موجز تاريخ انشقاق الكنائس

مقدمة

الفصل الأول الكنيسة الأولى الواحدة

الفصل الثاني الهرطقات والمجامع المسكونية

الفصل الثالث انشقاق الكنائس

الفصل الرابع انشقاق الكنيسة الكاثوليكية

الفصل الخامس انشقاق الكنيسة البروتستانتية

الفصل السادس انشقاق المذاهب البروتستانتية الأخرى

الفصل السابع كنائس الشرق

الفصل الثامن الكاثوليكية والبروتستانتية في مصر

الخاتمة

حمل هذا الكتاب

عودة للصفحة الرئيسية

الفصل الثالث انشقاق الكنائس


بدء الانشقاق:

رأينا في عرضنا السابق كيف كانت الكنيسة تحافظ جاهدة على دوام وحدتها فما أن تقوم بدعة لتبلبل الأفكار وتصدع بناء الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية كنيسة الله، حتى يهب أساقفة الكنائس وينادوا بضرورة عقد اجتماع عام للنظر في البدعة ومبتدعها ويصدروا أحكامهم فيها ليعيدوا تثبيت الحقائق الإيمانية الأولى.

ولكن ما من شك أن هذه البدع كانت أول معول هدم وحدة الكنيسة وأول سهم صوب إلى قلب الأم فمزقه فمن جراء هذه البدع وإزاء إصدار الأحكام فيها حدثت خلافات يطول شرحها وقد بدأ هذا الاختلاف بمجمع خلقيدونية الذي يعتبر أول خطوة في طريق الانشقاق.


مجمع خلقيدونية سنة 451م

1- سبب انعقاده:

لم يقبل بابا روما قرارات المجمع المسكوني الرابع (مجمع أفسس الثاني سنة 449م) الذي عُقد من أجل النظر في التماس أوطاخي الذي كان قد نادى كما مر بنا أن السيد المسيح بعد تجسده أصبح له طبيعة واحدة (وهذا يوافق العقيدة) ولكنه انحرف فقال أن الناسوت قد تلاشى في اللاهوت بمعنى أنه صار اختلاط وامتزاج وتغيير في الاتحاد (وهذا يخالف العقيدة) ومن أجل ذلك أوضح البابا ديسقوروس رئيس مجمع أفسس الثاني الإيمان القويم فقرر المجمع أن السيد المسيح بعد تجسده صار اتحاد اللاهوت والناسوت في طبيعة واحدة بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ورجع أوطاخي عن فكرته وآمن بمنطوق المجمع.

ولكن بابا روما رفض هذا المنطوق واتبع أسقف القسطنطينية (فلابيانوس الذي كان قد حرم أوطاخي) معتنقاً عقيدة أخرى وهي أن السيد المسيح بعد تجسده كان له طبيعتين ومشيئتين (وهذا يخالف الإيمان القويم).



2- الداعي لانعقاد المجمع:

وقد دعا الإمبراطور مرقيانوس والإمبراطورة بولخيريا لانعقاد هذا المجمع بناء على طلب أسقف روما.



3- مكان وتاريخ انعقاده:

عُقد هذا المجمع في مدينة خلقيدونية سنة 451م.





4- عدد الحاضرين:

330 أسقفاً (في رواية) و600 أسقف في رواية أخرى وكان حاضراً البابا ديسقوروس بابا الإسكندرية الذي دافع عن الإيمان دفاعاً مستميتاً ولكن إزاء حيل الآخرين ذهبت صيحاته أدراج الرياح.



5- قرارات المجمع:

وقد قرر المجمع الآتي:

( أ ) إلغاء قرارات مجمع أفسس الثاني.

(ب) تبرئة فلابيانوس أسقف القسطنطينية.

(ج) حرم أوطاخي رغم اعترافه بقرارات المجمع النيقي.

(د) عزل ديسقوروس البابا ونفيه مدعين أنه متشيعاً لبدعة أوطاخي.



ملحوظـة:

لا تعترف كنيستنا القبطية بهذا المجمع ولا بقراراته.

تقول مدام بتشر الإنجليزية في كتابها: "تاريخ الأمة القبطية" المجلد الثاني حاشية ص58 (إن بابا روما نفسه لم يكن راضياً عن مجمع خلقيدونية ولم ترق في عينيه القرارات التي أصدرها مع أنه تمكن بواسطته من سحق خصمه ديسقوروس ولكنه لم يتحصل على غايته القصوى التي كان يسعى إليها وهي التصديق من الإمبراطور أو المجمع بأولوية الكرسي الروماني وإعطائه الرئاسة على باقي الكراسي...).

ومن هذا يتضح – بكل أسف – أن السبب الخفي في الانشقاق كانت غايات شخصية وحب الذات والرئاسات!!



الانشقاق الأول



كانت نتيجة لقرارات مجمع خلقيدونية أن انقسمت الكنيسة إلى شطرين وهما:



1- الشطر الأول:

يضم كنيسة رومية وكنيسة القسطنطينية اللتين اعتنقتا المعتقد القائل بأن للمسيح طبيعتين ومشيئتين.



2- الشطر الثاني:

ويضم كنيسة الإسكندرية ومن اتبع خطواتها كالسريان والأرمن وغيرهم الذين ظلوا متمسكين بقرارات المجامع الأولى ومعتقدات أثناسيوس وكيرلس في طبيعة المسيح وهي الطبيعة الواحدة (أي اتحاد اللاهوت والناسوت بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير).



نتائج هذا الانشقاق:

كان نتيجة لهذا الانشقاق أن اضطهد قياصرة القسطنطينية الكنيسة المصرية وذلك لأن أولئك الأباطرة كان من مصلحتهم أن لا يكون هناك انشقاق في إمبراطوريتهم ولذلك حاولوا بشتى الطرق أن يثنوا الكنيسة المصرية عن إيمانها ولكن باءت محاولاتها بالفشل وأخيراً أرسل أولئك الأباطرة بطاركة من قِبلهم إلى الإسكندرية ليحلوا محل البطاركة الأقباط وعرف أولئك البطاركة المعينين من قِبل الملك بالبطاركة "الملكيين" وطبيعي كانوا من أنصار معتقد مجمع خلقيدونية.

وقد أطلق خطأ بعض المؤرخين على الأرثوذكس المصريين لقب (يعاقبه) قائلين أن ذلك نسبة إلى (يعقوب) تلميذ ديسقوروس الذي أرسله إلى مصر عقب نفيه بحكم مجمع خلقيدونية لكي يثبت الأقباط على معتقد الطبيعة الواحدة.



وعلل البعض الآخر سبب هذه التسمية نسبة إلى "يعقوب البرادعي" الذي رُسم أسقفاً سنة 541م على إقليم أديسا اسمياً فقط لأنه كان كمرسل يجول في أنحاء الولايات الرومانية لكي يضم سكانها إلى حظيرة الكنيسة المصرية.



وسواء صح هذا التعليل أو ذاك فإنه من الخطأ أن يطلق على الأقباط المصريين هذه التسمية.



وبهذا أصبح في مصر بطريركان أحدهما يختاره الأرثوذكس الأقباط والآخر يرسله القيصر ليكون بطريركاً للملكيين.



وكان الأقباط يرسمون بطريركهم سراً وكان لا يُسمح لهم بدخول الإسكندرية. وظل الحال على هذا الوضع حتى دخول العرب مصر. وتخلص الأقباط من سلطة الرومان وبطاركة الروم (الملكيين).