بحث ثالث القصص القرآني من متشابه القرآنإن النتيجة الحاسمة التي وصلوا اليها ، تجاه الشبهات على تاريخية القصص القرآني ، أنه من متشابه القرآن . فقد أجمع " أئمة الدين والتفسير ، منذ الصحابة ، على اعتبار القصص القرآني من المتشابه فيه " (2) . وهذا ما يبيّنه السيوطي في (الاتقان 2:2) عند استجماع أقوالهم في المحكم والمتشابه منه . قال : "المحكم لا تتوقف معرفته على البيان ، والمتشابه لا يُرجى بيانه . وقد اختُلف في تعيين المحكم والمتشابه على أقوال ... قيل المحكم ما لم تتكرر ألفاظه ، ومقابله المتشابه . وقيل المحكم الفرائض والوعد والوعيد ، والمتشابه القصص والأمثال ... وعن ابن عباس قال المحكمات ناسخه ، وحلاله وحرامه ، وحدوده وفرائضه ، ما يؤمن به ويعمل به ؛ ــــــــــــــــــــــــ (1) الفن القصصي في القرآن الكريم ص 239 – 241 (2) محمد خلف الله : الفن القصصي في القرآن الكريم ص 8 و 262 والمتشابهات منسوخه ومقدمه ومؤخره ، وأمثاله وأقسامه . ما يؤمَن به ولا يُعمل به . وعن مجاهد قال : المحكمات ما فيه الحلال والحرام ، وما سوى ذلك منه متشابه يصدّق بعضه بعضا . وعن الربيع قال : المحكمات هي أوامره الزاجرة" . فالاجماع أن المحكم من القرآن هو فقط أحكامه ، وما سوى ذلك فهو من متشابه القرآن "الذي لا يُرجى بيانه" ، "ما استأثر الله بعلمه" . فقصص القرآن من المتشابه فيه . وأمثال القرآن من المتشابه فيه . وأخبار الملائكة والجن من المتشابه فيه . ومشاهد الكون ونواميسه من المتشابه فيه . قال دروزة (1) : "وبتعبير آخر : (إن ما ورد في القرآن من مشاهد الكون ونواميسه) وقد استهدف العظة والإرشاد والتنبيه والتلقين والتدعيم والتأييد دون أن ينطوي على قصد تقرير ماهيات الكون وأطوار الخلق والتكوين ، ونواميس الوجود ، من الناحية العلمية والفنية " . ومشاهد الحياة الأخروية وصورها من المتشابه فيه . وهذه الملاحظة "من شأنها أن تجعل الناظر في القرآن يتجنب الاستغراق في الجدل حول مشاهد الحياة الأخروية وصورها ، والتورط والتكلّف والتزيّد في صدد ما يقوم في سبيل الماهيات والحقائق لذاتها ، ويذكر أن هدف القرآن في ما جاءَ من التعابير والأوصاف هو العظة والتنبيه وإيقاظ الضمائر ... ويتذكر أن ماهية هذه الحياة وحقيقتها مغيّبتان لا يُستطاع فهم شئ عنهما إلاّ بالأوصاف الدنيوية ، وأن حكمة الله اقتضت وصفهما بهذه الأوصاف على سبيل التقريب والتشبيه "(2) . وأوصاف ذات الله في القرآن من المتشابه فيه . "إن ما ورد في القرآن ممّا يتصل بذات الله السامية من تعابير اليد والقبضة واليمين والشمال والوجه والاستواء والنزول والمجئ ، وفوق وتحت وأمام ، وطي وقبض ونفخ ، إنما جاء بالاسلوب والتعابير والتسميات التي جاءَ بها من قبيل التقريب لأذهان السامعين ... حيث يصح أن يقال : ان ورودها في القرآن كذلك على سبيل التقريب والتشبيه " (3) ــــــــــــــــــــــــ (1) القرآن المجيد ص 190 (2) القرآن المجيد ص 196 – 197 (3) القرآن المجيد ص 197 – 198 وبكلمة موجزة : إن القرآن يدعو الى الايمان بالله واليوم الآخر ؛ "أما ما عدا ذلك ممّا احتواه القرآن من مواضيع مثل القصص والأمثال والوعد والوعيد والترهيب والترغيب والتنديد والجدل والحجاج والأخذ والرد ، والتذكير والبرهنة والإلزام ، ولفت النظر الى نواميس الكون ومشاهد عظمة الله وقدرته ، ومخلوقاته الخفية والعلنية – فهو وسائل تدعيمية وتأييدية الى تلك الأسس والأهداف وبسبيلها" (1) . فإذا كان القرآن كله ، ما عدا أحكامه التشريعية ، من المتشابه فيه ، فكيف يكون قصصه ، وأمثاله ، وأخباره عن الخلق ، وأخباره عن اليوم الآخر ، من الاعجاز في التاريخ ؟ والاعجاز في النبوة ؟ ــــــــــــــــــــــــ (1) القرآن المجيد ص 160 |