التالي

بحث سابع

الأفراد فى ألفاظ القرآن (الإتقان 1 : 144)

هذا الباب على نوعين: النوع الأول يستعمل فيه القرآن لفظاً بمعنى واحد فى كل المواضع إلا فى موضع واحد. والنوع الثانى يستعمل فيه القرآن تعبيراً على غير مألوف اللغة، فكأنه من باب الكناية أو الاستعارة.

أولاً: نقل السيوطى من النوع الأول :

" كل ما فى القرآن من معنى الأسف فهو الحزن إلا " فلما آسفونا" فمعناه أغضبونا.

" وكل ما فى القرآن من ذكر البروج فهى الكواكب إلا " ولو كنتم فى بروج مشيدة" فهى القصور الطوال المحصنة.

" وكل ما فيه من ذكر البر والبحر فالمراد بالبحر الماء، وبالبر التراب اليابس إلا " ظهر الفساد فى البر والبحر" فالمراد به البرية والعمران.

" وكل ما فيه من بخس فهو النقص إلا " بثمن بخس" أى حرام.

" وكل ما فيه من البعل فهو الزوج إلا " أتدعون بعلاً" فهو الصنم.

" وكل ما فيه من البكم فالخرس عن الكلام بالأيمان إلا " عمياً وبكماً وصماً" فى (الاسراء) وأحدهما " أبكم" فى (النحل) فالمراد به عدم القدرة عن النطق مطلقاً.

" وكل ما فيه جثياً فمعناه جميعاً إلا " وترى كل أمة جاثية" فمعناه تجثو على ركبها.

" وكل ما فيه حسبان فهو العدد إلا " حسباناً من السماء" فى (الكهف) فهو العذاب.

" وكل ما فيه حسرة فالندامة إلا " ليجعل الله ذلك حسرة فى قلوبهم" فمعناه الحزن.

" وكل ما فيه من الدحض فالباطل إلا " فكان من المدحضين" فمعناه من المقروعين.

___________________________________

(1) قد نقلنا هذا الفصل فى كتابنا الأول (إعجاز القرآن) ، ص 147 . وننقله هنا لتمام الفائدة.

_______________________________________

" وكل ما فيه من رجز فالعذاب إلا " والرجز فاهجر" فالمراد به الصنم.

" وكل ما فيه ريب فالشك إلا " ريب المنون" يعنى حوادث الدهر.

" وكل ما فيه من الرجم فهو القتل إلا " لأرجمنك" فمعناه لأشتمنك؛ و" رجماً بالغيب" اى ظناً.

" وكل ما فيه من الزور فالكذب مع الشرك إلا " منكراً من القول وزوراً" فإنه كذب غير الشرك.

" وكل ما فيه من زكاة فهو المال إلا " وحنانا من لدنا وزكاة" اى طهرة.

" وكل ما فيه من الزيغ فهو الميل إلا " واذ زاغت الأبصار" اى شخصت.

" وكل ما فيه من سخر فالاستهزاء إلا " سخريا" فى (الزخرف) فهو من التسخير والاستخدام.

" وكل سكينة فيه طمأنينة إلا التى فى قصة طالوت فهو شىء كرأس الهرة له جناحان .

" وكل سعير فيه فهو النار والوقود إلا " فى ضلال وسعر" فهو العناء.

" وكل شيطان فيه فإبليس وجنوده إلا " واذا خلوا الى شياطينهم" .

" وكل شهيد فيه، غير القتلى، فمن يشهد فى أمور الناس إلا " وادعوا شهداءكم" فهو شركاؤكم.

" وكل ما فيه من أصحاب النار فأهلها إلا " وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة" فالمراد خزنتها.

" وكل صلاة فيه عبادة ورحمة إلا " وصلوات ومساجد" فهى الأماكن.

" وكل صمم فيه ففى سماع الايمان والقرآن خاصة إلا الذى فى (الاسراء)

________________________

(1) هنا وهم القائل فى تفسيرة، ففى قصة طالوت اى شاول وتابوت العهد، إن " السكينة" نقل حرفى للتعبير اللغوى العبرى " شخينة" المراد بها سكنى الله فى التابوت كما تدل القرينة " فيه سكينة من ربكم"

______________________

" وكل عذاب فيه فللتعذيب إلا " وليشهد عذابهما" فهو الضرب.

" وكل قنوت فيه طاعة إلا " كل له قانتون" فمعناه مقرون.

" وكل كنز فيه مال إلا الذى فى (الكهف) فهو صحيفة علم.

" وكل مصباح فيه كوكب إلا الذى فى (النور) فالسراج.

" وكل نكاح فيه تزوج إلا " حتى إذا بلغوا النكاح" فهو الحلم.

" وكل نبأ فيه خبر إلا " فعميت عليهم الأنباء" فهى الحجج.

" وكل (ما ورد) فيه دخول إلا " ولما ورد ماء مدين" يعنى هجم عليه ولم يدخله.

" وكل ما فيه من " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" فالمراد منه العمل، الا التى فى (الطلاق) فالمراد منه النفقة.

" وكل يأس فيه قنوط إلا التى فى (الرعد) فمن العلم.

" وكل صبر فيه محمود إلا " لولا أن صبرنا عليها" و " اصبروا على آلهتكم - هذا آخر ما ذكره ابن فارس" .

واستدرك عليه غيرهم:

" كل صوم فيه فمن العبادة إلا " نذرت للرحمان صوماً" أى صمتاً.

" وكل ما فيه من " الظلمات والنور" فالمراد الكفر والإيمان، الا التى فى اول (الانعام) فالمراد ظلمة الليل ونور النهار.

" وكل انفاق فيه فهو الصدقة الا " فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا" فالمراد به المهر.

" ليس فى القرآن (بعد) بمعنى قبل الا حرف واحد: " ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر" . ومنه " والارض بعد ذلك دحاها" . قال أبو موسى: معناه هنا (قبل) لأنه تعالى

________________________________

(1) لقد وهم القائل فإن الذكر أى كتاب موسى نزل قبل الزبور

_________________________________

" خلق الأرض فى يومين ثم استوى الى السماء" فعلى هذا خلق الأرض قبل خلق السماء" .

" كل آية فى القرآن يذكر فيها حفظ الفرج فهو من الزنا، إلا قوله تعالى" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم" فالمراد ان لا يراها أحد.

" فى القرآن كله وراء : أمام، غير حرفين" فمن ابتغى وراء ذلك" يعنى سوى ذلك ! " وأحل لكم ما وراء ذلكم" يعنى سوى ذلكم.

" كل شىء فى القرآن فاسق فهو كاذب، إلا قليلاً.

" ما كان فى القرآن " حنيفاً" مسلماً؛ وما كان فى القرآن " حنفاء مسلمين" : حجاجاً.

وعليه نتساءل: هل هذا الاسلوب اللغوى فى تواتر المعنى باللفظ الواحد، إلا فى موضع، من الاعجاز فى فصاحة اللغة؟ أليس من التأويل الصحيح أن يُحمل معنى اللفظ فى موضع فرد على معناه المتواتر فى كل المواضع؟ وهل الشذوذ عنها فى موضع واحد من الاعجاز فى فصاحة اللغة؟ هل الأفراد فى الفاظ القرآن المضطردة المتواترة بمعنى واحد من الاعجاز فى فصاحته؟

ثانياً: ونقل السيوطى من النوع الثانى ، اى استعمال لفظ على غير وضعه اللغوى:

" كل حرف فى القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة.

" كل شىء فى القرآن أليم فهو الموجع.

" كل شىء فى القرآن قتل فهو لعن.

" كل شىء فى كتاب الله من الرجز يعنى به العذاب.

" كل تسبيح فى القرآن صلاة؛ وكل سلطان فى القرآن حجة.

" كل شىء فى القرآن؛ الدين فهو الحساب .

_________________________________________

(1) نترك هذا لعلم طلاب الفلك. وخلافهم على معنى (بعد) يأتى من تعارض الآيتين فى اولية خلق الارض على السماء

(2) هل ينطبق ذلك على قوله: " شرع لكم من الدين ما وصى به" (الشورى 13)؟

_______________________________

" كل شىء فى القرآن من الرياح فهى رحمة؛ وكل شىء فيه من الريح فهو عذاب.

" كل كأس ذكره الله فى القرآن انما عنى به الخمر.

" كل شىء فى القرآن " فاطر" فهو خالق.

" كل شىء فى القرآن إفك فهو كذب.

" كل آية فى القرآن فى " الأمر بالمعروف" فهو الاسلام؛ والنهى "عن المنكر" فهو عبادة الأوثان.

" كل شىء فى القرآن " ان الانسان كفور" انما يعنى به الكفار - (؟)

" كل شىء فى القرآن خلود فإنه لا توبة له.

" كل شىء فى القرآن يقدر فمعناه يقل

" التزكى فى القرآن كله الاسلام

" ما كان كسفاً فهو عذاب؛ وما كان كِسفاً فهو قطع السحاب

" كل شىء فى القرآن " جعل" فهو خلق.

" المباشرة فى كتاب الله الجُماع" ...

وعليه نقول: هل فى حمل اللفظ على غير معناه الوضعى فى اللغة اعجاز؟ قد يكون فى ذلك اعجاز من باب الكناية كما يكنى عن الجُماع بالمباشرة. واللفظ الفصيح هو الذى يسبق معناه لفظه الى الفهم والادراك. والألفاظ التى تتشابه معانيها ما بين اللغة والاصطلاح هل هى من الاعجاز فى الفصاحة والبيان والتبيين؟

ثالثاً: وهناك نوع ثالث يذكره السيوطى، فى الخروج عن الوضع اللغوى:

" أخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: العفو فى القرآن على ثلاثة أنحاء: نحو، تجاوز عن الذنب؛ ونحو فى القصد فى النفقة (ويسألونك ماذا ينفقون؟ قل العفو)؛ ونحو، فى الاحسان فيما بين الناس (إلا أن يعفو، أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح).

" وفى الصحيح البخارى، قال سفيان بن عيينة: ما سمى الله المطر فى القرآن إلا عذاباً؛ وتسمية العرب غيثاً. (قلت) استثنى من ذلك (إن كان بكم أذى من مطر) فإن المراد به الغيث قطعاً.

" وقال أبو عبيدة: اذا كان فى العذاب فهو أمطرت ، واذا كان فى الرحمة فهو مطرت.

" عن مسروق قال: ما كان فى القرآن " على صلاتهم يحافظون" ، " حافظوا على الصلوات" فهو على مواقيتها.

وقال الراغب فى (مفرداته) قيل: كل شىء ذكره الله بقوله ( وما أدراك) فسره؛ وكل شىء ذكره بقوله ( وما يدريك) تركه، وقد ذكر: " وما أدراك ما سجين" ، " وما أدراك ما عليون" وما فسر الكتاب لا السجين والعليون؛ وفى ذلك نكتة لطيفة - ولم يذكرها " .

نقول: هل فى استخدام لفظ على معان مختلفة لم يوضع لها من الاعجاز فى اللغة؟ وانفراد القرآن بتصريف الفعل على معان مختلفة مثل " أمطرت " و " مطرت " ، ومثل " ما ادراك " ، " وما يدريك " ، ولا شىء من ذلك فى وضع الله هو من الاعجاز فيها؟

والمثل الصارخ فى خروج القرآن على أوضاع اللغة الفصيحة هو استعمال لفظ " المطر" بمعنى العذاب، " وتسميه العرب غيثاً " لأنه يغيث الأرض والحيوان والانسان. فهل فى الخروج على الوضع اللغوى الشائع المتواتر اعجازاً؟

تلك ثلاثة أنواع من " الأفراد" فى القرآن، لا عهد للفصحى وبيانها فيها. فهل انفراد القرآن بها كان من معجز القرآن أم من المتشابه فيه حتى سموها " غريب القرآن " أو " مشكل القرآن" ؟

وما كان غريباً أو مشكلاً فى اللغة هل يكون من الاعجاز فى اللغة؟

التالي