بحث ثامن فى فواصل الآى (الإتقان 2 : 96 – 105)" الفاصلة كلمة آخر الآية، كقافية الشعر، وقرينة السجع. وقال " الدانى" : كلمة آخر الجملة، وهو خلاف المصطلح .. . وأُخذ من قوله تعالى: " كتاب فُصلت آياته " : فهى صفة لكتاب الله تعالى فلا تتعداه " الى الشعر أو السجع. " وما يذكر من عيوب القافية، من اختلاف الحركة والاشباع والتوجيه فليس بعيب فى الفاصلة. وجاز الانتقال فى الفاصلة والقرينة وقافية الارجوزة، من نوع الى آخر، بخلاف قافية القصيدة" . هذا، وقد خضع القرآن الى ما يغاير الحقيقة أو اللغة مراعاة للفاصلة. والاتفاق العام على ان موسى أفضل من هارون فقدمه فى قوله: " موسى وهارون" ؛ لكن مراعاة للفاصلة قال فى موضع آخر: " هارون وموسى" لمكان السجع. وبسبب مناسبة الفواصل نجد فى لغته ونظمه اموراً من مخالفة الفصول . ونقل السيوطى عن شمس الدين بن الصائغ فى كتابه (إحكام الرأى فى أحكام الآى) قال: " وقد تتبعت الأحكام التى وقعت فى آخر الآى مراعاة للمناسبة فعثرت منها على نيف عن الأربعين حكماً: " احدها: تقديم المعمول ، إما على العامل نحو: " أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون" . قيل: ومنه " إياك نستعين" . أو على معمول آخر أصله التقديم نحو" لنريك من آياتنا الكبرى" مفعول نرى ، أو على الفاعل نحو " ولقد جاء آل فرعون للنذر" . ومنه تقديم خبر كان على اسمها نحو " ولم يكن له كفوءًا أحد" - وذلك مراعاة لمناسبة الفاصلة. " الثانى: تقديم ما هو متأخر فى الزمان نحو " فلله الآخرة والأولى" . ولولا مراعاة الفواصل لقدمت الأولى كقوله: " لو الحمد فى الأولى والآخرة". " الثالث: تقديم الفاضل على الأفضل نحو " برب هارون وموسى". " الرابع: تقديم الضمير على ما يفسره ، نحو " فأوجس فى نفسه خيفة موسى" . " الخامس: تقديم الصفة الجملة على الصفة المفردة نحو " ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً". " السادس: حذف ياء المنقوص المعرّف نحو " المتعال ِ" ، " يوم التنادِ". " السابع: حذف ياء الفعل غير المجزوم نحو " والليل اذا يَسر ِ ". " الثامن: حذف ياء الاضافة نحو " كيف كان عذابى ونذرِ" ، " فكيف كان عقابِ " . " التاسع: زيادة حرف المدّ نحو " الظنونا " و" الرسولا" و" السبيلا " . ومنه ابقاؤه مع الجازم نحو " لا تخاف دركًا ولا تخشى" ، " سنقِرئك فلا تنسى" - على القول بأنه نهى. " العاشر: صرف ما لا ينصرف نحو " قواريراً قواريراً". " الحادى عشر: ايثار تذكير اسم الجنس كقوله: " اعجاز نخل منقعر". " الثانى عشر: ايثار تأنيثه نحو " اعجاز نخل خاوية" . ونظير هذين قوله فى (القمر): " وكل صغير وكبير مستطر" ؛ وفى (الكهف) : لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها". " الثالث عشر: الاقتصار على احد الوجهين الجائزين اللذين قرئ بهما فى " السبع" ، فى غير ذلك. كقوله تعالى: " فأولئك تحروا رشداً" ، ولم يجئ " رشداً " فى السبع. وكذا: " وهىء لنا من أمرنا رشداً" . لأن الفواصل فى السورتين بحركة الوسط. وقد جاء فى " وان يروا سبيل الرشد". وبذلك يبطل ترجيح الفارسى قراءَة التحريك بالاجماع عليه فيما تقدم. ونظير ذلك قراءَة " تبّت يدا أبى لهب" بفتح الهاء وسكونها. ولم يُقرأ " سيصلى ناراً ذات لهب" إلا بالفتح لمراعاة الفاصلة. " الرابع عشر: ايراد الجملة التى ردّ بها ما قبلها على غير وجه المطابقة فى الاسمية والفعلية كقوله تعالى: " ومن الناس من يقول: آمنا بالله واليوم الآخر، وما هم بمؤمنين" - لم يطابق بين قولهم " آمنا" وبين ما ردّ به فيقول: (ولم يؤمنوا)، أو (وما آمنوا) لذلك. " الخامس عشر: ايراد أحد القسمين غير مطابق للآخر ، كذلك نحو " وليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" - ولم يقل (الذين كذبوا). " السادس عشر: ايراد أحد جزأى الجملتين على غير الوجه الذى أورد نظيرها من الجملة الأخرى، نحو " أولئك الذين صدقوا، وأولئك هم المتقون". " السابع عشر: ايثار أغرب اللفظين ، نحو " قسمة ضيرى" ولم يقل (جائره)؛ ونحو "لينبذنّ فى الحطمة" ولم يقل (جهنم) أو (النار) . وقال فى (المدثر): " سأصليه سَقَر " ، وفى (سأل) " إنها لظى" ، وفى (القارعة) " مأمه هاوية" - لمراعاة فواصل كل سورة. " الثامن عشر: اختصاص كل المشتركين بموضع نحو " وليذكر أولو الألباب " ؛ وفى سورة طه " إن فى ذلك لآيات لأولى النهى" . " التاسع عشر: حذف المفعول نحو " فأما من اعطى واتقى - ما ودّعك ربك وما قلى". ومنه حذف متعلق أفعل التفضيل نحو " يعلم السر وأخفى " ، " خير وأبقى " . " العشرون: الاستغناء بالإفراد عن التثنية نحو " فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى". " الحادى والعشرون: الاستغناء به عن الجمع نحو " واجعلنا للمتقين إماماً" - ولم يقل " أئمة" كما قال: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا" ، " إن المتقين فى جنات ونهر" اى أنهار. " الثانى والعشرون: الاستغناء بالتثنية عن الافراد نحو " ولمن خاف مقام ربه جنتان " . قال الفراء: أراد جنة كقوله: " فإن الجنة هى المأوى" - فثنّى لأجعله الفاصلة. وقال أيضاً الفراء: والقوافى (هنا الفواصل) تحتمل من الزيادة والنقصان ما لا يحتمله سائر الكلام. ونظير ذلك قول الفراء أيضاً فى قوله تعالى " إذا نبعث أشقاها" فإنهما رجلان؛ ولم يقل " أشقياها" للفاصلة. " الثالث والعشرون: اطلاق الاثنين على الجمع لأجل الفاصلة. ثم قال: وهذا غير بعيد. قال: وانما عاد الضمير بعد ذلك بصيغة التثنية: " ذواتا أفنان " مراعاة للفظ. " الرابع والعشرون: الاستغناء بالجمع عن الأفراد نحو " لا بيع فيه ولا خلال" اى (ولا خلة) كما فى الآية الأخرى - وجمع مراعاة للفاصلة. " الخامس والعشرون: اجراء غير العاقل مجرى العاقل نحو" رأيتهم لى ساجدين" ، " كلُ فى فلك يسجون" - مراعاة للفاصلة. " السادس والعشرون: إمالة ما لا يمال ، كآى طه والنجم. " السابع والعشرون: الاتيان بصيغة المبالغة ، كقدير وعليم، مع ترك ذلك فى نحو " هو القادر" و " عالم الغيب" . ومنه " ما كان ربك نسِيّا" . " الثامن والعشرون: إيثار بعض أوصاف المبالغة على بعض، نحو " إن هذا لشىء عجاب" أوثر على (عجيب) لذلك - مراعاة للفاصلة. " التاسع والعشرون: الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه نحو " ولولا كلمة سبقت من اربك لكان لزاماً، وأجل مسمى" - مراعاة للفاصلة. " الثلاثون: ايقاع الظاهر موقع المضمر نحو " والذين يمسكون بالكتاب، وأقاموا الصلاة، إنا لا نضيع أجر المصلحين" . وكذا آية (الكهف). " الحادى والثلاثون: وقوع مفعول موقع فاعل ، كقوله: " حجاباً مستوراً" ، " كان وعده مأتيّّاً" اى (سائراً) و(آتياً). " الثانى والثلاثون: وقوع فاعل موقع مفعول نحو " عيشة راضية" ، " ماء دافق". " الثالث والثلاثون: الفصل بين الموصوف والصفة نحو " أخرج المرعى ، فجعله غثاء، أحوى". إن اعراب (أحوى) صفة لمرعى اى حالاً. (والأصل: أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء). " الرابع والثلاثون: ايقاع حرف مكان غيره نحو " بأن ربك أوحى لها" ، والأصل (إليها). " الخامس والثلاثون: تأخير الوصف غير الأبلغ عن الأبلغ . ومنه " الرحمان الرحيم" ، " رؤوف رحيم" لأن الرأفة أبلغ من الرحمة. (وزيادة البناء فى " الرحمان" تجعله ابلغ من " الرحيم"). " السادس والثلاثون: حذف الفاعل ونيابة المفعول نحو " وما لأحد عنده من نعمة تُجزى" . " السابع والثلاثون: إثبات هاء السكت نحو " ماليه" ، " سلطانيه" ، " ماهيه" . " الثامن والثلاثون: الجمع بين المجرورات نحو " ثم لا تجد لك به علينا تبيعاً". فإن الأحسن الفصل بينها، إلا أن مراعاة الفاصلة اقتضت عدمه وتأخير " تبيعاً". " التاسع والثلاثون: العدول عن صيغة الماضى الى صيغة الاستقبال نحو " فريقاً كذبتم، وفريقاً تقتلون" - والأصل (قتلتم). " الأربعون: تغيير بنية الكلمة نحو " طور سينين" والأصل سيناء؛ ونحو " سلام على الياسين" والأصل (الياس). " تنبيه: قال ابن الصائغ: لا يمتنع فى توجيه الخروج عن الأصل، فى الآيات المذكورة امور أخرى، مع وجه المناسبة، فإن القرآن العظيم - كما جاء فى الأثر – لا تنقضى عجائبه". |