بحث ثالث "الكونيّات" القرآنية من متشابه القرآنلقد ثبت لنا ، في البحث السابق ، أن الاعجاز القرآني في "العلم" مردود شكلا ولفظا ، لأن "العلم" الذي يذكر ، ويتحدّى به ، هو علم "أولي العلم" ، وهم في اصطلاحه المتواتر النصارى من بني اسرائيل . ونقول أيضا : إن الإعجاز القرآني في "العلم" مردود أيضا موضوعا لأن "الكونيات" القرآنية هي من متشابه القرآن ، فلا تصح معجزة للتحدّي . وكون هذه "الكونيات" أو العلوم الكونية في القرآن ، هي من متشابه القرآن ، أنّ أحدا لم يذكرها في المحكم منه . قال السيوطي في (الاتقان 2:2) : "وقد اختلف في المحكم والمتشابه : "عن ابن عباس ، قال : المحكمات ناسخه ، وحلاله وحرامه ، وحدوده وفرائضه ؛ ما يؤمن به ويعمل به . والمتشابهات منسوخه ، ومقدمه ومؤخره ، وأمثاله ، وأقسامه : ما يؤمَن به ولا يُعمل به . وقيل : المحكم الفرائض والوعد والوعيد . والمتشابه القصص والأمثال . وعن مجاهد : المحكمات ما فيه الحلال والحرام . وما سوى ذلك منه متشابه يصدّق بعضه بعضا . وعن الربيع : المحكمات هي أوامره الزاجرة" . وهكذا فالمحكمات من آيات القرآن هي الأحكام المحكمة في شريعته . وبما أن "الكونيات" القرآنية أي العلوم الكونية فيه ، ليست من شريعته ولا من أحكامها المحكمة ، ولا من محكم التنزيل فيه ، بل من متشابه القرآن ، فلا يصح التحدي بها كعلم منزل في القرآن . والتحدّي بها قد يرتد على القرآن نفسه : فإن تصوير الأرض مركزا للكون وجعل الأرض بساطا ، بحسب نظرية الأقدمين التي جاءَ عليها القرآن ، يُخرجه من دائرة العلم المعروف . "وأن ما ورد في القرآن من مشاهد الكون ونواميسه قد استهدف العظة والتدعيم ، دون أن ينطوي على قصد تعزيز ماهية الكون وأطوار الخلق والتكوين ونواميس الوجود من الناحية العلمية والفنية ... وملاحظة ذلك جوهرية جدا ، لأنها تحول دون التكلّف والتجوز والتخمين ، ومحاولة استخراج النظريات العلمية والفنية في حقائق الكون ونواميسه وأطواره منها ، والتمحّل والتوفيق والتطبيق ، ممّا يخرج بالقرآن عن نطاق قدسيته " (1) . |