الجزء الأول الإعجاز في الهدى والمقيدةتوطئةسرّ الإعجاز في النظم أم في الهدى ؟ إن النبوة والتنزيل رسالة دين وإيمان وهدى ؛ وسرّ كتاب من الله في موضوعه ومعناه ، قبل أن يكون في حرفه ونظمه : فاللفظ جسم والمعنى روحه ، والعبرة بالأرواح قبل الأجسام . فإن كان في القرآن معجزة ، فيجب أن تكون في هداه قبل نظمه . والقرآن نفسه إنما يتحدّى بهداه : "قلْ : فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتّبعْه ، إن كنتم صادقين" (القصص 49) – فكانت ، بحسب تاريخ النزول ، الآية الأولى في التحدي بالقرآن ، وعنوان تحديه بإعجازه . لذلك يردّ فريد وجدي قول الأمة والجماعة بأن معجزة القرآن في نظمه ، ويراها هو في " روحانيته العالية " . يقول(1) : "أما ما ولع به الناس من ــــــــــــــــــــــــ (1) قابل : دائرة معارف القرن العشرين . مادة : قرأ – المصنف الأول من المجلد 7 ص 677 . ثم مقدمة "تفسير القرآن لوجدي" أن القرآن معجز لبلاغته ، وتجاوزه حدود الإمكان حتى وقف الإعجاز ببلاغته دون وجوه إعجازه الأخرى ، فلم نقف له على أثر في ذات القرآن ، مع أنه قد ورد ذكر القرآن في آيات عِدّة ، فلم نرَ في واحدة فيها ما يذهب إليه الآن الأكثرون ... وصف الله كتابه في هذه الآيات الكريمة بأوصاف كثيرة ، وليس من بينها واحد يشير الى بلاغته اللفظية ... ذلك أن البلاغة من الصفات الثانوية التي لا يصح أن يُمتدح بها الله في كتابه . ولو كانت البلاغة في أساس تحديه للكفار بالإتيان بسورة من سوره ، أما كان يشير إلى تلك البلاغة ولو في آية واحدة ؟ وقد أتى بعشرات منها في التنويه بحقيقته وحكمته وروحانيته" . نحن في قضية الدين ، لا في حلبة الأدب والبيان . لذلك فالإعجاز المفروض في القرآن ، قبل غيره ، هو الإعجاز في حقيقته وحكمته وروحانيته أي في الهدى . لكنّ القوم لمّا رأوا أن القرآن يتحدى "بكتاب من عند الله هو أهدى منهما" أي من الكتاب والقرآن (القصص 49) وأن "من قبله كتاب موسى إمامًا ورحمة" (الاحقاف 12 ؛ هود 17) ، فليس التحدّي بالهدى ميزة ينفرد بها ، عدلوا الى فهم تحديه بالنظم والبيان ، فحرّفوا بذلك معنى التحدي بإعجاز القرآن . إن التحدي الأول ، في كتاب الله ، بعد التنزيل ، هو التحدي بالهدى . فهل في هدى القرآن إعجاز في الهدى ؟ هدى العقيدة ؟ أم هدى التشريع ؟ أم هدى "العلم" ؟ أم هدى القصص ؟ والقول الفصل في ذلك : "فبهداهم اقتدِهْ" . |