التالي

الفصل الثانى

حقيقة شهادة القرآن لإعجازه

"قل: لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً"

(الإسراء 88)

"وشهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله "

(الأحقاف 10)

"ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة"

(هود 17 ؛ الأحقاف 12)

توطئة

واقع التحدّى بالإعجاز وحقيقته

إن التحدى بإعجاز القرآن أمر صريح واقع فيه: "قلْ: لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، لا يأتون بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً" (الاسراء 88).

لكن السورة التى بدأ بها هذا التحدّى، هى نفسها تشهد بامتناع المعجزة عن محمد، امتناعاً مبدئياً مطلقاً: "وما منعنا أن نُرسل بالآيات، إلاّ أن كذّب بها الأولون" (الاسراء 59). فهذا التصريح يمنع من ان نرى فى تحدى القرآن بإعجازه معجزة له.

وتأتى ظواهر القرآن لترينا التحدى بإعجازه على حقيقته وقرائن آيات التحدى بالاعجاز تُظهر حدود الواقع القرآنى. فلقد كان التحدى بالاعجاز للمشركين بمكة؛ فلمّا اصطدمت الدعوة فى المدينة بأهل الكتاب توقف التحدى بإعجازه، بل نسخه القرآن نفسه "بمتشابه القرآن" فى أوصافه وأخباره (آل عمران 7)، وبتقرير مبدأ النسخ فى احكامه (البقرة 106). فكانت فترة التحدى بالاعجاز طارئة عابرة انهيت بنسخه منذ مطلع الدعوة بالمدينة، حتى: "واذا تُتلى عليهم آياتنا؛ قالوا: قد سمعنا، لو نشاء لقلنا مثل هذا ، إن هذا إلاّ أساطير الأولين" (الانفال 31). فلا يرد جواب على هذا التحدى فى موقعه. وكان نصر بدر، فاعتبره "يوم الفرقان" بين الحق والباطل (الانفال 41)، ورأى فيه معجزته: "إن تستفتحوا فقد جاءَكم الفتح" (الانفال 19). لقد انتهى التحدى بالقرآن الى التحدى بهذا "الفرقان" : " يا أيها الذين آمنوا، اتقوا الله يجعل لكم فرقاناً" (الانفال 29).

وتكتنف فترة التحدى بالاعجاز شبهات عشر من القرآن تقضى على اعتباره معجزة؛ ويصح معها قول المعتزلة: "إن الله لم يجعل القرآن دليل النبوة" . هذا هو واقع التحدى بالاعجاز على حقيقته.

التالي