الرسالة الأولى

 

أخي القارئ الكريم، أختي القارئة الكريمة

يسرنا أن نرسل رسالتنا الأولى لك بعد أن حصلنا على عنوانك من إحدى مجلات هواة المراسلة، ونود أن نتعرف بك وأن تدوم مراسلتنا. ونحن فريق للمراسلة يدعو كل الناس لمعرفة يسوع المسيح (عيسى بن مريم) ومستعدون للإجابة على أي سؤال يدور حول هذه الشخصية الفريدة. وهدفنا التعريف بالمسيحية. ونحن أشخاص عاديين ولكل واحد منا عمله وأسرته وفى أوقات فراغنا نرغب في المراسلة والتعرف على الآخرين وتقديم التفسيرات والرد على كافة الأسئلة بكل محبة وإخلاص، خاصة فيما يتعلق بالإيمان المسيحي.

ونحن نهتم بصورة خاصة بموضوع مصير الإنسان بعد رحيله من هذه الدنيا قصيرة الأجل، والحياة بعد الموت والتي تُسمى "الحياة الأبدية" والتي سوف تستمر إلى الأبد، إما في حضرة الله الحي القدير أو في عذاب أبدي. ولشرح وجهة نظرنا بالشكل الكامل، ننوي أن نرسل لك في الفترة القادمة أربعة رسائل نشرح فيها ما نقصده بشكل وجيز ونترك لك حرية تكوين رأى خاص حول المواضيع مجال المناقشة. إن كنت لا ترغب في المزيد من الرسائل، رجاء إخبارنا، ونحن لن نرسل لك أي رسالة فيما بعد. وفى رسالتنا الأولى هذه نتعرض لصحة الكتاب المقدس وخلوه من التحريف وذلك كما يعترف به القرآن، ثم قصة قصيرة بعنوان "في وادي الدموع" وفيها يتعرض الكاتب لمواضيع ونقاط مختلفة، نرجو أن تكون محل تفكيرك وتأملك. ولقد تلقينا بعض الاستفسارات من بعض الأصدقاء والتي يطلبون فيها أن نرسل لهم بعناوين أصحاب هذه السيّر الذاتية،فمن يرغب في مراسلة صاحب أي سيرة ذاتية ننشرها، عليه أن يكتب لنا ونحن بدورنا نرسل ما يصلنا إليه. وعلى أي الأحوال فأن الأهم هو ما يطرحه صاحب القصة من نقاط ومواضيع. ولنبدأ معا برسالتنا الأولى.

 

آمَنَ الرسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِليه من رَّبِهِ والمُؤمِنُونَ كُلُّ آمَنَ بِاللهِ ومَلاَئِكَتهِ

وَكُتُبهِ وَرُسُلِهِ لا َنُفَرِقُ بَينَ أحَدٍ مِن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعنَا وأَطَعنَا غُفرانَكَ

رَبَنَّا وإِلَيكَ الَمصِيرُ  سُورة البَقرةِ

يحث القرآن المسلمين في هذه الآية على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وألا يفرقوا بينهم، والتوراة والإنجيل هما بشهادة القرآن كتابان من عند الله أنزلهما الله على عباده المؤمنين. ويعنى ذلك أنه يجب عليك كمسلم الإيمان بهما وقراءتهما ودراستهما. ولكن يدّعى البعض أن التوراة والإنجيل اللذين شهد لهما القرآن بصحتهما قد حُرِفا أو زُوِرَا. وموضوع بحثنا هو مدى صحة هذه الادعاءات. وإليك بعض الآيات القرآنية التي تشهد بصحة التوراة والإنجيل:

"وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ " (آل عمران 3)، " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ" (المائدة 68) ، " وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ" (المائدة 47)، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا" (النساء 136)، "قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ" (القصص 49)، "وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ" (المائدة 43)، "وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ" (الأنعام 34)، "لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ" (الأنعام 115)، "لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ" (يونس 64 )، "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر 9)، "إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ" (المائدة 44)، "وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ" (المائدة 46)، "أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ" (الأنعام 89-90)، "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" (النحل 43)، "فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ" (يونس 94)، "سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا" (الفتح 23)، " قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (البقرة 136). فالقرآن يصف التوراة والإنجيل بأنهما نور وهدى للناس وموعظة للمتقين، ويحث أهل الكتاب على إقامة أحكامه لأن في التوراة والإنجيل أحكام الله، وأن من لا يؤمن بهما فقد فسق وضلّ ضلالاً بعيداً، وينصح القرآن المسلمين بالإقتداء بمن هداهم الله من قبل وسؤالهم في حالة الشك. وقد رفع القرآن شبهة التحريف عنهما مؤكداً أنه لا تبديل لكلمات الله لأنه الله شخصياً هو الحافظ لهما.

فالآن أيها الأخ الحبيب، إن كنت تؤمن أن الآيات القرآنية السابقة الذكر صحيحة ومُلزمة لك فيجب أن تؤمن بالتوراة والإنجيل.

والآن نود أن نعرف ما يقوله القرآن عن المسيح يسوع (عيسى بن مريم) ونقارنه بالآيات الخاصة بالنبي محمد

وفى البداية نعرض ما قاله القرآن عن تفضيل الله لبعض الرسل على البعض الآخر، ثم ذِكره للمسيح بعدها مباشرة وذلك من دون باقي الأنبياء ليُفهِم القارئ مدى تفضيل الله للمسيح الذي آتاه بالبينات وأيده بالروح القدس، وإليك الآية كاملة:

"تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ" (البقرة 253). وفى الآيات التالية سوف ترى الدرجة الرفيعة التي يتمتع بها المسيح في القرآن، فهو على سبيل المثال كلمة الله وروح منه، وجيهاً في الدنيا والآخرة، مُؤيد بالروح القدس، قادر على الخلق من الطين والإبراء من المرض وإحياء الموتى، والله قد جعله آية للعالمين وجاعل تابعيه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة، فها هي الآيات كاملة لتقرأها وتتأمل فيها:

إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَمِنْ الصَّالِحِينَ (آل عمران 45-46)،

 "قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (المائدة 110)

 إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ (النساء 171)

 وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً (المؤمنون 50)

 فَنَفَخْنَا فِيهَا (أي مريم) مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (الأنبياء 91)

 قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (آل عمران 55).

 

والآن دعنا نبحث في الآيات القرآنية التي تذكر النبي محمد رسول الإسلام لنرى مكانته الحقيقية في القرآن، فهو حسب القرآن بشر مثل باقي البشر، يجب أن يستغفر لذنبه، وهو الذي كان ضالاً لا يدري شيئاً عن الكتاب أو الإيمان، والذي انقض الوزر(أي الذنب) ظهره:

قال محمد: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ (الكهف 110)

مَا كُنْتَ تَدْرِي (يا محمد) مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ (الشورى 52)

وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ (يا محمد) وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (محمد 19)

لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ (يا محمد) مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ (الفتح 2)

وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (يا محمد) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (الشرح 2-3)

وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ (يا محمد) لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا (الإسراء 74)

أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا (يا محمد) فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى (الضحى 6-7)

اسْتَغْفِرْ لَهُمْ (يا محمد) أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ (التوبة 80)

أَفَأَنْتَ (يا محمد) تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (الزمر 19)

قُلْ (يا محمد) لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا (الأعراف 188).

 

والله يقول للنبي محمد بمنتهى الصراحة أنه إن استغفر للآخرين أو لا يستغفر فلن يغفر الله لهم، وهو يسأله بصورة نافية إن كان في مقدرته أن يُنقذ من في النار، والمحصلة النهائية وبحسب شهادة  القرآن نفسه أن محمد بالحقيقة بشراً لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً.

 

أما المسيح في القرآن فهو وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين أي أنه يشفع في أمته وتابعيه الذين وعدهم الله بأن يرفعهم على الكافرين إلى يوم القيامة.

والآن إليك القصة القصيرة.

 

 

 

في وادي الدموع

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

 

درجت العادة عند آبائي السريان أن يبدأ بعضهم كتابه في القرون الأولى قبل الإسلام بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم"، ذلك أن اِسْمُ الرَّبِّ بُرْجٌ حَصِينٌ، يَرْكُضُ إِلَيْهِ الصِّدِّيقُ وَيَتَمَنَّعُ (سفر الأمثال 18: 10). ولشغفي بالتأملات النسكية للآباء الأوائل في الكنيسة فعلت مثلما كان يفعل بعضهم واستهللت القول ب"بسم الله الرحمن الرحيم".

اقتضت الحاجة أن أعود مرة ثانية وأكتب لكم قصة اهتدائي إلى المسيحية باللغة العربية، لغتنا الأم التي أعشقها وأهيم بآدابها.

 

 

طفولتي وشبابي

اسمي إبراهيم، وكم أعتز باسمي العربي هذا، ذلك أنه اسم أبي الأنبياء. وبسبب حرصي على ضمان الأمن والسلامة لأسرتي، حتى لا يكونوا ضحية انتقام غيور مندفع، وأيضا من باب التأقلم يناديني البعض باسم "تيموثي أو تيموثاوس". ولكن ذلك لا يغير من أن واقعي هو إبراهيم، أبو خليل، ابن الفلاحين البسطاء الذي تربى على الحصيرة واللمة نمرة خمسة والجبن القريش والمذاكرة على الترعة.والجلابية البيضاء التي مازلت أرتديها حتى الآن في أمريكا.

وقبل أن أدخل المدرسة الابتدائية اصطحبتني أمي باليد وأودعتني إلى كُتّاب القرية، وهناك تعلمنا القراءة والكتابة وحفظ القرآن على يد الشيخ "...". وفي آخر الأسبوع كان يتقاضى منا "بريزة" على بعضها. في الكُتّاب ترسخت في ذهني وقلبي طاعة الله فاطر السماء والأرض. وما أن بلغت المرحلة الإعدادية حتى ازداد اهتمامي بحلقات الذكر في المساجد. في بداية مشوار التدين بدأت أحضر حلقات العبادة الصوفية لجماعة سيدي العارف بالله محمد ماضي أبو العزايم. كنا نهيم في ذات الرسول مبتهلين: "نظرة ومدد يا رسول الله".

وذات يوم بعد صلاة المغرب بمسجد المحطة، اقترب مني رجلان وتعرفا علىّ، فكان الواحد "محمد أبو إمام" والآخر "سليمان كحوش". قال أحدهما: "حرما"، فرددت: "جمعا إن شاء الله". رأيت فيهما طيبة شديدة لا أنساها وحرصا شديدا على إرضاء الله سبحانه وتعالى متزودين من خير الزاد وهو التقوى. تعرفت على بقية أصدقائهما، ذلك أنهم قوم تحابوا في طاعة الله، فبهرني عنهم ذلك لترابط العجيب. كانوا خيرة شباب بلادنا. توسموا فيّ ذلك الولع الشديد في عبادة الله ومقدرتي على الخطابة. كنت ألقي خطبة تتلو خطبة أمير جماعتنا، وذلك في الاجتماع الذي كان يُعقد في الاثنين الأول من كل شهر عربي. لا تستغربوا إذا قلت لكم أني بدأت الخطابة في المسجد وأنا لم أتجاوز الرابعة عشر من عمري. لا لوم علىّ إن فعلت هذا والشافعي كانوا يستفتونه وعمره 6 أو 9 سنوات. أذكر أني أول ما وعظت به في المسجد كان حول الطريقة المثلى للاحتفال بالمولد النبوي. كنا نجتمع على الصوم والإفطار في المسجد جماعة إن شاء الله، مقتدين بالرسول في كل شئ حتى في أصغر الأمور كطريقة مشيه وقعوده والسواك وطريقة الأكل والشرب...الخ. أدين لهؤلاء الأخوة بتشجيعي على القراءة والبحث والاستقصاء، وبسبب هذا وصلت إلى ما أنا عليه الآن.

فوجئت يوما بأحد أصدقائي يقول لأبي أن إبراهيم أحد الخطباء في الجماعة السنية. تضايقت لأن هذه الصديق وشى بي لمجرد قيامي بالدعوة الإسلامية كأحد أعضاء جماعة الأخوان المسلمين. كنا نجول من مسجد إلى مسجد لنشر الدعوة. كم كنت أتمنى لو أن والدي حاضر في المسجد أثناء إلقائي الخطبة هناك. أصدر والدي التحذيرات إلىّ المرة تلو الأخرى لعلي أتراجع عن موقفي وأبتعد عن الأخوان المسلمين لأننا كلنا كنا عارفين أن محمد منصور مُخبِر في مباحث أمن الدولة وكان يسجل خطبنا ويسلمها لمكتب أمن الدولة في المنطقة. كنت أشعر بشيء من الزهو بنفسي والأخ عبد الحكيم سالم يسجل خطبي في المسجد، لكن لا أنا ولا أبي كنا سعداء بأن اسمي وصل إلى أمن الدولة. عندئذ ضاق بوالدي الأمر، خوفا على سلامتي، فذهب إلى الإخوان المسلمين في الجامع وصرخ فيهم أمام الناس أن يبتعدوا عني. ثم أتى إلىّ وضربني وكسّر أسناني. إلى الآن السنة الأمامية مكسورة وتحمل ذكرياتي مع الإخوان المسلمين. ولأول مرة في حياتي حرق والدي كتبي الدينية خوفا علىّ من "الجماعة السنية". ثم حلف والدي بالطلاق أني لن أدخل جامع السنية هذا مرة أخرى. فاسترحمته أن يأذن لي أن أجلس خارج الجامع حتى أستمع إلى شيوخ الإخوان المسلمين دون أن أنقض يمينه، فكان يجلس إلى جواري خارج المسجد وأنا كلي آذان صاغية.

لم يثنيني التهديد ولا الوعيد عن نشر الدعوة الإسلامية، فكنت أقف بين زملائي في طابور الصباح في المدرسة خطيبا إسلاميا جهوريا. في ذلك الحين فرضت الحجاب على أختي وأحجمت عن مصافحة النساء والاستماع إلى الغناء خوفا من يصب الله الآنك (أي الرصاص المسكوب) في أذني يوم القيامة كما حذرنا الرسول. وتعرضت لكثير من السخرية والاستهزاء من الجيران لاجتهادي على تطبيق القرآن والسنة النبوية بحذافيرها. فما ذنبي إن كانوا قد قالوا لي أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان وأن "الإسلام هو الحل".

 

 

محاولة نشر الدعوة بين المسيحيين

وبينما أنا أجاهد على نشر الدعوة الإسلامية، خطر على بالي هداية أصحابي المسيحيين إلى الإسلام لعلي أفوز معهم عندئذ بالجنة. لو سألتني في ذلك الوقت عن رأيي في النصارى لأجبتك بأنهم كفار مشركين، ولكني اكتشفت من داخل القرآن نفسه عكس هذا الكلام لما جاء في سورة المائدة آية 82: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ" بموجب هذه الآية فصل القرآن بين النصارى وبين الذين أشركوا. فلو كان النصارى من المشركين لما فصل بين الاثنين. أيضا في سورة البقرة 62 يشهد القرآن للنصارى بالتوحيد والحق: "إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ".

حاولت إقناع المسيحيين بالإسلام سواء التقيت بهم في المدرسة أو المناطق المجاورة لنا أو عن طريق المراسلة مثل "جون" الأمريكي الذي ظل يراسلني بخطابات طويلة يناقشني في الدين إلى أن زارني في بيتنا فرأيت نور المسيح على وجهه يشرق أثناء صلاته. احتدم الصراع الديني في داخلي وأنا أقارن الإسلام بالمسيحية لمدة عامين. مرات كثيرة قررت فض هذا الصراع الداخلي بأن أتوقف عن مطالعة الكتب المسيحية والاكتفاء بقراءة القرآن مع مطلع كل صباح جديد والسير على هدى النبي. أردت راحة البال مطيعا لله مخلصا له الدين. هنا تخلصت من الكتب المسيحية حتى أكون مسلما موحدا بالله. لكن الله عز وجل لم يتركني لحالي، فظل ينخسني في منامي بروحه القدوس، فإذا ما آويت إلى الفراش، لم يهدأ لي بال ولم يرتح لي ضمير. قضيت الليالي الطوال بلا نوم أو راحة. تساءلت: لو أن محمد فعلا خاتم الأنبياء، فلماذا لا يأتي هو بدلا من المسيح حكما مقسطا عدلا ويكون محمد أحد علامات الساعة.لا المسيح؟ وما السر من وراء عظمة المسيح من بين كل الأنبياء، حتى صار هو مركز التاريخ؟ ألسنا نقول أن الحدث التاريخي حدث قبل الميلاد والآخر بعد الميلاد؟ ما السر وراء عظمتك يا حبيبي يا يسوع؟

 

 

 

محاولة عقد مقارنة بين المسيح ومحمد

قررت عقد مقارنة بين المسيح ومحمد، والآن اكتشفت خطأي آنذاك، وأقول لنفسي: "يا برهومة، هو المسيح بيتقارن مع حد؟!" المسيح هو الكمال المطلق وليس من العدل أن أضعه في مقارنة مع أحد من البشر، لأنه كلمة الله المتجسد.

في قلب القرآن نفسه، لا تجد المسيح يستغفر الله على أي خطية أو ذنب كما فعل باقي الأنبياء والمرسلين، لأن المسيح صدق عندما تحدى قادة اليهود قائلا: "من منكم يبكتني على خطية؟" في حين هو الذي وبّخ اليهود على تقواهم الزائف حينما أمسكوا امرأة تزني، فقال: "من منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر"، فانصرفوا عنه وضمائرهم تبكتهم.

على العكس من ذلك نجد نبي الإسلام شأنه شأن باقي البشر، فقد جاء في سورة محمد: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ (يا محمد) وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (محمد 19)، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ (يا محمد) مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ (الفتح 2) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ (يا محمد) لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا (الإسراء 74). وقد جاء في أسباب نزول الآية الأخيرة هنا: "  وأَخرج عن محمَّد بن كعب القُرظي: أَنَّه  قرأَ {وَالنَّجْمِ} إلى {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالعُزَّى} فأَلقى عليه الشيطان: تلك الغرانيق العلا وإنَّ شفاعتهنَّ لترتجى، فنزلت: {وَإنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ}، فما زال مهموماً حتى أَنزل الله: {وَمَا أَرْسَلَنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إلاَّ إذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ الله ما يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ الله...} الآية".

لم أجد في الإنجيل ما يقول أن المسيح كاد أن يركن إلى المشركين لولا أن ثبّته الله. السبب في ذلك هو ما تعلمته من دراساتي بأن المسيح هو كلمة الله. وبما أن الإنجيل قد دوِّن باليونانية، فاللغة اليونانية تشرح لنا أن المسيح هو كلمة الله من زاوية أنه عقل الله الُمعبِر. الله ناطق بالكلمة، المسيح هو عقل الله، والله وعقله ذات واحد لا تجزئه ولا انفصال ولا انقسام، ولاهوت المسيح (أي ألوهيته) لم تفارق ناسوته (أي جسده) لحظة واحدة أو طرفة عين

 

المسيح ظهر لي في رؤية

كل هذه الأفكار كانت في عقلي ولم تكن في قلبي لأني كنت أخاف أن ينزل علىّ غضب الله. لذلك صرخت من أعماق قلبي وأنا ساجد في المسجد وكذلك في البيت وقلت: يا رب اظهر لي الحق، لو الحق مع محمد فسوف أتبع محمد حتى الموت، ولو الحق مع المسيح فسوف أتبع المسيح حتى الموت، وأخدمك يا رب مهما كان الثمن. ظللت أدعو هذا الدعاء حتى ظهر لي المسيح في رؤية في حلم، وقال بصوته الحنون: "أحبك". تأملت في شدة محبة المسيح المضحية، إذ بموته على الصليب قد كفّر عن سيئاتنا، وقلت له ودموعي تنهمر على خدي: "أحبك، أعرفك، وأعرف أنك أبدي أزلي". كنت كطفل يرقص من شدة الفرح، مُسبحا الباري سبحانه وتعالى لأنه وهو قاضي العدل الديان قد قضى أمره عزّ وجل أن يموت ابنه عنا لكي لا نموت نحن في جهنم.ونصير من الخالدين فيها.

نحن لا نقول أن الله سبحانه وتعالى له ولد من صاحبة والعياذ بالله، فكل من يقول أن الله سبحانه وتعالى له ولد من صاحبة (أي زوجة)، نعتبره كافرا، لأنه ما أتخذ الرحمن له صاحبة ولا ولدا. نحن نقول أن المسيح ابن الله كولادة النور من النور، والشعاع من الشعاع، فهي بنوة روحية. فنحن المصريون أبناء النيل ومن ذلك لا نفهم أن النيل قد تزوج وأنجبنا، فليست كل ولادة ولادة تناسلية.

وما هي إلا أسابيع قلائل حتى تعمدت في السادس من سبتمبر لعام 1987 في بيت قسيس سرا، فكانت المعمودية في قلبي تاريخ ميلادي الثاني. وأنا أخط هذه السطور مضت إحدى عشر سنة على اعتناقي المسيحية. قد أوصيت زوجتي عندما أموت أن يكتبوا على قبري عبارة "المسيح منتصر". أجل كل من على هذه البسيطة فان إلا المسيح، ويبقى وجهه ذو الجلال والإكرام. كل الأنبياء قبورها موجودة للآن ويحجون إليها، أما قبر المسيح فهو فارغ، لأن المسيح الآن في السماء الملك المنصور لأنه بموته على الصليب، داس ذاك الذي له سلطان الموت. لك المجد يا حبيبي المسيح

 

 

 

آلام ما بعد الإيمان

والله لم يتخلى عني

 

تآمر أصدقائي على فضحي فدبروا لي مكيدة أفادوا منها بالأدلة القاطعة على أني تنصرت. قام أقرب أصدقائي بسرقة مذكراتي وسلمها للأخ "سليمان"، فضُرِبت ضربا مبرحا. ولما أردوا فضحي، قاموا بتصوير مذكراتي والتي تشرح أسباب إيماني بالمسيح، ووزعوا هذه الصور على الجالسين على المقاهي، وبذلك قاموا دون أن يدروا بعمل دعاية مجانية للإيمان المسيحي، مع أن هدفهم كان فضحي وإهانتي. ألم يقل يوسف لأخوته الذين رموه في غياهب الجب وأساءوا إليه: " أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرّاً، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْراً" (سفر التكوين 50: 20). المجد لاسم الله القدوس، الذي يحول الليمونة المالحة إلى شراب عذب. وكلمة الله تقول: " وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ" (الرسالة إلى رومية 8: 28).

لم تعد والدتي قادرة على السير بين الناس، إذ صاروا يشيرون إليها بأصابعهم بأن ابنها جلب عليها العار وصار مسيحيا، فقالت لي أنها تبرأت مني إلى يوم القيامة. لم يكسر قلبي غير الألم الذي سببته لوالدتي. لكن ما الحل؟ مستحيل أن أترك إيماني المسيحي، وحبي لوالدتي يزداد يوما بعد يوم، مهما أساءت إلىّ، حتى أنها في إحدى المرات ضربتني بحذائها على رأسي. ولقد لبست والدتي الملابس السوداء حدادا علىّ، لأنها اعتبرتني ميت، وقالت: "إبراهيم مات، وعلى الله العوض". وحينما تجمهر أهل البلد علينا وأرادوا ضربي أمام بيتنا، نزلت والدتي على ركبتيها أمام "السيد" تتوسل إليه ألا يؤذيني، بينما هو يهوي بقدميه في وجه امرأة مسكينة صارخا فيها قائلا: "فضحتونا يا شيخة". وإني أتعجب اليوم فما ذنب المرأة الضعيفة، أن ابنها اختار أن يشق طريقه في الحياة هكذا. ولولا تدخل "الريس عبادي" لكانوا قتلوني.

جميع أصحابي ابتعدوا عني لأنهم رأوا أني سأجلب العار عليهم ويصيرون مشبوهين بسبب إبراهيم الذي تنصر. لابد لي أن أذكر أنني صرت نزيلا مشهورا في نقطة البوليس، وكان لابد أن أبيت عندهم حماية لي ولأهلي من أهل بلدتي الذين ثاروا وهاجوا وماجوا وأرادوا حرق بيتنا. لقد حرقوا كتبي المسيحية، وصادر البوليس ما استطاع منها.استيقظت في اليوم التالي وأنا أعلم أن هناك رقابة بوليسية شديدة حول البيت لمنع دخول أي شئ يتعلق بالمسيحية إلى بيتنا، لكن كلمة الله لا تُقيد، فجاءتني كلمة الله على ورقة من جريدة "وطني" المسيحية، حيث كانت الطعمية (الفلافل) ملفوفة في الصفحة الأولى منها. وعليها مقال للبابا شنودة الثالث، وفي المقال قرأت العديد من الآيات مثل: " لا تَخَفْ مِنْ وُجُوهِهِمْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ لأُنْقِذَكَ يَقُولُ الرَّبُّ " (سفر أرميا 1: 8)، "؟ تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ! لا تَرْهَبْ وَلا تَرْتَعِبْ لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ مَعَكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ" (سفر يشوع 1: 9)...

اعتبرت حضور آيات من الكتاب المقدس مثل هذه رغم الرقابة الشديدة، علامة أكيدة أني أسير في الطريق الصحيح. في نفس اليوم الذي جاءت فيه ورقة الجورنال هذه طرق باب بيتنا شخص من أمن الدولة وبسبب الرعب قام أحد أفراد أسرتي بخطف الورقة.مني . بما فيها من آيات التعزية من الكتاب المقدس ,  وحرقها على "وابور الجاز" وفي اليوم التالي وجدت نفس ورقة الجورنال من جريدة "وطني" في الشارع الذي يوجد بجوار بيتنا.

كانت والدتي تستيقظ صباح كل يوم في الرابعة تنوح وتئن بنحيب قطع قلبي ضارعة إلى الله حتى ارجع إلى الإسلام.إن أمي عندي أغلى من أي مسلم أو مسيحي. لكن هناك من هو أغلى عندي من أمي ومن حياتي بالكامل: وهو سيدنا يسوع المسيح. إن كنت لا أحبه أكثر من نفسي، فلا استحق أن يكون لي نصيب معه. وهو بنفسه الذي قال ذلك.

جرّبت والدتي كل حيلة على وجه الأرض لإرجاعي إلى أحضان الإسلام, فذهبت إلى الشيخة لكي تعمل ليّ "عمل" (أي سحر). ولاسيما أن الجن قد آمنوا بالقرآن. لسوء حظ الشيخة أني كنت أصلي إلى الله عزّ وجل باسم يسوع المسيح، ذلك الاسم الذي يرعب الجن بشدة. فقالت الشيخة لوالدتي العبارة التالية بالحرف الواحد: "ابنك ماشي في طريق لن يتركه أبدا، وسيظل منتصرا فيه".

قصص وعجائب الله معي كثيرة وأتشجع كلما تذكرتها، وكلها علامات على الطريق، أرى فيها حنان الله الأبوي، يحملني من البداية في الطريق التي سلكتها حتى جاء بي إلى هذا المكان حيث أخط لكم هذه السطور، إحدى عشر سنة، والله لم يتخلى عني، ولو للحظة واحدة.

أتيت إلى أمريكا بواسطة فيزا طالب ودرست ماجستير في اللاهوت (أي التفقه في الدين المسيحي)، وحصلت على الإقامة عن طريق العمل، ثم تزوجت بفتاة كلها عطاء ومرح وسماحة ومحبة. لم يكن مجيئي إلى أمريكا هو نهاية الأوجاع، وإلا لما وصف الإنجيل الحياة الحاضرة، بآلام الزمان الحاضر. ولقد قال مار إسحق السرياني: "بقدر زيادة المحن تزداد النعمة". فأعلم يا أخي أنك لا يجوز لك أن تبدد أحزانك، بل استغلها لحساب الملكوت. كما أن الباري سبحانه وتعالى قد حفظها في زق عنده كما قال داود النبي، فكثرة الضيقات تتيح لنا فرصة لإنسكاب نفوسنا، فتنسكب نعمة المسيح متدفقة في قلوبنا. لذلك في أمريكا أعيش كإنسان حر، لا كهارب بحياته، يخشى انتقام أحد الجيران الغيورين، ولكن وجدت بعض الأمريكيين مستعبدين فاقدين لحريتهم، فصاروا عبيدا يعملون بالسخرة لعبودية الذات، وعرفت متنصرين دخلوا السجن فأعتقهم المسيح أحرارا، رغم جدران السجن التي تحيط بهم من كل جانب، حقا "فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ (يسوع المسيح) فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً" (إنجيل يوحنا 8: 36)

 

الخاتمة

وفي الختام أود أن أقول لك يا أخي المسلم، ويا أختي المسلمة، أن الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) كان موجودا على عهد النبي، وقد آمنت بذلك بعد بحث كثير ودراسة مستفيضة، فلا حجة لمن يقولون، أن الكتاب المقدس محرّف. وفي تفسير سورة المائدة، آية 43: "وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ" يقول الإمام ابن كثير الآتي: "وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب حدثنا هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه عن ابن عمر قال: أتى نفر من اليهود فدعوا رسول الله (ص) إلى القف فأتاهم في بيت المدارس فقالوا: يا أبا القاسم إن رجل منا زنى بامرأة فاحكم قال ووضعوا لرسول الله (ص) وسادة فجلس عليها ثم قال ائتوني بالتوراة فأتي بها فبزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها وقال: آمنت بك وبمن أنزلك"

والآن يا صديقي المسلم اعلم أنه لا يمكن أن تكون التوراة محرّفة، والرسول يكرمها ويقل فيها: ": آمنت بك وبمن أنزلك " (راجع تفسير ابن كثير الجزء الثاني صفحة 60 ، الناشر مكتبة مصر بالفجالة).

والآن اسمح لي يا أخي المسلم أن أهديك هذه القصيدة الجميلة لأمير الشعراء أحمد شوقي في ذكر ميلاد المسيح:

 

والمروءات والهدى والحياء

ولد الرفق يوم مولد عيسى

بسناه من الثرى الأرجاء

وازدهى الكون بالوليد وضاءت

من الفجر في الوجود الضياء

وسرت آية المسيح كما يسري

فالثرى مائج بها وضاء

تملأ الأرض والعوالم نورا

لا حسام، لا غزوة، لا دماء

لا وعيد، لا صولة، لا انتقام

مل، نابت عن التراب اسما

ملك جاور التراب فلما

خُشّع، خُضّع له، ضعفاء

وأطاعته في الإله شيوخ

رسموا، والعقول والعقلاء

أذعن الناس والملوك إلى ما

وعلى كل شاطئ إرساء

فلهم وقفة على كل أرض

 

أجل يا أخي المسلم ويا أختي المسلمة، يا من خططت لأجلهم هذه السطور لأنك غاية ما يهمني... هذا هو المسيح الذي أتبعه وفيه لا وعيد، لا صولة،لا انتقام، لا حسام لا غزوة ولا دماء لأجل نشر دعوته. دم المسيح يسوع هو الذي سُفِكَ فانسكبت دعوته في قلبي، هدانا الله إليه.

 

أخوكم

إبراهيم

 

 

 

إننا نُبشرك أيها الأخ الحبيب بالإيمان بشخصية يسوع المسيح العجيبة والتي ليس لها مثال بين البشر، والكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) تعطيك فكرة أوضح وأكمل عن المسيح يسوع. لذلك ننصحك بالحصول على نسخة من الكتاب المقدس لتقرأ فيها المزيد عن إعلانات الله.

 

 

 

قال السيد المسيح:

أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ.

مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلا يَجُوعُ،

وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلا يَعْطَشُ أَبَداً

(الإنجيل حسب يوحنا 6: 35)

 

 

 

 

حضرة القارئ العزيز، يهمنا جدا معرفة آرائك وأفكارك حول رسالتنا هذه، ولتسهيل المراسلة نرسل لك لاصقة بعنواننا، وما عليك إلا لصقها على مظروف وإرسالها إلينا،

 

 

النادي العربي

دعوة لمعرفة يسوع المسيح

 

A.S.

Postfach 66

A-6854 Dornbirn Messepark

Austria النمـســـا

 

www.arabic-club.de

info@arabic-club.de

 


Up الرسالة الأولى الرسالة الثانية الرسالة الثالثة الرسالة الرابعة

Up Next