التالي

الفصل السادس

المعجزة الموضوعية

توطئة عامة المعجزة الحقيقية تكون في المعنى قبل الحرف

ندرس في هذا الفصل أربعة أنواع من المعجزة : في العقيدة وفي الشريعة وفي "العلم" وفي التاريخ .

من المشهور أن إعجاز القرآن الأسمى هو نظمه وبيانه أي حرفه . وبما أن القرآن كتاب وحي ودين ، فمن البديهة أن تكون معجزته الحقيقية في المعنى قبل المبنى ، في الروح قبل الحرف ، في الموضوع قبل الأسلوب . لذلك فالإعجاز الأول في كتاب وحي ودين هو الإعجاز في الهدى . فمهما كانت منزلة القرآن من التبيين والبيان ، فغاية الله والإنسان هي العقيدة والإيمان . هذه هي المعجزة الكبرى . والقرآن يشهد لنفسه أنه تابع لا متبوع : "فبهداهم اقتدِهْ" (الأنعام 90) ؛ "ومن قبله كتاب موسى إمامًا ورحمة" (هود 17 ؛ الاحقاف 12) . فالقرآن يأتم بالكتاب وأهله .

وبما أن التوحيد واحد في التوراة والانجيل والقرآن ، فقد نادى بعضهم باختصاص القرآن بالإعجاز في التشريع . ووجد بعضهم معجزة له فريدة في "العلم" . وذهب بعضهم ،

بسبب "أمية" محمد إلى القول بالإعجاز في التاريخ ، أي في القصص القرآني . وفاتهم جميعا تصريح القرآن عن مصادره ، في التشريع : "يريد الله ليبيّن لكم ، ويهديكم سنن الذين من قبلكم" (النساء 46) ؛ وفي "العلم" : "وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا" (الاسراء 85) ، وهذا القليل "هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم" من قبله (العنكبوت 49) ؛ وفي التاريخ ، فإن قصص القرآن "من أنباء الغيب" المنزل في الكتاب قبله (آل عمران 44 ؛ هود 49 ؛ يوسف 102) ، فهو "من أنباء الرسل" (هود 120) ، "من أنباء ما قد سبق" (طه 99) . فهذا الواقع القرآني المشهود يشهد هل في القرآن من معجزة موضوعية في تعليمه . والمضمون يأتي قبل المنظوم .

التالي