الجزء الأولالإعجاز فى السيرةتوطئةالعبقرية و البشرية فى النبى العربىالظاهرتان الكبيرتان فى القرآن ، لوصف النبى العربى ، هما العبقرية و " البشرية " . و هاتان الظهرتان تحددان مدى الإعجاز فى الشخصية . فى كتابنا ( القرآن و الكتاب 2 : 1040 ) قررنا أن " محمدا ترك أعظم تراث يمكن أن يتركه عظيم : فقد أنشأ من لا شىء أمة و دينا و دولة تشغل قسما كبيرا من العالم الى اليوم و إلى ما شاء الله . إن محمدا هو باعث القومية العربية الأول ، و هو محرر العرب الأول ، و هو العامل الأول لوحدة العرب الكبرى ، و هو بانى الدولة الدينية العربية الأولى . فيحق للمسلمين أن يتلوا كل يوم ما نزل على النبى : " إن الله و ملائكته يصلون على النبى ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما " . ثم قررنا ميزات هذه العبقرية ، فقلنا : " كانت شخصية محمد بن عبد الله الهاشمى القرشى ، النبى العربى ، مجموعة عبقريات مكنته من تأسيس أمة و دين و دولة من لا شىء . و هذا لم يجتمع لأحد من عظماء البشرية . كان محمد عبقرية دينية ... و كان محمد عبقرية سياسية ... و كان عبقرية دبلوماسية ... و كان محمد عبقرية عسكرية ... و كان محمد عبقرية إدارية ... و كان محمد عبقرية تشريعية ... و أخيرا كان محمد عبقرية أدبية " ( ص 1065 – 1067 ) . لكن هذه المجموعة الفريدة من العبقريات كانت مغمورة بمظاهر " بشريته " يعلنها القرآن فى حياته الشخصية ، و حياته الزواجية ، و حياته النبوية ، و حياته الجهادية . فالقرآن يضعنا على الصراط المستقيم فى تقدير شخصية النبى العربى حق قدرها ، بهذا الاعلان المتواتر : " قل إنما أنا بشر مثلكم ، يوحى الى ... " ( فصلت 6 ، الكهف 110 ) . و اذا طولب ، كما يطالب النبيون ، بشىء من علم الغيب أو المعجزة ، يصيح : " قل : " سبحان ربى ، هل كنت إلا بشرا رسولا " ! ( الاسراء 93 ) . يقول الاستاذ السمان 1 : " و
الذى لا مرية فيه أن محمدا كان بشرا بكل ما فى هذه اللفظة من معنى ، و
بكل ما ينطبق عليها من سنن الكون و ظروف الطبيعة . ولد كما يولد البشر ! و
عاش كما يعيش البشر ! و مات كما يموت البشر . لم يشذ عن سنن الطبيعة ، و
لم يقدر له أن يمتاز عن مجريات أحوالها . و ما امتاز به عن البشر ، قد
انحصر فى تكليف الله إياه مهمة الوحى ، ليكون مبلغا عن الله و داعيا اليه
بإذنه . و لعل ما جاء فى كتاب الله عز و جل ، قد وضع النقاط على الحروف
، و لم يدع مجالا لذرة واحدة من الشك : " قل إنما أنا بشر مثلكم ! يوحى إلى
إنما إلهكم إله واحد . فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك
بعبادة ربه أحدا " ( الكهف 110 ) . كذلك قوله : " قل إنما أنا بشر مثلكم !
يوحى إلى إنما إلهكم إله واحد ، فاستقيموا اليه و استغفروه ! وويل للمشركين "
! ( فصلت 6 ) . 1 محمد عبد الله السمان : محمد الرسول البشر ، ص 10 ثم 22 . من يتلو القرآن لا يتمالك من مقابلة هذه الصورة لمحمد بصورة المسيح فى القرآن : ولد من أم بتول لم يمسسها بشر ، يكلم الناس فى المهد و كهلا ، يطلع على علم الغيب ، و يرتفع فى سلطان المعجزة ، بإذن الله ، الى مشاركة الخلق – بدون شرك – فى السلطان على إحياء الموتى ، و فى السلطان على الخلق : " و اذ تخلق " ( آل عمران 45 – 47 ، المائدة 110 ) . فتلكما العبقرية و " البشرية "عند محمد تحدان الأعجاز فى سيرته الشخصية ، و البيتية ، و النبوية ، و الجهادية |