بحث ثالث تنزيل القرآن بالمعنى أم بالحرف هذه المسألة قريبة من سابقتها ، و متفرعة عنها . اختلف علماء الكلام " فى المنزل الى النبى على ثلاثة أقوال : ( احدها ) انه اللفظ و المعنى ، و أن جبريل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ و نزل به على النبى . ( الثانى ) ان جبريل انما نزل بالمعانى خاصة ، و أنه صلى الله عليه و سلم علم تلك المعانى و عبر عنها بلغة العرب . و تمسك قائل هذا بظاهر قوله : " نزول به الروح الأمين على قلبك " ، لا على لسانك – فلفظ القرآن و نظمه ، فى هذه المقالة ، من محمد نفسه . ( الثالث ) ان جبريل ألقى اليه المعنى و أنه هو نفسه عبر عنه بهذه الألفاظ بلغة العرب " – فلفظ القرآن و نظمه ، فى هذه المقالة ، من جبريل نفسه ( 1 ) . و هكذا فإن قولا واحدا من ثلاثة يقول بالتنزيل باللفظ و المعنى ، و ان قولين من ثلاثة يقولان بالتنزيل بالمعنى وحده . و بما ان الاجماع على اعجاز القرآن فى لفظه و نظمه ، فالاختلاف فى التنزيل بالمعنى أم باللفظ يجعل الأعجاز معجزة مشبوهة . و الواقع القرآنى الذى يشهد بوجود الناسخ و المنسوخ فى القرآن ، و بوجود المحكم و المتشابه فيه ، و بوجود الاختلاف فى التعبير عن الشىء الواحد ، و بوجود الاختلاف فى النظم و الاسلوب بين القرآن المكى و المدنى ، و بين سور القرآن المكى و المدنى ، فإن القول بالتنزيل بالمعنى أقرب الى حقيقة الواقع القرآنى . و عليه يكون التعبير و اللفظ و النظم و التاليف من جبريل أو من النبى . و فى هذه الحالة لا يكون القرآن معجزا للخلق ، لأنه " لم يقل أحد إن كلام غير الله معجز " . فالاعجاز كمعجزة يقتضى التنزيل ، و التنزيل يقتضى أن يكون كلام الله فى القرآن قائما فى ذات الله . فهل لفظ القرآن فى ذات الله أم معناه ؟ إنه لا يصح أن تكون الفاظ القرآن فى ذات الله لأنها مخلوقة . و اذا كان معنى القرآن وحده فى ذات الله ، سقطت معجزة الأعجاز لأنها فى اللفظ و النظم و البيان و الاسلوب . فسواء كان تنزيل القرآن بالمعنى أم بالحرف ، فليس من معجزة خاصة به فى تنزيله . |