كتاب ... و قرار |
|
الفصل الأول
الكتاب
الفريد
مقدمة :
كثيراً ما أسمع كلمات، تتكرر كالاسطوانة المشروخة، تقول: "غير معقول أنك
تقرأ الكتاب المقدس" أو: "الكتاب المقدس كأي كتاب آخر يجب الاطلاع عليه" .. الخ.
وهناك طالب يفتخر بأن الكتاب المقدس هو من أحد الكتب الموجودة عنده، مع أن الغبار
يعلوه، وهو لـم يقرأه، لكنه يحتفظ به بين "روائع الكتب". وهناك الأستاذ الذي يقلّل من قيمة الكتاب أمام طلبته، ويضحك ضحكة نصف مكبوتة من الذين يقرأونه، ومن الذين يحتفظون به في مكتباتهم ! ولقد حيَّرتني هذه الأفكار والملاحظات، عندما حاولت كشخص بعيد عن المسيح، أن أدحض أن الكتاب المقدس هو كلمة اللّه للناس .. وأخيراً، وجدت أنها عبارات مبتذلة من أشخاص منحازين أو موتورين أو جاهلين، عبارات صارت رثَّة لكثرة استعمالها ! والحقيقة هي أن الكتاب المقدس يجب أن يُوضع في أرفع مكان، لأنه كتاب فريد. وكل الأوصاف التي وصَلْتُ إليها عن الكتاب المقدس يمكن إيجازها في أنه كتاب "فريد" !
ولا بد أن وبستر (صاحب القاموس) كان يفكر في "كتــــاب الكتـــب" عندما كتب
تعريفاً لكلمة "فريد" جاء فيه :
1
- الواحد، الوحيد، المنفرد.
2
- المختلف عن كل ما عداه، الذي لا شبيه له. ولقد صرف الأستاذ مونتيرو وليامز 42 سنة يدرس الكتب الشرقية، وكتب مقارنة بينها وبين الكتاب المقدس قال فيها ([1]): "كوِّمْ هذه الكتب على جانب مكتبك الأيسر، إذا شئت، ولكن ضع كتابك المقدس على الجانب الأيمن، وحده بمفرده، وبينه وبينها كلها مسافة. فهناك فعلاً مسافة كبيرة تفصل هذا الكتاب الواحد عنها كلها فصلاً كاملاً للأبد. إنها مسافة حقيقية، لا يمكن أن يُقام عليها جسر (كوبري) من أي عِلم أو فكر ديني". والكتاب المقدس فريد يختلف عن كل الكتب الأخرى في المجالات التالية وكثير غيرها":عودة إلى أعلى الصفحة 1 - فقد كُتب في فترة بلغت نحو 1600 سنة.
2 - في فترة أكثر من ستين جيلاً.
3 - كتبه أكثر من أربعين كاتباً، من كل مسالك الحياة، منهم الملِك والفلاح
والفيلسوف والصياد والشاعر والحاكم والعالِم .. الخ، فمنهم :
موسى القائد السياسي الذي تلقَّى تعليمه في الجامعات المصرية.
وبطرس الصياد.
وعاموس راعي الغنم.
ويشوع القائد العسكري.
ونحميا رجل البلاط الملكي.
ودانيال رئيس الوزراء.
ولوقا الطبيب.
وسليمان الملك.
ومتّى جابي الضرائب.
وبولس رجل الدين.
4 - وقد كُتب في أماكن مختلفة :
كَتب موسى في الصحراء.
وإرميا في جب السجن المظلم.
ودانيال على جانب التل أو في القصر.
وبولس داخل السجن.
ولوقا وهو مسافر.
ويوحنا في جزيرة بطمس.
وآخرون في أرض المعارك.
5 - وكُتب في أزمنة مختلفة :
كتب داود في وقت الحرب.
وسليمان في وقت السلم.
6 - وكُتب في أحوال نفسية مختلفة :
كَتَب البعض في قمة أفراحهم، وآخرون في عمق أساهم وفشلهم.
7 - كُتب من ثلاث قارات :
آسيا وأفريقيا وأوروبا.
8 - وكُتب بثلاث لغات :
العربية وهي لغة العهد القديم، وتُدعى في 2 ملوك 26:18-28 اللسان "اليهودي"
وتدعى في إشعيا 18:19 "لغة كنعان".
والآرامية، وقد كانت هي اللغة الشائعة في الشرق الأوسط إلى أن جاء الاسكندر
الأكبر (من القرن السادس إلى القرن الرابع ق.م.). (2)
أما اليونانية، لغة العهد الجديد، فكانت اللغة الدولية في زمن المسيح.
9 - أما موضوعاته فقد حوَتْ مئات المسائل الجدلية، التي تثير الخلافات الفكرية،
وتستحق المناقشة .. غير أن كل كُتَّاب الكتاب المقدس تحدثوا عن كل هذه المسائل
باتفاق كامل، وبترابط شديد، من التكوين للرؤيا، إذ شرحوا "فداء اللّه للإنسان". وقد
قال أحد المؤلفين: "الفردوس المفقود في التكوين يصبح الفردوس المردود في سفر
الرؤيا. ويُغلق باب طريق شجرة الحياة في التكوين، ولكن يُفتح للأبد في الرؤيا" (3).
ويقول كاتب آخر: "أي جزء في الجسم الإنساني لا يمكن فهمه إلا في نور ارتباطه
بالأجزاء الأخرى، وهكذا لا يمكن فهم جزء من الكتاب المقدس إلا في نور ارتباطه ببقية
الأجزاء". ثم يمضي الكاتب نفسه ليقول: "يبدو الكتاب المقدس للوهلة الأولى أنه
مجموعة كتابات أدبية يهودية، ولكن لو فكرنا في الظروف التي كُتبت فيها تلك الكتابات
لوجدنا أنها كُتبت على مدى 1400 سنة أو نحوها، من بلاد مختلفة امتدَّت رقعتها من
إيطاليا في الغرب إلى العراق وربما إيران في الشرق".
وكان الكُتَّاب من جنسيات مختلفة، تفصلهم عن بعضهم مئات الأميال ومئات السنوات، كما
كانوا من مختلف مسالك الحياة. كان منهم الملوك والرعاة والجنود والمشرّعون
والصيادون ورجال دولة وكهنة وأنبياء وصانعو خيام وأطباء ... وغيرهم ممن لا نملك
عنهم معلومات كافية. أما الكتابات فهي من مختلف أنواع الأدب، فهناك التاريخ
والقانون (المدني والجنائي والأخلاقي والديني والصحي) والشعر الديني والمقالات
القصيرة والأمثال والكتابات الرمزية وتواريخ الحياة والمراسلات والمذكرات الشخصية،
والكتابات النبوية. ومن هذا كله نرى أن الكتاب المقدس ليس مجموعة زهور، لأن وحدة
واحدة تربطه معاً. إن مجموعة الزهور تحتاج إلى من ينسِّقها، لكن الكتاب المقدس لـم
ينسّقه أحد سوى روح اللّه القدوس.
10 - خاتمة لفكرة الترابط - مقارنة مع أعظم الكتب في العالـم الغربي. ذات يوم
زارني في منزلي مندوب مبيعات ليبيع لي مجموعة كتب "أعظم الكتب في العالـم الغربي"
وعرض الكتب عليَّ، وقضى خمس دقائق يتحدث عنها، فصرفت ساعة ونصف الساعة أحكي له عن
أعظم الكتب ! ولقد تحديته أن يأخذ كتابات عشرة مؤلفين فقط، من مسلك واحد، ومن جيل
واحد ومكان واحد ومزاج واحد وقارة واحدة ولغة واحدة، في موضوع جدلي واحد (الكتاب
المقدس يتكلم عن مئات المواضيع في انسجام كامل). ثم سألته: "هل يتفق أولئك
الكتَّاب" فأجاب بالنفي. وسألته: "ماذا ستجد؟" فقال "خليطاً". وبعد يومين سلَّم
مندوب المبيعات هذا حياته للمسيح (موضوع الكتاب المقدس).
فلماذا كل هذا ؟ الإجابة بسيطة ! أي شخص يفتش بإخلاص عن الحق سيعتبر الكتاب
المقدس كتاباً فريداً.عودة
إلى أعلى الصفحة
أقدم هنا الأرقام التي أذاعتها جمعية الكتاب المقدس، وهي مأخوذة عن مجموعة
من الكتب العالمية مثل الموسوعة البريطانية والأميركية ... الخ.
لقد قُرئ الكتاب المقدس، وتمت ترجمته إلى لغات أكثر من أي كتاب آخر، كما أن
النسخ التي أُنتجت منه كله، أو من أجزاء منه، فاقت إنتاج أي كتاب آخر في التاريخ.
قد يجادل البعض بأن كتاباً ما وزّع منه - في شهر ما - أكثر من الكتاب المقدس في ذلك
الشهر، ولكن الكتاب المقدس مستمر في التوزيع. ولقد كان أول كتاب كبير يُطبع هو
الكتاب المقدس في ترجمة الفولجاتا اللاتينية، وطُبع في مطبعة جوتنبرج (4). قال
أحدهم إن جمعية الكتاب المقدس، منذ ثلاثين عاما، اضطرت أن تطبع منه نسخة كل ثلاث
ثوان، ليلاً ونهاراً، و1369 نسخة كل ساعة ليلاً ونهاراً، و876،32 نسخة كل يوم في
السنة. ومن الممتع أن نلاحظ أن هذه الكتب إن وُضعت في 4583 صندوقاً تزن 490 طناً
(5). ولـم يحدث لكتاب في التاريخ أن وُزع بهذه الكمية، باستمرار. وقد يقول معارِض :
"هذا لا يبرهن أن الكتاب المقدس هو كلمة اللّه !" ولكن هذا يبرهن أن الكتاب المقدس
كتاب فريد.
إنتاج الكتاب المقدس
هو أول كتاب تُرجم، فقد تُرجمت النسخة السبعينية، من العبرية لليونانية
عام 250 ق.م. (6). واستمرت ترجمات الكتاب المقدس منذ ذلك التاريخ ! قالت الموسوعة
البريطانية (المنشورة عام 1970) إن الكتاب المقدس حتى عام 1966 كان قد تُرجم كله
إلى 240 لغة ولهجة، كما تُرجم سفر كامل منه أو أكثر إلى 739 لغة أخرى، ونُقلت أجزاء
منه إلى 1280 لغة ولهجة. كما قالت الموسوعة إن ثلاث آلاف مترجم كانوا يعملون في
ترجمة الكتاب المقدس بين عامي 1950 و 1960. أما في سنة 1984 فكان الكتاب المقدس قد وصل إلى 1808 لغة ولهجة. ولـم يفقد الكتاب المقدس شيئاً في ترجمته، فمعجزته معجزة معنى ومُحتوى ورسالة. إنه إعلان محبة اللّه للبشر.عودة إلى أعلى الصفحة
1 - بقي خلال الزمن لقد كُتب على مواد قابلة للفناء (طالع بداية الفصل
القادم)، وكان يجب أن يُنقل بخط اليد على مدى المئات من السنين قبل اختراع المطابع،
ولكن هذا لـم ينقص من أسلوبه أو صحته أو بقائه. وتوجد اليوم مخطوطات قديمة من
الكتاب المقدس تزيد عن المخطوطات الموجودة لعشر كتب من الروائع القديمة مجتمعة معاً
(طالع الفصل الرابع). وقال أحد الكُتَّاب: "هناك ثـمانية آلاف مخطوطة للفولجاتا
اللاتينية، وعلى الأقل ألف مخطوطة من ترجمات أخرى. وهناك أربعة آلاف مخطوطة
باليونانية و13 ألف مخطوطة لأجزاء من العهد الجديد. فضلاً عن أجزاء بكاملها من
العهد الجديد يمكن تجميعها من الاقتباسات المأخوذة عن كتابات المسيحيين الأولين"
(7). ولو أننا نظرنا باستخفاف إلى هذا السيل من المخطوطات القديمة لتركنا الكتابات
الكلاسيكية القديمة كلها تضيع هباء.
قال أحد الدارسين : "حافظ اليهود على مخطوطات الكتاب كما لـم يحدث مع أي
مخطوطة أخرى. لقد حافظوا على شكل وعدد كل حرف ومقطع وكلمة وفقرة. وكانت عندهم طبقة
خاصة من الناس متخصصون في نسخ هذه المخطوطات بكل أمانة ودقة، هم جماعة "الكتبة".
فأي شخص أحصى حروف ومقاطع وكلمات كتابات أفلاطون أو أرسطو أو شيشرون أو سنيكا ؟
أمّا في العهد الجديد فعندنا 13 ألف مخطوطة كاملة أو ناقصة، باليونانية وبلغات
أخرى. ولـم يحدث لأي عمل قديم أن لقي هذا الاهتمام أو الحفظ" (8).
في مقال لمجلة "نورث أمريكان ريفيو" نشر أحدهم مقارنة ممتعة بين كتابات
شكسبير والكتاب المقدس، أوضح فيها أن الكتاب لا بد أنه لقي اهتماماً خاصاً يفوق كل
اهتمام لقيه أي كتاب آخر. وقال إنه من الغريب أن نصوص شكسبير التي صدرت منذ 208 سنة
فقط بها الكثير من المشكوك فيه ومما تناوله التغيير، بينما العهد الجديد الذي عمَّر
أكثر من 18 قرناً (عاش خمسة عشر قرناً منها في مخطوطات خطِّية) ليس به هذا العيب.
إن كل نصوص العهد الجديد (باستثناء اثنتي عشرة أو عشرين آية) مضبوطة تماماً بإجماع
العلماء. ويدور الاختلاف في القراءات حول تفسير الكلمات (المعنى) لا حول الكلمات
نفسها. هذا بينما نجد في كل رواية من روايات شكسبير السبع والثلاثين، نحو مئة قراءة
مختَلَفٌ عليها، يؤثّر الكثير منها على المعنى المقصود (5).
2 - لقد بقي خلال الاضطهادات العنيفة، إذ لـم يلقَ كتاب آخر مثلما لقيه
الكتاب المقدس من اضطهاد. حاول كثيرون أن يحرقوه ويمنعوه، منذ أيام أباطرة الرومان
حتى الحكم الشيوعي في العصر الحاضر. وقال الملحد الفرنسي المشهور فولتير (توفي عام
1778) إنه بعد مائة سنة من وقته ستكون المسيحية قد امَّحت وصارت تاريخاً. ولكن ماذا
حدث؟ لقد صار فولتير في ذمة التاريخ، وزاد توزيع الكتاب المقدس في كل جزء من
العالـم، يحمل البركة أينما وُجد. فمثلاً بُنيت الكاتدرائية الإنكليزية في زنزبار
على موقع سوق العبيد القديم. ووُضعت مائدة العشاء الرباني فوق البقعة التي كان
العبيد يُجلَدون فيها. وهناك الكثير من مثل هذه الحالة. إنَّ وضْع أكتافنا في عجلة
لنمنع دوران الشمس أسهل من أن نُوقف توزيع الكتاب المقدس. ولـم تمض خمسون سنة على
وفاة فولتير حتى استعملت جمعية جنيف للكتاب المقدس مطبعته ومنزله لنشر الكتاب
المقدس ! (1)
في عام 303 م أصدر دقلديانوس أمراً بالقضاء على المسيحية وكتابها المقدس،
بإحراق الكنائس والكتب المقدسة، وحرمان كل مسيحي من الحقوق المدنية. ولكن
الامبراطور الذي خَلَفه على العرش كان قسطنطين الذي أوصى يوسابيوس بنسخ خمسين نسخة
من الكتاب المقدس على نفقة الحكومة.
إن الكتاب فريد في بقائه، لا يسنده في هذا البقاء إلا ما جاء فيه والإعلان
الذي جاء به، لأنه من عند اللّه. وهذا يعني أنه يقف متفردا بين كل الكتب، وعلى كل
باحث عن الحق أن يدرس هذا الكتاب الفريد الذي يتميز بهذه الصفات.
3 - بقي برغم النقد. حاول الملحدون على مدى ثـمانية عشر قرناً أن يلقوا
بالكتاب جانبا، لكنه بقي كصخرة صامدة، زاد توزيعه، وزاد حب الناس له، لـم يؤثر فيه
نقد النقاد كما لا يؤثر خبط مطرقة صغيرة في بناء الهرم. عندما حاول الملك الفرنسي
أن يضطهد المسيحيين في دولته قال له محارب قديم من رجال الدولة: "يا سيدي، إن كنيسة
اللّه هي السندان الذي أبلى كل المطارق". ولقد حاولت مطارق كثيرة إيذاء الكتاب
المقدس، فبليت هي وبقي هو ! ولو لـم يكن هذا هو كتاب اللّه، لدمَّره البشر منذ زمن
طويل. لقد حاول ملوك وبابوات، وأباطرة وكهنة، وأمراء وحكام أن يمدُّوا أيديهم إليه
بالأذى، فماتوا هم، وبقي هو حياً (5). لقد أعلن البعض، آلاف المرات، موت الكتاب،
ورتّبوا جنازته، وجهزوا شاهد قبره، لكن الكتاب ظل حياً، ولـم يحدث أن كتاباً آخر
لقي كل هذه الغربلة والطعنات، فأي كتاب من كتب الفلسفة أو المذكرات لقي ما لقيه
الكتاب المقدس من تجريح، على كل آية فيه .. ولكن الكتاب المقدس بقي محبوباً من
الملايين، يقرأه الملايين ويدرسه الملايين، لأنه يملأ احتياجات الملايين.
وقد جاءت موجة ما سُمِّيت "بالنقد العالي" للكتاب، ولكنها سقطت الآن. قالوا
مثلاً إن موسى لـم يكتب الأسفار الخمسة، لأن الكتابة لـم تكن معروفة زمن موسى، فلا
بد أن الكاتب جاء بعد زمن موسى. بل إن النقاد قسموا كل آية إلى ثلاثة أجزاء، وعزوا
كل جزء إلى كاتب معيَّن، وهكذا بنوا ما دعوه "النقد العالي" !
ولكن العلم اكتشف شريعة حمورابي، الذي كان سابقا لموسى، وسابقاً لإبراهيم
(2000 ق.م.) فكانت الكتابة قبل موسى بثلاثة قرون على الأقل، ولا زال العلماء يدرسون
"النقد العالي" ولكن باعتبار أنه نظرية خاطئة.
ومضى النقاد يقولون إن أسوار أريحا لـم تسقط في مكانها كما ورد في يشوع
20:6. ولكن الحفريات برهنت صدق القصة الكتابية. وقال النقاد إنه لـم يكن هناك شعب
اسمه "الحثّيون" لأننا لـم نجد لهم مكاناً في التاريخ العالمي ولكنهم كانوا مخطئين،
فقد كشفت الحفريات عن مئات الإشارات إلى الحضارة الحثية التي استمرت نحو 1200 عام.
وقد قال العالـم اليهودي نلسون جليك (يُعتبر أحد أعظم ثلاثة علماء للحفريات) : "لقد
اتَّهموني أني أعلّم بالوحي الحرفي الكامل للكتب المقدسة، وأحب أن أقول إنني لـم
أقل هذا. ولكني لـم أجد في كل بحوثي في الحفريات ما يناقض أي عبارة من كلمة اللّه"
(9).
لقد وقف الكتاب وقفة فريدة في وجه النّقاد، لـم يثبت كتاب آخر غير في مثل
هذا الموقف كما ثبت هو. وكل من يفتش عن الحق، عليه أن يدرس هذا الكتاب ليجده فوق كل
نقد !.عودة إلى أعلى الصفحة
1 - فريد في تعاليمه النبوية. قال ولبر سميث، الذي قرأ بضعة آلاف من الكتب، إن هناك
اتفاقاً عاماً على أن هذا الكتاب أعظم ما كُتب خلال الخمسة آلاف سنة. فهناك نبوّات
متعددة عن الناس والدول والمدن، وعن مجيء شخص هو "المسيّا". ولقد كان عند الأقدمين
طرق مختلفة لمعرفة المستقبل، ولكننا لا نجد في كل الآداب اليونانية أو اللاتينية
(رغم أنهم يستعملون كلمة نبي ونبوة) أية نبوة هامة صادقة حدثت تاريخياً، كما لا نجد
بها أي نبوة عن المخلّص الآتي لينقذ العالـم (10).
2 - فريد في تاريخه. من سفر صموئيل الأول إلى سفر أخبار الأيام الثاني نجد
تاريخ بني إسرائيل عبر نحو خمسة قرون. فقد كان اليهود عباقرة في تسجيل تاريخهم، كما
أن العهد القديم هو أقدم وثيقة تاريخية. ويقول ولبر سميث: "تعلو الأمة اليهودية على
سائر الأمم في تسجيل تاريخها بوضوح معطية سلسلة الأنساب. ونحن لا نجد في كتابات مصر
أو بابل أو أشور أو فينيقية أو روما أو اليونان أي شيء مشابه، كما لا نجد ذلك في
كتابات الألمان أو الهنود أو الصينيين. فإن هؤلاء جميعاً لا يعطون سلسلة نسب الملك
قبل أن يتولى المملكة، ولا يذكرون أن جدوده كانوا رعاة أو من أهل البادية الرحَّل.
وقد ذكر الأشوريون أن حكامهم الأولين، الذين لـم يوردوا أية تفصيلات عن أعمالهم أو
عن حياتهم، كانوا من سكان الخيام، ولكنهم أغفلوا ذكر : مِن أين جاءوا ! (10).
3 - فريد في شخصياته. قال أحدهم عن الكتاب: "ليس الكتاب المقدس كتاباً
يقْدِر إنسان أن يكتبه لو شاء، أو يريد أن يكتبه لو أنه قدر". ذلك أن الكتاب يَذكر
خطايا أبطاله وعيوبهم. إقرأ سيَر حياة إنسان اليوم، وانظر كيف يحاول الكاتب تغطية
عيوب البطل، متغافلاً عن النواحي الضعيفة فيه. إنهم يصوّرون الناس كالقديسين. ولكن
الكتاب المقدس لا يفعـل ذلـك. إنـه ببســاطة
يذكرها كما هي :
إدانة خطايا الناس (التثنية 24:9).
خطايا الآباء الأقدمين (تكوين 11:12-13، 5:49-7).
يسجل كتاب الأناجيل عيوبهم وعيوب الرسل (متى 31:26-56، 10:8-26، يوحنا
6:10، 32:16، مرقس 52:6، 18:8، لوقا 24:8و25، 40:9-45).
كما يسجلون عيوبنا في الكنيسة (1كورنثوس 11:1، 1:5، 2كورنثوس 4:2 - الخ).
ويسأل البعض : لماذا يورد الكتاب قصة خطية داود مع بثشبع ؟ والجواب : أنه
يحكي جوانب القوة كما يحكي جوانب الضعف ! إنه يروي الحقيقة كما هي، الأمر الذي يكشف
لنا أنه لـم يَمْشِ على أرضنا شخص كامل واحد إلا المسيح ابن مريم !عودة
إلى أعلى الصفحة
سادساً - فريد في تأثيره على الأدب
:
قال أحد الأفاضل: "لو أن كل نسخة من الكتاب المقدس أُبيدت، لأمكن
استرداد كل الأجزاء الهامة من الكتاب المقدس من الاقتباسات المأخوذة منه في كتب
مكتبة المدينة ! وهناك كتب كثيرة توضح كيف تأثر أعظم الأدباء بالكتاب المقدس".
قال المؤرخ فيليب شاف، يصف تفرُّد المسيح: "يسوع الناصري هذا، بدون سلاح
ولا مال، هزم ملايين من الناس أكثر ممن هزمهم الاسكندر وقيصر ونابليون وغيرهم.
وألقى ضوءاً على الأمور الأرضية والسماوية أكثر مما فعل كل الفلاسفة والمعلمين
مجتمعين !
وفي عبارات بسيطة تحدَّث بكلمات الحياة التي لـم ينطق أحد بمثلها، لا قبله
ولا بعده وترك تأثيراً لا يدانيه فيه خطيب ولا شاعر. وبدون أن يكتب سطراً واحداً
أوحى للكثيرين ليكتبوا، وأعطى أفكار آلاف المواعظ والخطب والمناقشات والمؤلفات
وأعمال الفن والترانيم التي سطّرها عظماء الرجال في الماضي والحاضر".
وقال كاتب آخر: "منذ عصر الرسل وحتى عصرنا الحاضر نرى نهراً متدفقاً من
الأدب الذي أوحى به الكتاب المقدس، فهناك قواميس الكتاب وموسوعات الكتاب، وفهارس
الكتاب، وأطالس الكتاب، ومعاجم الكتاب وجغرافية الكتاب. وهناك آلاف الكتب التي تدور
حول اللاهوت والتربية المسيحية والترانيم والمرسليات ولغات الكتاب وتاريخ الكنيسة
والشخصيات الدينية والكتابات التعبدية والتفاسير وفلسفة الدين .. وغير ذلك من
المؤلفات التي لا تُعد ولا تُحصى" (5).
وقال كنث لا توريت المؤرخ المسيحي العظيم : "من براهين عظمة يسوع وتأثيره
الخارق على البشر جميعا، أن هذه الحياة التي لـم يعش مثلها أحد على كوكبنا قد أنتجت
مجلدات من الإنتاج الأدبي وسط كل الشعوب وبكل اللغات، ولا زال السيل ينهمر دون
توقف" (11).
والخاتمة واضحة :
إن ما قلناه هنا لا يبرهن على صحة الكتاب المقدس، لكنه يبرهن تفرّد الكتاب
عن كل ما عداه من كتب. وقد قال لي أحد الأساتذة: "لو أنك إنسان ذكي لقرأت الكتاب
الوحيد الذي جذب أعظم الانتباه، هذا إن كنت تفتش عن الحق".
ملحوظة :
كان الكتاب المقدس أول كتاب ديني يؤخذ إلى الفضاء الخارجي، مصوراً على
الميكروفيلم. وهو أول كتاب قُرئ هناك، فهو يصف مصدر الأرض. فقد قرأ رجال الفضاء
تكوين 1:1 "في البدء خلق اللّه" .. ولكن تأمل كيف قال فولتير إنه لن يأتي عام 1850
إلا ويختفي الكتاب المقدس.
ويمكن أن تقول إن هذا أغلى كتاب، فقد بيعت النسخة من ترجمة الفولجاتا
اللاتينية التي طبعها جوتنبرج بمبلغ مائة ألف دولار، وباع الروس نسخة قديمة من
الكتاب المقدس (النسخة السينائية) لبريطانيا بمبلغ 510 ألف دولار.
وقد كانت أطول برقية في العالـم هي نص العهد الجديد (في الترجمة الإنكليزية
المعروفة بالترجمة المنقحة RV)
التي أرسلت من نيويورك إلى شيكاغو (5).
|