التالي

بحث أول

المسيح فى الإنجيل

لقد بلغ السيد المسيح الاعجاز المطلق فى الشخصية بسلطانه المطلق، وفى السيرة والرسالة بالحكمة المطلقة والمعجزة المطلقة.

أوّلاً: الإعجاز المطلق فى الشخصية بسلطانه

  بدأ يسوع دعوته فى جامع الناصرة، حيث نشأ، فى سبت حافل حاشد. دُعى الى الكلام فقرأ فى الكتاب نبوءة أشعيا فى المسيح والموعود: " إن روح الله علىّ. فقد مسحنى لأعلن البشرى (اى الانجيل بالحرف العبرى) للمساكين؛ وأرسلنى لأنادى بالحرية

للمأسورين، وبالبصر للعميان، وبالتخفيف عن المرهقين، وأعلنها سنة نعمة لله". " ثم طوى السفر ودفعه للخادم وجلس. وكانت عيون الذين فى الجامع شاخصة اليه بأجمعها. فشرع يقول لهم: اليوم تمت هذه الآية المكتوبة على مسمع منكم" (لوقا 4 : 14 – 22). فهو يعلن بتورية أنه المسيح الموعود، وأن الانجيل تحقيق النبوة. والنبوة والانجيل يجمعان البشرى والمعجزة معاً، بشرى الخلاص والمعجزات الروحية والحسية التى تؤيدها.

وشرع فى الدعوة. فأخذ الاعجاز فى الشخصية يظهر بسلطانه المطلق.

1 - سلطان على شريعة الله نفسها. ففى خطبته التأسيسية على الجبل، يعلن الدستور الانجيلى فى تكميل الدستور التوراتى فى الكلمات العشر (متى 5 – 7). وفيه يطورّ الدين من علاقة عبد بربه الى علاقة ابن بأبيه السماوى فى المسيح يسوع، ويطور الشريعة من السلبية إلى الإيجابية، ومن الظاهرية الى الباطنية، ومن المادية الى الروحانية، حتى " بُهت الجموع من تعليمه لأنه كان يعلمهم كذى سلطان ، لا مثل علمائهم" (متى 7 : 28). فكان المشترع الأعظم.

2 - سلطان على الانسان. فإنه يعرف غيب المخلوق وسرائره. ويفعل فيه ما يريد، فى اسرائيل، مثلاً، بشفاء أبرص بكلمة منه (متى 8 : 1 - 4)؛ وبين الأمّيين الوثنيين بشفاء غلام لقائد حامية كفرناحوم الرومانية، على بعد (8 : 5 – 13). فكان سلطاناً شاملاً مطلقاً: " ولمّا كان المساء قدموا اليه كثيرين بهم شياطين، فطرد الأرواح بكلمة. وأبرأ أيضاً جميع من بهم سوء" (متى 8 : 16). إن سلطان المسيح على الانسان هو فوق سلطان المخلوق.

3 - سلطان على الطبيعة ، كتسكين عاصفة هوجاء فى بحيرة طبريا: " حينئذٍ نهض وزجر الريح والبحر، فساد هدوء عظيم! فدهش هدوء عظيم! فدهش اولئك الناس وقالوا: مَن تُرى هذا، حتى يطيعه الريح والبحر" ! (متى 8 : 26 - 27). ومثل تكثير الخبز لآلاف الجياع، مرة لبنى اسرائيل، ومرة فى أرض المشركين. وكالسير على الماء، على مشهد من الجمهور. ومَن له سلطان ذاتى على الطبيعة هو أكثر من إنسان.

4 - سلطان على الشياطين . غيره يخافهم، وهو يُخيفهم! صادفهم فى رجل به جِنّة فأمرهم بمغادرة المسكين: " فأخذ الشياطين يبتهلون الى يسوع ... " (8 : 28 - 34).

5 - سلطان على مغفرة الخطايا - وهو سلطان الهى محفوظ لله وحده - ادعاه لنفسه قبل شفاء مقعد فى كفرناحوم. فاتهمه الاحبار والعلماء بالكفر. فتحداهم بالمعجزة: " لكى تعلموا أن ابن البشر (لقب المسيح المتواتر فى الانجيل) له سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا - عندئذٍ قال للمقعد - قم، احمل فراشك وامض الى بيتك! فنهض ومضى الى بيته، ولدى هذى المشهد استولى على الجموع خوف، وحمدوا الله الذى آتى الناس مثل هذى السلطان" (متى 9 : 1 - 8).

6 - سلطان على ملكوت الله، يدعو اليه مَن يريد، مثل متى الجابى، ويرفض من يريد ممن لا يستحقون (متى 9 : 9 - 13). وجوده بين الناس برهان ظهور ملكوت الله. فهو سيد الملكوت.

7 - سلطان على الحياة والموت، بإحياء ابنة يائير، رئيس جامع كفرناحوم: " أخذ الفتاة بيدخها فقامت" من الموت! (متى 9 : 18 – 26). نادى لعازر من القبر فقام (يوحنا 11)

8 - سلطان على غيب الله نفسه، " فلا أحد يعرف الابن إلاّ الآب؛ ولا أحد يعرف الآب إلاّ الابن، ومَن يريد الابن أن يكشف له" (متى 11 : 27)

وهذا السلطان كله مطلق كسلطان الله: " لقد آتانى أبى كل شىءٍ" (متى 11 : 27)، " لقد أوتيتُ كل سلطان فى السماء وعلى الأرض" (متى 28 : 18).

لمّا رأى الشعب هذا كله، هتف الناس والعميان الذين شفاهم أنه " ابن داود" اى المسيح الموعود (متى 9 : 27). وتاريخ بنى اسرائيل فى الكتاب مشحون بمعجزات النبوة. لكنهم لمّا شاهدوا معجزات يسوع قالوا: " لم يظهر قط مثل هذا فى اسرائيل" ! (متى 9 : 33).

إعجاز فى القول، واعجاز فى الفعل! اعجاز فى الشخصية، واعجاز فى السلطان!

ثانياً: الإعجاز المطلق فى السيرة والرسالة، بالكلمة والمعجزة

1- هذا الاعجاز المطلق وصلت أخباره الى يوحنا المعمدان، وهو فى سجنه الذى استشهد فيه. فأرسل وفداً من تلاميذه يستطلع أخبار يسوع، ويسألونه: " أأنت النبى الموعود، أم ننتظر آخر"؟ وفى تلك الساعة شفى كثيرين من أمراض وأرواح شريرة، ووهب

البصر لعميان كثيرين" . ثم أجاب الوفد، قال: " انطلقوا وأعلموا يوحنا بما تسمعون وترون: العمى يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يطهرون، والصم يسمعون. والموتى يقومون، والمساكين يبشرون. وطربى لمن لا يشك فىّ" (متى 11 : 2 – 6 ؛ لوقا 7 : 18 – 23).

تلك المعجزات كانت دلائل النبوة فى الكتاب عن المسيح الموعود. فصنع يسوع المعجزات الموعودة: فتمّم النبوءات الدالة عليه، وصنع المعجزات والمشهودة. لذلك كان جواب يسوع ليوحنا وتلاميذه الجواب المعجز بالأقوال والاعمال، بالنبوءات والمعجزات.

2 - وأخذ يسوع يكشف شيئاً فشيئاً سر شخصيته بأقواله وأعماله: إنه " عيسى ابن مريم - وكلمة الله ألقاها الى مريم روح منه "، فهو المسيح، رسول الله الأعظم.

مرة يصرح: " ان ابن البشر هو رب السبت" (متى 12 : 8) والسبت تأسيس الله عندهم، وحرمته مطلقة. ومرة ينادى: " وههنا أعظم من الهيكل" ، حيث سكينة الله عندهم (متى 12 : 6). وأيّد تطاوله على مقدّساتهم بمعجزاته الدالة على سره: أشفية بالجملة (12 : 15)، شفاء مجنون أعمى وأخرس، به جنّة (متى 12 : 22 – 29). فهو مؤسس ملكوت الله الموعود، وسيده فيما بينهم؛ ومعجزاته، خصوصاً على الشياطين، دليل على أن ملكوت الله قد حل بين ظهرانيهم: " إن كنت بروح الله أخرج الشياطين، فهذا دليل على ان ملكوت الله قد حلّ فى ما بينكم" (متى 12 : 28). والتنكر لذلك من قبل الجاحدين هو تجديف على روح الله (12 : 31 – 33).

تحداهم بشخصه، فقال: " ههنا أعظم من يونان" ومن الأنبياء! " ههنا أعظم من سليمان" ومن الملوك! فتحدوه بمعجزة من السماء. فأعطاهم معجزة فى نبوءة: إن آية المسيح الكبرى تشبه مصير يونان النبى: " فكما ان يونان أقام فى بطن الحوت ثلاثة أشهر وثلاث ليالٍ، كذلك ابن البشر يقيم فى بطن الأرض ثلاثة أشهر وثلاث ليال" ثم يُبعث حياً (متى 12 : 38 – 42).

3 - ودخل معهم فى جدال على سُنّة موسى، فاستنكر السُنّة التى تنسخ الكتاب. وكان ذلك بمثابة كفر عندهم (متى 15 : 1 – 20). فأيّد سلطانه وتعليمه فى تعديل السنة والشريعة، بالمعجزات يجريها بالجملة: " فأقبل عليه جموع غفيرة معهم عرج وشُلٌ وعُمْى وخرْس، وآخرون كثيرون. وألقوا بهم عند قدمية. فشفاهم" (15 : 29).

4 - واعتزل يسوع بصحابته الى أرض المشركين، فى بانياس، عند سفح جبل الشيخ. وهناك كاشفهم على انفراد بسر شخصيته. واستخلص الشهادة له، من زعيمهم بطرس، ترجمان الجميع: " انت المسيح، ابن الله" (متى 16 : 16) - و" ابن الله" ليس على طريقة بشرية مخلوقة؛ انما على طريقة التفاعل الإلهى فى الذات الصمدانية، بصفة كونه " كلمة الله وروح الله" ، اى " نطق الله فى ذات الله" ، وقد تدرّع بجسد.

ثم أخذ الثلاثة المقربين وصعد بهم الى جبل الشيخ للصلاة ومناجاة الحق. وقصده أن يكشف لهم سرّه من خلال بشريته، هناك " تجلّى أمامهم. فأضاء وجهه كالشمس! وصارت ثيابه كالنور! واذا موسى وايليا قد ظهرا لهم يخاطبانه. واذا غمامة نيّرة تظلّلهم واذا صوت من الغمامة يقول: هذا هو ابنى الحبيب، موضوع رضاى، له فاسمعوا" (متى 17 : 1 – 10). لتأييد الاعلان الضخم على لسان الله تعالى ذاته، تجمعت الشهادات الكبرى كلها. الغمامة النيّرة رمز حضور الله فى لغة الكتاب: فهذه شهادة الله نفسه بحضوره وصوته. ونور الله ينبعث من خلال بشرية المسيح النيّرة. وشهادة موسى سيد الشريعة، وايليا سيد النبوّة، يحفان بالمسيح فى مجده. أخيرا"ً حديث يسوع مع موسى وايليا فى استشهاده المقبل فى اورشليم، وانبعاثه حياً ورفعه الى السماء. إنها قمة المكاشفة.

5 - وجاء يسوع وصحابته الى كفرناحوم. وجاء وقت التصاريح الكبرى عن سر شخصيته، وتأييدها بالتحدى بالمعجزات العظام. كسر خمسة أرغفة وأشبع منها خمسة آلاف، سوى النساء والصبيان. ودخل جامع كفرناحوم، واعلن مراراً متتاليات: " أنا خبز الحياة النازل من السماء" (يوحنا 6 : 5 – 16). وصعد الى اورشليم. هناك فى عيد الخيام اعلن "أنا نور العالم" (يوحنا 8 : 12). وبرهن على ذلك بإبراء الأكمه، أى الأعمى منذ مولده (ف 9 كله). وعرّج على بيت عنيا، وكان لعازر قد توفى منذ أربعة أيام وقد أخذ يبلى فى قبره. فأعلن أمام الجمهور: " أنا القيامة والحياة". وأحيى بكلمة منه لعازر برهانا منه على صحة قوله (يوحنا ف 11 كله).

6 - أعطى يسوع آخرته لليهود كآيته الكبرى (متى 12 : 39 – 40). وهذه الآخره كانت بالاستشهاد صلباً، والاستشهاد فى سبيل الدعوة سُنّة الأنبياء. فاختار المسيح الاستشهاد صلباً ليكون أعظم استشهاد فى سبيل الحق عرفه تاريخ النبوة والبشرية. وبما أن

الصليب كان فى نظر اليهود وسيظل فى نظر الناس رمز العار الذى لا يليق بمسيح الله، فقد قضى يسوع سنته الأخيرة يهيئ صحابته لتلك الآخرة، ويريهم خاتمتها المجيدة بقيامته وارتفاعه حيا الى السماء، فتتم فيه معجزة المعجزات.

قبل سنة من استشهاده، وبعد تجليه على جبل الشيخ، الفاصل بين سوريا وفلسطين، حيث كشف لهم بلسان الحال عن سر شخصيته، " منذئذ شرع يسوع يبين لتلاميده أنه ينبغى له أن يمضى الى اورشليم ويتعذّب كثيراً من قبل الاحباروالزعماء والعلماء، وأن يُقتل وأن يقوم فى اليوم الثالث" (متى 16 : 21). فنفروا من الرؤيا كسائر اليهود.

وبعد مدة، " فيما كانوا يطوفون فى الجليل قال لهم يسوع: ان ابن البشر سيُسلم الى أيدى الناس، فيقتلونه، وفى اليوم الثالث يقوم" (متى 17: 22 – 23).

لكن فى كلا النبوءتين لا ذكر للصلب بعد، لئلا يزيدهم نفوراً.

أخيراً ودّع الجليل وتوجه الى اليهودية الى بيت المقدس؛ " وفيما كان يسوع صاعداً الى أورشليم أخذ الاثنى عشر (الحواريين) على انفراد، وقال لهم فى الطريق: ها نحن صاعدون الى اورشليم، وابن البشر سيسلم الى الاحبار والفقهاء، فيحكمون عليه بالموت. ثم يدفعونه الى الأميّين فيسخرون به ويجلدونه ويصلبونه، وفى اليوم الثالث يقوم" (متى 20 : 17 – 19). إنها نبوءة تصويرية للواقع المنتظر. هذه المرة، وقد تم لهم الاعداد النفسى، يصرّح بالصلب.

ثم كشف لهم عن معنى استشهاده، فى تعليمهم التواضع بحضرة الله؛ " على مثال ابن البشر (لقب يسوع): فإنه لم يأت ليُخدم، بل ليَخدُم، ويبذل نفسه فدية عن الجميع" (متى 20: 28). إن النبوءة والرسالة خدمة فى سبيل الله، وتضحية فى سبيل البشرية.

وبلغوا إلى بيت عنيا، فى ضاحية اورشليم الى الشرق. وجلس الى العشاء فى بيت سمعان الأبرص الذى أبرأه. وكان معه لعازر الذى أقامه من الموت والقبر. فاستفزت المعجزة الكبرى فى نفس مريم اخت لعازر فأخذت رطل طيب من خالص الناردين كثير الثمن، وسكبته على رجلى يسوع. فاستنكر بعض المنافقين من اصحابه ذلك، فقال لهم: " دعوها، إنها قد حفظت هذا الطيب ليوم دفنى" (يوحنا 12 : 1 – 11).

وفى الغد أتى الى اورشليم ودخلها دخول الفاتحين، فى أحد " الشعانين"، وفى زحمة العيد والنصر، وهداية بعض الأميّين المتقين عند سماعه ومشاهدته، اعتراه شعور نبوى بدنو الساعة، وهو فى زحمة الجماهير؛ فصاح: " لقد حانت الساعة التى يمجّد فيها ابن البشر (فهو يرى مجده فى استشهاده). إن حبة الحنطة، إن ماتت أتت بثمر كثير (فهو يرى فى استشهاده شهادة مثمرة للشهادة والفداء) ... الآن نفسى قد اضطربت، ماذا أقول؟ يا أبتاه أدركنى فى هذه الساعة ... ولكن، انى لأجل هذه الساعة قد أتيت ... أيها الآب مجّد اسمك! فجاء صوت من السماء: قد مجّدته، وسأمجده أيضاً. وسمع الجمهور الواقف هناك" (يوحنا 12: 20 – 30).

وقبل الاستشهاد بيومين جرى ليسوع مع السلطات اليهودية والاحزاب الدينية الجدال الأكبر فى سلطانه ورسالته. فأوجز لهم تاريخ النبوة فى اسرائيل ومكانته منه، بمثل الكرامين القتله (متى 21 : 23 – 46). وصف الأنبياء انهم عبيد الله فى كرمه. ووصف نفسه أنه الابن الوحيد لرب الكرم، والوارث الوحيد له الذى سيقتله "الكرامون" فى اسرائيل ليستولوا على الميراث، ملكوت الله. وختم بهذا التهديد: " من أجل هذا، أقول لكم: ان ملكوت الله يُنزع منكم ويُسلّم الى أمة أخرى تؤدى لله ثماره" .

وختم جداله مع اليهود بهذا الهتاف الذى يصور مصيره ومصيرهم: " يا أورشليم! يا أورشليم! يا قاتلة النبيين، وراجمة المرسلين! ... هوذا بيتكم يترك لكم خراباً! فإنى أقول لكم: انكم لن ترونى وتدركونى، من الآن حتى تشهدوا قائلين: مبارك الذى أتى باسم الرب" (متى 23: 37 – 39).

وفى خلوة ساهرة على جبل الزيتون تنبّأ لهم بخراب الأمة والدولة والمدينة والهيكل، الذى تتم فيه أيضاً نبوءة دانيال بقيام " رجاسة الخراب فى المقام المقدس" اى راية الوثنية فى الهيكل (متى24: 15) وختم بتحديد زمان تتميم النبوة: " الحق الحق أقول لكم: ان هذا الجيل لا يزول حتى يكون هذا كله قد تم! السماء والأرض تزولان، أما كلامى فلن يزول البتّة" (24: 34-35). هذا كلام وسلطان يفوق سلطان المخلوق. وقد تمت النبوءة الكبرى سنة سبعين ميلادية على يد الرومان اى فى جيل من الناس كما قال.

وفى ختام رسالته ودعوته يصرح لتلاميذه: " ان الفصح، على ما تعلمون، بعد يومين، وابن البشر يُسلم للصلب" (متى26: 1 -2). أخيراً يوجز لهم استشهاده بكلمة واحدة: " الصلب" وهو أفظع طريقة عرفتها البشرية.

وليلة الاستشهاد اختلى بصحابته فى عشاء الوداع. وكان يهوذا تلميذه الخائن قد اشترك مع اليهود فى المؤامرة على المعلم (متى 26: 14 – 16). ففضحه يسوع على العشاء: " وفيما هم يأكلون قال: الحق الحق أقول لكم: إن واحداً منكم سيسلمنى! ... ان الذى غمس يده معى فى الصحفة هو الذى يسلمنى ... قال يهوذا نفسه: يا معلم، ألعلّى أنا هو؟ قال له: لقد قلت" (متى26: 20 – 25). ثم قال له يسوع: ما أنت فاعله، افعله عاجلاً"! (يوحنا 13 : 27). ولما خرج الخائن قال يسوع لتلاميذه: " الآن تمجّد ابن البشر! وتمجد الله فيه!" (يوحنا 13 : 31).

فيسوع المسيح يرى فى استشهاده مجده ومجد الله. لأن شهادة الدم فى سبيل الله اعظم الشهادات. فاستشهد السيد المسيح صلباً، كما تنبأ.

7 - وأيد الله شهادة الدم بقيامة المسيح من الموت والقبر حياً فى مجد سماوى. وظهر لرسله وأتباعه " مدة أربعين يوماً". أخيراً ارتفع حياً الى السماء، على مشهد منهم. فتمت، فى بعثه ورفعه حياً، معجزة المعجزات.

لقد دخل المسيح العالم بمعجزة لا مثيل لها فى العالمين، وخرج منه بمعجزة لا مثيل لها فى الأنبياء والمرسلين. فأنشد القرآن بحق: " والسلام علىّ يوم ولدت! ويوم أموت! ويوم أُبعث حياً" (مريم 33).

هذا هو المسيح: اعجاز فى الشخصية! واعجاز فى السيرة! واعجاز فى الرسالة!

وهذا هو الانجيل: اعجاز فى لسان الحال، واعجاز فى الحكمة، واعجاز فى المعجزة.

التالي