بحث ثان
في أعمال الله: القضاء والقدر
اولاً: في حجج الجبرية (من أهل السنة)
"في الإرادة والمشيئة – وهما واحد ، وهي صفة قديمة تقتضي تخصيص الحوادث بوجه دون وجه ، ووقت دون وقت:
1 – " أما الإرادة، ففي خمسة عشر موضعاً: (في آل عمران) يريد الله ان لا يجعل لهم حظاً في الآخرة ولهم عذاب عظيم. (وفي بني اسرائيل) وإذ قلنا لك: ان ربك أحاط بالناس. (وفي المائدة) ومَن يُرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً، أولئك الذي لم يرد الله أن يطهّر قلوبهم. (وفي الانعام) فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للإسلام؛ ومن يرد ان
يضله يجعل صدره ضيّقاً حرجا، كأنما يصعد في السماء، كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون. (وفي التوبة) فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم، انما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة والدنيا، وتزهق انفسهم وهم كافرون. (وفيها) ولا تعجبك أموالهم وأولادهم، انما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق انفسهم وهم كافرون. (وفي يونس) وإن يمسسك الله بضر، فلا كاشف له الاّ هو، وان يردك بخير فلا رادَّ لفضله، يصيب به مَن يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم. (وفي هود) ان كان الله يريد ان يغويكم، هو ربكم واليه ترجعون. (وفي الرعد) واذا أراد الله بقوم سوءًا فلا مردّ له، وما لهم من دونه من وال. (وفي الأحزاب) قل: من ذا الذي يعصمكم من الله ان أراد بكم سوءًا أو أراد بكم رحمة، ولا يجدون لهم من دون الله وليِّاً ولا نصيراً. (وفي البقرة) ولكن الله يفعل ما يريد. (وفي الفتح) قل: فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً، أو أراد بكم نفعاً، بل كان الله بما ت عملون خبيراً.
2 – " وأما المشيئة ففي ستة وعشرين موضعاً: (في البقرة) ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم. (وفيها) ولو شاء الله ما اقتتلوا. (وفي المائدة) ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة، ولكن ليبلوكم في ما آتاكم. (وفي الانعام) ولو شاء الله لجمعهم على الهدى، فلا تكونن من الجاهلين . (وفيها) ولو شاء الله ما أشركوا، ولو شاء ربك ما فعلوه. (وفي النحل) ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة، ولكن يضل مَن يشاء ويهدي مَن يشاء . (وفي حمسعق) ولو شاء الله لجعلهم امة واحدة، ولك ن يُدخل مَن يشاء في رحمته. (وفي يونس) ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً: أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين! وما كان لنفس ان تؤمن إلاّ بإذن الله، ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون. (وفي هود) ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلاّ مَن رحم ربك، ولذلك خلقهم. (وفي الرعد) أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً. (وفي النحل) وعلى الله قصد السبيل، ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين. ( وفي السجدة) ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها، ولكن حق القول مني: لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين. (وفي الشعراء) إن نشأ ننزّل عليهم من السماء آية فظلّت اعناقهم لها خاضعين. (وفي حمعسق) فإن يشأ الله يختم على قلبك. (وفي الحديد) لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء، من ف ض ل الله، وأن الفضل بيد الله يؤتيه مَن يشاءَ والله ذو الفضل العظيم. (وفي المدثر) وما يذكرون
إلاّ أن يشاء الله. (وفي هل أتى على الإنسان) وما تشاؤون إلاّ ان يشاء الله ، إن الله كان عليما حكيماً. (وفى إذا الشمس كورت) وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين. (وفي الأعراف) وما يكون لنا ان نعود فيها، إلاّ ان يشاء الله ربنا. (وفي الانعام) ولا أخاف ما تشركون به، إلاّ أن يشاء ربي شيئاً. (وفيها) ولو أننا نزّلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى، وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً، ما كانوا ليؤمنوا، إلاّ أن يشاء الله ، ولكن أكثرهم يجهلون. (وفيها) وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً، شياطين الانس والجن، يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غروراً، ولو شاء ربك ما فعلوه، فذرهم وما يفترون. (وفيها) قلْ: فلله الحجة البالغة ، فلو شاء لهداكم أجمعين (وفى الاعراف قلْ: لا املك لنفسي نفعاً ولا ضراً، إلاّ ما شاء الله. (وفي يونس) قل: لا املك لنفسي ضراً ولا نفعاً، إلاّ ما شاء الله. (وفيها) قلْ: لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به، فقد لبث فيكم عمراً من قبله، أفلا تعقلون".
والنتيجة: فتلك إحدى وأربعون آية تقول بالقضاء والقدر المطلق.
ثانياً: في حجج القدرية (من المعتزلة)
1 – " في القدرة والارادة؛ وذلك في ثلاثة عشر موضعًا: (في البقرة) يريد الله بكم اليسر، ولا يريد بكم العسر. (وفي آل عمران) وما الله يريد ظلمًا للعالمين. (وفي حم المؤمن) وما الله يريد ظلمًا للعباد. (وفي النساء) يريد الله ليبيّن لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم، ويتوب عليكم، والله عليم حكيم، والله يريد ان يتوب عليكم، ويريد الذين يتبعون الشهوات ان تميلوا ميلاً عظيمًا؛ يريد الله ان يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفًا. (وفيها) ويريد الشيطان ان يضلّهم ضلالاً بعيدًا. (وفي المائدة) ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون. (وفي الانفال) تريدون عرض الدنيا الله يريد الآخرة والله عزيز حكيم.
2 – " في ا ل مشيئة؛ وذلك في عشرة مواضع: (في الانعام) سيقول الذين أشركوا: لو شاء لله ما أشركنا ولا آباؤنا، ولا حرمنا من شيء؛ كذلك كذب الذين من قبلهم، حتى
ذاقوا بأسنا، قلْ: هل عندكم من علم فتخرجوه لنا، إن تتّبعون إلاّ الظن، وإنْ أنتم إلاّ تخرصون. (وفي النحل) وقال الذين أشركوا: لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء، نحن ولا آباؤنا، ولا حرّمنا من دونه من شيء، كذلك فعل الذين من قبلهم، فهل على الرسل الاّ البلاغ المبين. (وفي يسن) واذا قيل لهم: أنفقوا ممّا رزقكم الله، قال الذين كفروا للذين آمنوا: أنطعم من لو يشاء الله أطعمه – إن أنتم إلاّ في ضلال مبين. (وفي الزخرف) وقالوا: لو شاء الرحمن ما عبدناهم – ما لهم بذلك من علم، إنْ هم إلاّ في يخرصون. (وفي المزمّل) فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلاً. (وفي المدثر) لمن شاء منكم ان يتقدم أو يتأخر. (وفي الانسان) فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلاً. (وفي الأعمى) فمن شاء ذكره، في صحف مكرمة. (وفي الكهف) فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.
فتلك ثلاث وعشرون آية تنفي القضاء المبرم والقدر المحتوم.
هذا هو الواقع القرآني في تعليم القضاء والقدر: ثلاث وعشرون آية تنفيه على اطلاقه؛ واحدى واربعون آية تقول به على على اطلاقه. والتعارض ظاهر كما في قوله: " فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر"؛ وقوله: " يضل مّن يشاء ويهدي من يشاء". وقوله: " وما تشاؤون إلاّ أن يشاء الله" يربط مشيئة العبد بمشيئة الله. لذلك تضاربت الآراء في تعليم القرآن القضاء والقدر، بين أهل السنة والجماعة، وأهل التأويل. فالمدرستان لهما أساس متين فى القرآن. ولذلك فالتعارض فى القضاء والقدر قائم فى القرآن نفسه، وهو اختلاف كبير، لا نرى معه وجه الحق في قوله: "أفلا يتدبرون القرآن، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كبيراً". لقد تدبره أهله فاختلفوا فيه، لأنهم وجدوا فيه اختلافاً كبيراً.
__________________________
(1) هذا التصريح يعني ان براهين التوحيد ودلائل النبوة، لا تقود إلى ا لإ يمان بحدّ ذاتها، إلاّ أن يشاء الله. |