بحث سادس "القرآن المصفّى" إن القرآن الحالي ليس القرآن كله نزل على محمد ؛ بل هو "القرآن المصفّى" ، بعد التصفيات الثلاث التاريخية التي تنطق بها الأخبار والآثار . التصفية الأولى للقرآن كانت التصفية النبوية عينها التي كان يقوم بها النبي العربي كل سنة ، في عرْضات القرآن السنوية مع جبريل ، كما نقلوا . وظواهرها متعدّدة ، من نسيان الى تبديل الى محو ؛ ومن رفع قرآن من التلاوة الىاسقاط منسوخ منه ، حتى "ذهب منه قرآن كثير" كما سبق تفصيل ذلك التصفية الثانية للقرآن كانت التصفية العثمانية التي أتلف فيها الخليفة الثالث ستة أحرف من "الأحرف السبعة" التي أقرأ بها النبي القرآن للناس ؛ والتي أبدل فيها ترتيب القرآن التاريخ بالترتيب التنسيقي ، فظهر تيّار بني أمية في "حفظ" القرآن على تيار أهل البيت ؛ والتي أسقط فيها عثمان كثيرا من المنسوخ الذي كان يحتفظ به مصحف الإمام علي بن أبي طالب ، حتى اتهموه بأنه "غيّر المصاحف" ، وأتلف مصاحف الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين ، ومصاحف التابعين لهم بإحسان . التصفية الثالثة هي تصفية الحجاج بن يوسف ، عامل الأمويين وعميلهم ، الذي أسقط من القرآن كل ما كان فيه بحق بني أمية ، وغيّر بعض المواطن كما ذكروا بعضها الى اليوم ؛ والذي أتلف المصاحف العثمانية نفسها ، وقد أجمع الصحابة على جعلها "إمامًا للناس" . وتصفية تأتي على يد الحجاج إنما هي موضوع شبهة قتّالة لا تزول . فبعد هذه التصفيات الثلاث لم يبق بين أيدي المسلمين إلاّ " القرآن المصفّى " . وإعجاز التنزيل ومعجزته يقومان على "حفظه" كما نزل . وبما أن القرآن الحالي هو "القرآن المصفّى" فلا يصح التحدّي به . وكم كان صادقا قول المعتزلة : إن الله لم يجعل القرآن دليل النبوة . |