العلم قائما بالقسط" (آل عمران 18 – 19) . وفي هذه الشهادة علم القرآن كله ، وسرّ القرآن كله . فالاسلام الذي ينادي به القرآن هو اسلام "أولي العلم من قبله" (الحج 78) ؛ وهو العلم الوحيد الذي يتحدى القرآن بإعجازه ؛ إنه علم "مَن عنده علم الكتاب" في الاسلام ، علم "الراسخين في العلم" (آل عمران 7 ؛ النساء 162) . إن علم القرآن علمهم ؛ واسلام القرآن اسلامهم ؛ واعجاز القرآن في العلم والاسلام هو إعجازهم : "قل : كفى بالله شهيدا ومَن عنده علم الكتاب" (الرعد 43) .

هذا هو العلم الوحيد الذي جاء محمدا في القرآن : "بعد الذي جاءَك من العلم" (البقرة 120) ، "من بعد ما جاءَك من العلم" (البقرة 145 ؛ آل عمران 61) . وهذا هو "العلم" الانجيلي ، "النصراني" ، الذي اختلف فيه اليهود من أهل الكتاب ، مع المسيح ثم مع محمد : "وما اختلفوا إلاّ من بعدما جاءَهم العلم" (19:3 ؛ 14:42 ؛ 17:45) . وبهذا "العلم" المنزل الانجيلي "النصراني" يجادل القرآن اليهود ثم المشركين الذين يجادلون بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير (لقمان 20 ؛ الحج 8) . فالاسلام هو علْم القرآن كله ، وهذا الاسلام من علْم الكتاب ، "ومَن عنده علم الكتاب" (الرعد 43) . لذلك يخص القرآن اسم "المسلمين" بأولي العلم المقسطين وحدهم . والقرآن نفسه "هو آيات بيّنات في صدور الذين أوتوا العلم" (العنكبوت 49) ؛ "يعرفونه كما يعرفون أبناءَهم" معرفة مصدرية (البقرة 146 ؛ الانعام 20) .

فالعلم الوحيد في القرآن هو علم الكتاب ، وأهله "من عنده علم الكتاب" .

التالي