بحث سادس
الوجوه والنظائر (الإتقان 1 : 142 – 144)
هذا الاصطلاح له معنيان: خاص، وعام.
المعنى الخاص من كناية " الوجوه والنظائر" : " فالوجوه: اللفظ المشترك الذى يستعمل فى عدة معان، كلفظ " الأمة". والنظائر كالألفاظ المتواطئة".
"وقيل: النظائر فى اللفظ؛ والوجوه فى المعانى. "
"وهم يذكرون اللفظ الذى معناه واحد فى مواضع كثيرة. فيجعلون (الوجوه) نوعاً لأقسام، و(النظائر) نوعاً آخر حيث كانت الكلمة الواحدة تنصرف الى عشرين وجهاً وأكثر وأقل".
وهكذا فهم يختلفون بما يقصدون؛ وقد يفهم بعضهم بالنظائر ما هو وجوه؛ وبالوجوه ما هو نظائر. ونحن نرى النظائر فى اللفظ المشترك الذى يستعمل فى عدة معان. والوجوه فى المعانى المتعدده تحت اللفظ الواحد.
______________________________________
(1) راجع كتابنا ( إعجاز القرآن )، ص 149 – 151
_________________________________
أولاً: وجوه القرآن وجوه الكلمة الواحدة أن تتصرف الى عدة معان، الى عشرين وجهاً، وأكثر وأقل. يبنون ذلك على حديث مرفوع الى النبى: " لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوهاً". وقد فسره بعضهم: المراد ان يرى اللفظ الواحد يتحمل معانى متعددة فيحمله عليها اذا كانت غير متضادة، ولا يقتصر به على معنى واحد.
ورووا ان علياً بن ابى طالب أرسل ابن عباس الى الخوارج فقال: " اذهب اليهم فخاصمهم، ولا تحاجهم بالقرآن فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة ... قال: يا أمير المؤمنين فأنا أعلم بكتاب الله منهم، فى بيوتنا نزل! قال: صدقت، ولكن القرآن حمال ذو وجوه ، تقول ويقولون؛ ولكن خاصمهم بالسنن فإنهم لن يجدوا منها محيصاً" .
وفى موضع آخر ينقل السيوطى: " الكراهة تحمل على من صرف الآية عن ظاهرها الى معان خارجة محتملة يدل عليها القليل من كلام العرب - ولا يكون غالباً الا فى الشعر ونحوه - ويكون المتبادر خلافها" . وينقل أيضاً : " وقال النسفى فى (عقائده): النصوص على ظاهرها، والعدول عنها الى معان يدعيها أهل الباطن الحاد. وقال التفتزانى فى (شرحه): سميت الملاحدة باطنية لادعائهم ان النصوص ليست على ظاهرها بل لها معان باطنية" .
وهذا ما يجعل القرآن متشابهاً " لا يعلم تأويله إلا الله " . مع أنه على حد قوله " بلسان عربى مبين " . واللسان العربى المبين هو السهل الممتنع الذى تسابق معانيه ألفاظه الى الفهم والادراك . فإذا تعددت معانى التعبير الواحد حتى العشرين ضاع بيان الله علينا، وزال اعجازه لنا، لأننا لا نتثبت من صحة المعنى المقصود. يقول السيوطى: " وقد جعل بعضهم ذلك من أنواع معجزات القرآن حيث كانت الكلمة الواحدة تنصرف الى عشرين وجهاً، وأكثر وأقل؛ ولا يوجد ذلك فى كلام البشر" . فهل من الاعجاز فى فصاحة الألفاظ وبيانها ان يتعدد معناها، ونرى لها وجوهاً لا نقدر أن نقف على حقيقتها؟ ان استنباط المعانى المتعددة من تعبير واحد لا يدل على الاعجاز فيه.
___________________________________
(1) الاتقان 2 : 179
(2) الاتقان 2 : 184
________________________
ثانياً: النظائر فى القرآن
ان النظائر هو اللفظ المشترك الذى يستعمل فى عدة معان. يقول السيوطى: " وهذه عيون من أمثلة هذا النوع.
1) " ومن ذلك الهدى يأتى على سبعة عشر وجهاً، بمعنى: الثبات: " اهدنا الصراط المستقيم" - والبيان: " أولئك على هدى من ربهم" - والدين: " إن الهدى هدى الله " - والايمان: " ويزيد الله الذين اهتدوا هدى" - والدعاء: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا"
وبمعنى الرسل والكتب: " ولكل قوم هاد" ، فإما يأتينكم منى هدى" - والمعرفة: " وبالنجم هم يهتدون"
وبمعنى النبى صلى الله عليه وسلم: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى" الدالة على محمد.
وبمعنى القرآن: " ولقد جاءهم من ربهم الهدى" - والتوراة: " ولقد آتينا موسى الهدى" - والاسترجاع: " وأولئك هم المهتدون" - والحجة: " لا يهدى القوم الظالمين" بعد قوله تعالى: " ألم تر الى الذى حاج ابراهيم فى ربه" - اى لا يهديهم حجة. - والتوحيد: " إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا" - والسنة: " فبهداهم اقتده"، " وإنا على آثارهم مهتدون" - والإصلاح: " ان الله لا يهدى كيد الخائنين" - والالهام: " أعطى كل شىء خلقه ثم هدى" أى ألهم المعاش. - والتوبة: " إنا هدنا اليك" - وهنا تورية فاتت الاستاذ الإمام: " هدنا" من يهود، فهم يشتقون الهدى من اسمهم، كقولهم: هاد اى اهتدى - والارشاد: " ان يهدينى سواء السبيل" . فتلك سبعة عشر وجهاً لتعبير واحد.
2) " ومن ذلك الصلاة تأتى على أوجه: - الصلوات الخمس: " يقيمون الصلاة" - وصلاة العصر: " يحبسونهما من بعد الصلاة" - وصلاة الجمعة: " إذا نودى للصلاة" - والجنازة: " ولا تصل على أحد منهم" - والدعاء: " وصل عليهم" - والدين: " أصلواتك تأمرك" - والقراءة: " ولا تجهر بصلاتك" - والرحمة والاستغفار: " إن الله وملائكته يصلون على النبى" - ومواضع الصلاة: " بيع وصلوات" - ومساجد: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" . - فتلك عشرة وجوه لتعبير واحد.
3) ومن ذلك الرحمة وردت على أوجه: - الاسلام: " يختص برحمته من يشاء" - والايمان: " وآتانى رحمة من عنده" - والجنة: " ففى رحمة الله هم فيها خالدون" - والمطر " نشراً بين يدى رحمته" - والنعمة: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته" - والنبوة: " أم عندهم خزائن رحمة ربك" ، " اهم يقسمون رحمة ربك" - والقرآن: " قل: بفضل الله وبرحمته" - والرزق: " خزائن رحمة ربى" - والنصر والفتح: " إن أراد بكم سوءاً، أو أراد بكم رحمة" - والمودة: " رأفة ورحمة" ، " رحماء بينهم" - والسعة: " تخفيف من ربكم ورحمة" - والمغفرة: " كتب على نفسه الرحمة" - والعصمة: " لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم" . - فتلك ثلاثة عشر وجهاً، فى لفظ واحد.
ومن ذلك الروح ورد على أوجه: - الأمر: " وروح منه" - الوحى: " ينزل الملائكة بالروح" - هنا الروح سيد الملائكة ينزلها بوحيه. - والقرآن: " أوحينا اليك روحاً من أمرنا" - هنا روح من عالم الأمر اى ملاك مخلوق. - والرحمة: " وايدهم بروح منه" (هنا كناية عن الملائكة الحفظة). - والحياة: " فروح وريحان" . - وجبريل: " فأرسلنا اليها روحنا" ، " نزل به الروح الأمين" . - وملاك عظيم: " يوم يقوم الروح" - وجيش من الملائكة: " تنزل الملائكة والروح فيها" (هنا كناية عن الروح سيد الملائكة). - وروح البدن: " ويسألونك عن الروح" . هنا سها الإمام، ليس روح البدن. - فتلك تسعة أوجه فى لفظ واحد.
ويذكر على هذا النمط 6) السوء 7) القضاء 8) الذكر 9) الدعاء 10) الاحصان.
ونحن نتساءل، إن استخدام تعبير واحد لمعان مختلفة، هل يدل على اعجاز، ولسان مبين، فى فصاحة اللغة؟ إن فصل الوجوه والنظائر فى لغة القرآن يفتح للتأويل أبواباً يتيه فيها البيان والتبيين. فهل فى " الوجوه والنظائر" من اعجاز فى اللغة؟
|