مجتمع يثرب

مقدمة

مجتمع يثرب قبل الإسلام

مجتمع الصحابة

المرأة في مجتمع يثرب

مجتمع الذكور والإناث

الجنس في مجتمع يثرب

مشكلة " المغيبات "

حمل هذا الكتاب على جهازك

عودة الى الصفحة الرئيسية

5 ـ الجنس في مجتمع يثرب

 

لم تكن للزنا عقوبة قبل الإسلام توقعها السلطة الحاكمة خلا العقاب المعنوي الذي ينزله المجتمع بمرتكبه خاصة إن كانت المرأة الزانية من فخذ أو بطن معروف فيقوم هؤلاء بمحو عارهم بطريقتهم الذاتية ، أما الرجل الزاني فلا عقاب عليه بل كان البعض يتباهى بذلك ويعده من سمات الرجولة والفحولة وافتخر شعراؤهم بذلك.

ولذا كانت العلاقات المحرمة متفشية في مجتمع يثرب والأحاديث والأخبار التي تحمل وقائع الزنا والملاعنة تقطع بذلك ، ولعل أشهرها :

     

  1. ( واقعة زنا ماعز والغامدية فلا يكاد يخلو ديوان من دواوين السنة أو كتاب من كتب الفقه منها ، وسوف نذكرها عندما ندرس مشكلة " المغيبات " التي أشرنا إليها في مقدمة هذه الدراسة ، لأنه يتضح من سياق الحديث أن الغامدية كانت منهن.

     

     

  2. ( عن عمران بن حصين أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا فقالت يا رسول الله إني أصبت حدا )

     

    حتى الأبكار المخدرات في البيوت طالتهن تلك النزعة العارمة التي سيطرت على " المجتمع اليثربي " فأكرهتهن لشدة عرامتها على التفريط في عذريتهن :

     

  3. ( قال بصرة بن أكثم تزوجت بكراً في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى فقال النبي : - صلى الله عليه وسلم لها الصداق بما استحللت من فرجها والولد عبد لك فإذا ولدت فاجلدوها ) .

     

    الحديث ورد في واحد من الصحاح فلا مطعن فيه وصاحبة الواقعة على حد تعبير الخبر: بكر في سترها ، ومع ذلك إليها نزعة التلاقي بالآخر اقتحمت عليها عقر سترها ، فأي قوة وسلطان ؟؟

     

    وأخرى :

     

  4. ( روى أبو داود بإسناده أن رجلاً يقال له نصر بن أكثم نكح امرأة فولدت لأربعة أشهر فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لها الصداق بما استحل من فرجها وفي لفظ قال : الصداق بما استحللت من فرجها فإذا ولدت فاجلدوها ) .

     

    والدليل على أن الزوجة كانت بكر أن محمداً أمر بجلدها بعد ولادتها إذ لو كانت ثيباً لأمر برجمها.

    وهي كسابقتها سيطر عليها هاجس التماس الذكر المهيمن على مجتمعها فلم تعبأ بالتفريط في بكارتها وإلحاق العار بأهلها !!!

    وهذه ثالثة الأبكار :

    - (عن ابن عباس قال : تزوج رجل من الأنصار امرأة من بلعجلان فدخل بها فبات عندها فلما أصبح قال : ما وجدتها عذراء ، فرفع شأنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الجارية ( الشابة حديثه السن ) فسألها فقالت : بلى كنت عذراء ، فأمر بهما فتلاعنا وأعطاها المهر ) .

    حتى الجارية أي الشابة الحديثة السن التي بالكاد تخطت مرحلة الطفولة لم تصبر عن التماس بالذكر ولا يهم أن بكارتها ستزول ، إلى هذه الدرجة بلغ هذا الأمر في ذلك المجتمع !!

    وهذه أمثلة فحسب تقطع بأن الزنا كان منتشراً في المجتمع اليثربي ولم تفلت منه الشابات حديثات السن ، المخدرات في البيوت.

     

    عندما انتقل محمد إلى حنايا مجتمع يثرب وعاش فيه وخالط أهله أدرك على الفور أنه مثيل للمجتمع المكي وأن الزنا فيه عملة متداولة ونسق اجتماعي شائع تمارسه حتى الفتيات داخل أسوار البيوت ورغم رقابة الأهل والجيرة ، فتوصل إلى حل لهذه الظاهرة الاجتماعية وهو أن يتلو عليهم قرآناً يحرم الزنا ويصفه بأوصاف بشعة ويجعل له عقوبة ( حداً ) ، يختلف باختلاف الزاني فإن كان محصناً يرجم وإن كان غير محصن يجلد مائة ثم رفعت آية الرجم قراءة وبقيت حكماً .

    ولكن شرط إثبات الزنا بأربعة شهود يرون الميل في المكحلة صعب التحقيق خاصة وأن العملية تتم بداهة في الستر وفي مكان مقفول الأمر الذي يجعل إثباتها مستحيلاً فأفزع هذا الشرط صحب محمد وخاصة الغيورين منهم الذين يتوقعون أن يجدوا رجالاً يعتلون نسائهم ، فهل يذهبون لإحضار الشهود ؟ هنا يفلت الزاني والزوجة بعد أن يكونا استمتعا وقضيا وطرهما وأطفآ شهوتهما !!!

    فإذا رماها بالزنا تلك البينة المستحيلة أقيم عليه الحد طبقا للآية : " والذين يرمون المحصنات " وأرقت هذه المشكلة حتى صحابة أكابر :

     

  5. ( فقال سعد بن عبادة : والله يا رسول الله إني لأعلم أنها ( = الآية ) حق وأنها من عند الله ولكني قد تعجبت : لو وجدت لكاعاً قد تفخدها رجل ... لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله إني لا آتى بهم حتى يقضي حاجته ... فما لبثوا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية من أرضه عشياً فوجد عند أهله رجلاً فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهيجه حتى أصبح وغدا على رسول الله فقال : إني جئت أهلي عشياً فوجدت عندها رجلاً فرأيت بعيني وسمعت بأذني ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه ) .

     

     

    بداية لم يستنكر سعد بن عبادة وهو من أن يجدر رجلاً مع امرأته بل ناقش الآية باعتبار أن ذلك أمر جائز الورود ثم إن هلال بن أمية من أعيان الصحابة ومن أغنياء الأنصار وفي الخبر أنه كان عائداً من أرضه ( حيطانه وكرومه وبساتينه ونخيله...الخ ).

    ومع ذلك كانت تخونه زوجته الأمر الذي يدل على انتشار تلك الظاهرة في عوالي المجتمع اليثربي وأسافله ويفسر لنا لماذا كانت الشابة حديثة السن تفعل ذلك لأنها كانت ترى بعينها أمها وزوجات أبيها وعماتها وخالاتها يفعلن ذلك ... ونعود إلى سياق الخبر الذي انتهى بعبارة " فكره رسول الله ص - ما جاء به أي هلال واشتد عليه " ووجه الشدة على محمد أنه يعلم أن هلالاً صادق فيما حدث به وأن المرأة خؤون ولكن يرى ابن أمية خالياً من البينة أو الشهود الأربعة ... ومعنى ذلك جلده ( على ظهره ) وتخرج له زوجته وشريكها لسانيهما شماتة !!!

    وهي صورة مأساوية ومن هنا كما ورد في الحديث " اشتد علي محمد "

     

    ولكن كما رأينا فيما سلف عندما تتأزم المشكلات ويقع كبراء الصحابة في ورطة يسعفهم محمد بالحل بأن يتلو عليهم آيات من القرآن تأتي بالفرج بعد الشدة والسعة بعد الضيق إذ بعد قليل تلا عليهم آيات الملاعنة أو اللعان وهي السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة من سورة النور.

    ولم تكن زوجة هلال هي الوحيدة في ذلك بل لأن الظاهرة منتشرة فأننا نقرأ عن زوجات أخريات لاعنهن أزواجهن وسبق أن قرأنا خبر عذراء بلعجلان المتلاعنة :

     

  6. ( هناك أنصاري آخر هو عويمر بن أبيض العجلاني دخل بيته فوجد رجلاً ممتطياً زوجته فرفع الأمر إلى محمد ، وتلاعنا أمامه .

     

     

  7. ( قال الحافظ ابن حجر : اختلف الأئمة في هذه المواضع فمنهم من رجح أنها ( آيات اللعان ) نزلت في شأن عويمر ( صاحب الخبر الأخير) ومنهم من رجح أنها نزلت في شأن هلال ( صاحب الخبر الأول ) ومنهم من يجمع بينهما ) .

     

 

وسواء كانت آيات اللعان نزلت في شأن هلال أو في شأن عويمر فالذي لا شك فيه أن زوجتيهما قد زنتا وخانتاهما لأن بقية الخبرين : أن الولدين جاء أشبه بالزانيين ، والزوجتان صحابيتان بل إن إحداهما وهي زوجة هلال خاطبت محمداً في واقعة سابقة وخاطبها.

وخبرا زنا الصحابيتين زوجتى الصحابيين هلال وهو من المشهورين وعويمر ، لا يخلو منهما كتاب من كتب التفسير ولا مؤلف في الفقه على جميع المذاهب لأن هاتين الواقعتين كانتا السبب في تشريع اللعان أو الملاعنة بين الزوجين فكتب التفسير تتحدث عن اللعان عند تفسير آياته وكتب أسباب النزول تورد المناسبتين ، وكتب الفقه عند شرح اللعان وشروطه وموجباته وأثاره ، والذي دفع الصحابيتين زوجتى الصحابيين هلال وعويمر إلى الزنا معروف ومنتشر بين طبقات ذلك المجتمع كافة ، إذ لم تكن الخيانة بدافع الحاجة إذ لم يؤثر عن هلال أو عويمر الفاقة والعوزبل العكس هو الصحيح فقد ذكرنا أن هلالاً كان صاحب بساتين وأن عشية واقعة الخيانة كان راجعاً من حيطانه ولا بسبب الانتقام من الزوجين لأنهما كانا يخادنان غيرهما من النسوان ، أما إذا كان ذلك بدافع المتعة ومتعة التماس بالذكر التي كانت طاغية على الإناث في ذلك المجتمع فقد كان هلال بن أمية كما وصفته زوجته لمحمد عند تخلفه دون عذر في غزوة تبوك بقولها ( إنه والله ما به حركة إلى شيء ) عندما طلب منها محمد ألا يقترب منها ، وتلك العبارة كناية عن عجز زوجها المطلق عن المجامعة أو بتعبير صحابية أخرى : " إن ما معه مثل هدبة الثوب ! ".

 

ذلك أن هلال بن أمية من الثلاثة الذين خلفوا عن محمد في غزوة تبوك فأمر تابعيه المسلمين باعتزالهم حتى زوجاتهم ولا شك أن محمداً كان يدرك أهمية اعتزال المخلفين عن زوجاتهم ومدى وقع ذلك عليهم وتأثيره في نفوسهم لأنه سيحرمهم من الطقس اليومي الذي دأب أفراد ذاك المجتمع على ممارسته ذكوراً وإناثاً حتى ولو بطريقة غير مشروعة بل ولو أدى إلى أن تفقد الفتاة بكارتها !!!

فجاءت زوج هلال بعد أمر الاعتزال إلى محمد تستأذنه في خدمة ( =هلال ) لأنه شيخ كبير لا يقدر على خدمة نفسه فأذن لها بالخدمة بشرط عدم الملامسة فردت على محمد بتلك العبارة ... إذن كان من البديهي أن تبحث تلك الزوجة عن الشاب الفتى العفي الذي كله حركة وشدة ليروي ظمأها ويعوضها عن حرمانها وعن هرم زوجها.

 

أما الصحابي الآخر الذي خانته زوجه : عويمر بن أبيض العجلاني فكما وصفه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما " مصفراً قليل اللحم " كناية عن الضعف والمرض فكيف لا تبحث زوجه عن شاب جلد قوي صحيح يشبعها ويرضيها. هذا هو الدافع الباعث للصاحبتين زوجتى هلال وعويمر لخيانة الزوجين وهو ذاته مسيطر على أفراد ذلك المجتمع.

وفي الحالتين جاء المولود شبيهاً بالشريك الخدين أو الخليل وهو ما يقطع بزنا الزوجتين. ومن طريف ما يذكر أن هذا الشريك في الحالتين هو الصحابي شريك بن سحماء وهو رجل مكتمل الرجولة ، ظاهر الفحولة فقد شهد مع أبية عركة أحد التي وقعت في السنة الثانية والملاعنة في التاسعة ، أي خلال السنوات السبع اكتملت رجولته وتنامت فحولته وأوردت الأخبار نقطة هامة وهي أنه بلوى من بلى ولكنه كان حليفا للأنصار . أي يعرف أحوالهم ومدخلهم ومخارجهم وعلى خلطة تامة بهم وظروف نسوانهم ومن الذي زوجها شيخ ليس به حركة للمفاخذة ومن التي زوجها مصفر قليل اللحم أي ضعيف مريض لا طاقة لديه للمباطنة ... من أجل هذا تلاقت رغبته مع رغبتيهما لأن الدافع لديهم جميعاً وهم أبناء وبنات المجتمع اليثربي عارم ومتوقد .