الفصل الخامس المعجزة الظرفية توطئة عامة هل في ظروف الدعوة القرآنية من معجزة ؟ قد لا تكون المعجزة في الحدث النبوي نفسه ، بل في ظروفه ، من حيث البيئة أو الزمان أو لغة النبوة ، أو حال النبي الداعية . بيئة النبوة التي لا شئ ينبئ عن منبتها قد تكون ظرفا معجزا . أمّا قيام نبوة على دعوة قائمة سبقتها ورافقتها فكانت الدعوتان واحدة ، فهذا ليس من اعجاز البيئة في شئ . والتحقيق بأن القرآن دعوة "نصرانية" يرفع عنها اعجاز البيئة . زمن ظهور النبوة ، بلا أسباب لها ولا مقدمات ، قد يكون أيضا ظرفا معجزا . أمّا متى كانت البيئة مهيّأة للدعوة ، فليس في زمن ظهور صاحبها من معجزة : إنما هو تسلسل التاريخ المحتوم . قد تكون لغة أفضل من لغة من بعض نواحيها . أمّا أن تكون هناك لغة أدعى الى استخدام الله لها لوحيه وتنزيله ، فتاريخ الوحي والتنزيل بلغات مختلفة يكذّب هذه المقولة . إن الله يكلّم الإنسان بكل لسان ؛ وكل لسان يختاره الله يكون أهلا لبيان وحيه وتنزيله . وفي اختيار الله بشرا لرسالته يكون ذلك فضلا منه على نبيه المصطفى ، لا معجزة في اصطفائه . وتاريخ النبوة عند بني اسرائيل يشهد بأن الله اختار الملك العليم الحكيم ، كما اختار ابن الشعب الأمّي فكلّ هذه الظروف مناسَبات لقيام النبوة ، إذا أرادها الله تعالى رحمة بعباده . فهل للقرآن من معجزة ظرفية حقيقية ؟ |