معرفة الخلاص

مقدمة

الفصل الأول : إنقاذ من عقوبة الخطية

الفصل الثاني : إنقاذ من سلطان الخطية

الفصل الثالث : إنقاذ من جسد الخطيـة

حمل هذا الكتاب

عودة للصفحة الرئيسية

الفصل الثاني إنقاذ من سلطان الخطية



هذا هو المعنى الثاني للخلاص أو الجانب الثاني للخلاص. فالإنقاذ من سلطان الخطية ومحبتها لا يقل أهمية وقيمة عن الإنقاذ من قصاص الخطية وعقوبتها.

وربما يتواجه التائب مع ضعفه عن أن يتخلص من سلطان الخطية وقوتها، وقد يصل به الأمر إلى حد اليأس!!!

ولكن شكراً لله بيسوع المسيح ربنا الذي قيل عنه "فمن ثم يقدر أن يخلص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله .. إذ هو حيٌّ في كل حين ليشفع فيهم" (عب25:7).

والخلاص أو التحرير من سلطان الخطية له جانبان:

أولاً: الجانب الإلهي:

فمن المؤكد أن الرب يسوع لم يسدد الدين الذي علينا فحسب بل قد وهبنا روحه الذي يحررنا من سلطان الخطية ومحبتها والعبودية لها. هوذا معلمنا بولس الرسول يتكلم عن اختباره في هذا الأمر، فبعد أن كان يصرخ متأوِّها: "أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي .. ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو23:7،24)، نراه بعد ذلك يقول "إن ناموس روح الحياة في المسيح قد أعتقني من ناموس الخطية والموت" (رو2:8)، وقال أيضا "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في13:4).

السر في هزيمتك المتوالية يا أخي هو أنك لم تدع الروح القدس يملأ كيانك كله ليحررك من عبودية الخطية، فداوم الصلاة بثقة ورغبة كاملة كما علمتنا الكنيسة أن نقول: "أيها الملك السمائي المعزي روح الحق الكائن في كل مكان والمالئ الكل كنز الصالحات ومعطي الحياة هلم تفضل وحل فينا وطهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص نفوسنا" (الأجبية).

ومع هذا فإن قوة المسيح تسري فينا أساساً من خلال سر الميرون [أو سر التثبيت] وسر التناول [أيضا لنثبت في الرب ويثبت هو فينا]، فعندما نثبت فيه نستطيع أن نقوم بجانبنا البشري.

ثانيا: الجانب البشري:

والجانب البشري يشمل ضرورة الجهاد ضد العالم والشيطان وضد الإنسان العتيق الفاسد.

(1) الجهاد ضد العالم: معلمنا يوحنا الحبيب يدعونا إلى محاربة محبة العالم إذ يقول: "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الله. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة..." (1يو15:2-17) ولهذا ينبغي على المؤمن أن يكون في حرب دائما ليرفض عروض العالم وأفكاره التي تفصله عن الشركة مع فاديه ومخلصه الرب يسوع المسيح.
(2) الجهاد ضد الشيطان: يقول معلمنا بطرس الرسول "اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين في الإيمان …" (1بط5: 18و19) لذلك ينبغي أن نقاوم الشيطان في جهاد مقدس كل أيام حياتنا.


[أ] الجهاد ضد الإنسان العتيق: يقول معلمنا بولس الرسول "عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليُبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد أيضا للخطية... إذن لا تملكن الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته" (رومية 6: 6و12)

يلاحظ من هذا الكلام حقيقتان:

v الحقيقة الأولى: هي أن إنساننا العتيق قد صلب مع المسيح بالمعمودية.

v والحقيقة الثانية: هي أن هذا الجسد المائت لازالت له شهوات ينبغي أن لا نطيعها.

فكيف يكون ذلك؟ كيف يكون للجسد المائت شهوات؟

ويمكن حل هذه المشكلة العويصة بهذا المثال الذي يفسر لنا هذا الأمر ويحل الإشكال: فإن المجرم المحكوم عليه بالإعدام لا ينفذ فيه حكم الإعدام في قاعة المحكمة عقب صدور الحكم مباشرة، ولكنه يعاد إلى السجن لينتظر موعد تنفيذ الحكم. ففي هذه الفترة من لحظة صدور الحكم حتى تنفيذه، هل يعتبر هذا المجرم ميتاً أم لا؟

الواقع أنه ميت وفي نفس الوقت غير ميت. ميت قانونا ولكنه حي على أرض الواقع.

هكذا الإنسان العتيق الفاسد يعتبر ميتا قانونا منذ المعمودية، التي قبل فيها المعمد حكم الموت على جسده العتيق، ولكنه في الواقع لا يزال حيا حتى ينفذ فيه حكم الموت يوم المجيء الثاني للرب يسوع المسيح. ولهذا وجب الجهاد ضد شهوات هذا الجسد، وهذا هو مفهوم الجهاد الروحي ضد الإنسان العتيق الفاسد.


وعن هذا النوع من الخلاص قال قداسة البابا شنوده الثالث: "إني أخلص يارب بموتك، وأخلص بحياتك فيَّ. وهذه هي الفكرة السليمة عن الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي، نحن قد خلصنا بموت المسيح عندما متنا معه بالمعمودية، ونخلص أيضا بحياة المسيح فينا، بتسليمنا الكامل لمشيئته في حياتنا".

(كتاب الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي ص 31)

بقي أن نوضح الجانب الثالث للخلاص وهو الإنقاذ من جسد الخطية.