التالي

بحث أو ّ ل

" في معرفة إعرابه " (الاتقان 1: 180)

يقول : " من فوئد (اعرابه ) معرفة – المعنى، لأن الاعراب يميز المعاني، ويوقف على أعراض المتكلمين " .

أولاً : تشابه النظم والمعنى

وان " أول واجب عليه ان يفهم معنى ما يريد أن يعربه مفرداً أو مركباً قبل الاعراب، فإن فرع المعنى ".

وقد تشابه قوله : " وإن كان رجل يورث كلالةً “ (النساء12). قال : "انه يتوقف على المراد بها : فإن كان اسماً للميت فهو حال (يورث) خبر كان، أو صفة وكان تامة أو ناقصة وكلالة خبر. أو للورثة فهو على تقدير مضاف اي (ذا كلالة) وهو أيضاً حال أوخبر كما تقدم. أو للقرابة فهو مفعول لأجله".

وتشابه قوله : "ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم" (الحجر87) : "ان كان المراد بالمثاني القرآن (فمن) للتبعيض، أو الفاتحة، فلبيان الجنس".

وتشابه قوله : "إلا أن تتقوا منهم تقاةً “ (آل عمران28) : "وإن كان بمعنى (الاتقاء) فهو مصدر، أو بمعنى (متقى) أي أمر يجب اتقاؤه فمفعول به، أو جمعاً كرماة فحال". وتشابه قوله : "والذي أخرج المرعى،فجعله غثاء أحوى” (الأعلى4 -5 ) . قال الجلالان : "فجعله بعد الخضرة (غثاء) جافاً هشيماً ( أحوى ) أسود يابساً. قال السيوطي : "إن أريد به الأسود من الجفاف واليبس فهو صفة (لغثاء)،أو من شدة الخضرة، فحال من المرعى".

وتشابه قوله : "قالوا : ياشعيب، أصلاتك تأمرك أن نترك ما يبعد آباؤنا، أو نفعل في أموالنا ما نشاء” (هود86) فظاهر اللفظ"أونفعل في أموالنا ما نشاء "معطوف على "أن

نترك"، وذلك باطل لأنه لم يأمرهم ان يفعلوا بأموالهم ما يشاؤون، وانما هو عطف على ما هو معمول للترك، والمعنى ان نترك ان نفعل." وموجب الوهم المذكور ( أن) والفعل مرتين وبينهما حرف العطف".

ثان ي اً: التعارض بين ظاهر اللفظ ومعناه

ومن موجب التشابه التعارض بين الظهر والمعنى الباطن الذي تق ت ضيه الصناعة.

لذلك فقد تشابه قوله : " وأنه أهلك عاداً الأولى، وثموداً فما أبقى " (النجم50-51). فقد تكون ثمود معطوفاً على عاد، وقد تكون مفعول (فما أبقى) مقدماً على فعله،" وهذا ممتنع لأن (ما) النافيه لها الصدر فلا يعمل ما بعدها في ما قبلها، بل هو معطوف على عاد، أو على تقدير (وأهلك ثموداً).

وتشابه قوله : "لا عاصم اليوم من أمر الله" (هود43)،"لا ت ث ريب عليكم اليوم" (يوسف92)، فالظاهر" ان الظرف (اليوم) متعلق باسم (لا) وهو باطل، لأن اسم (لا) حينئذِ مطول فيجب نصبه وتنوينه؛ وانما هو متعلق ب م حذوف " .

وتشابه قوله : " فناظرة بم يرجع المرسلون " (النمل 35). فالظاهر ان (بم) متعلقه (بناظرة)، " وهو باطل لأن الاستفهام له الصدر، بل هو يتعلق بما بعد ه ".

وتشابه قوله : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، وان فريقاً من المؤمنين لكارهون " (الأنفال5). فقوله (كما) لا يتعلق بما قبله، بل هو ابتداء. والظاهر " اطلاق ما الموصوله على الله وربط الموصول بالظاهر وهو فاعل " (أخراجك)؛ لكنه لا يستقيم. " وأقرب ما قيل في الآية إنها مع مجرورها خبر مجذوف " مقدر من المعنى السابق.

وتشابه قوله : " إن البقر تشابه علينا" (البقرة70 ) لأن الكلام على بقرة بعينها، والقراءة الصحيحة هي : "إن البقر تشابهت علينا". يقول السيوطي : "انما اصل القراءة (إن البقرة تشابهت ) بتاء الوحدة ثم أدغمت في تاء تشابهت، فهو ادغام من كلمتين".

ثالثاً: تشابه الإعراب والمعنى

ومن موجب التشابه الالتجاء الى الأوجه البعيدة أو الضعيفة. من ذلك قوله : " وقيله : يارب ان هؤلاء قوم لا يؤمنون" (الزخرف88). فلا يعرف على أي شيء هو معطوف بالجر أو النصب. قال بعضهم انه عطف على لفظ" علم الساعة"

(85) أو محلها؛ والمعطوف عليه بعيد مفصول." والصواب أنه قسم أو مصدر (قال) مقداراً".

وتشابه قوله : " ثم آتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن " (الانعام154) : فهل (أحسن) فعل أم اسم؟ قال بعضهم : انه بالرفع لأن "أصل ه (أحسنوا) فحذفت الواو اجتزاءً عنها بالضمة. والصواب تقدير مبتدأ اي (هو أحسن).

رابعاً: من موجب التشابه في إعرابه الحذف والبتر

مثل قوله : " إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم، وإنه ل كتاب عزيز" (فصلت41) : فأين خبر (إن) ؟ قال بعضهم انه في قوله" أولئك ينادون من مكان بعيد" في ختام الآية (44). أجل انه خبر في مكان بعيد ! " والصواب انه محذوف". فما الغاية من حذفه؟ والأصح ان قوله " وانه لكتاب عزيز " قام مقام الخبر اي كفروا بكتاب عزيز.

والآيات المبتورة كثيرة، مثل الاستفتاح بهذا القسم : " ص. والقرآن ذي الذكر، بل الذين كفروا في عزة وشقاق" (ص1-2). فأين جواب القسم ؟ وما يدل عليه ويقوم مقامه؟ ولا يصح الحذف اذا لم يكن في القرائن اللفظية أو المعنوية ما يسد مسده.

وهناك امثلة عديدة يذكرها السيوطي ويحاول اخراجها مخرجاً حسناً في معرفة اعرابه، مثل" لحن القرآن عن قوله تعالى (ان هذان لساحران ) وعن قوله تعالى (والمقيمين الصلاة، والمؤتون الزكاة ) وعن قوله تعالى (ان الذين آمنوا والذين هادوا و الصائبون " – فهل هو لحن من الكتاب أو نغس في الكتبة؟ أم ان لها مخرجاً غريباً في الإعراب؟

ويختم السيوطي بفصل " فما قرىء بثلاثة أوجه الاعراب أو البناء أو نحو ذلك" (الاتقان 1 : 187 ). ويعطي على ذلك مثلاً الفاتحة : " الحمد لله : بالرفع على الابتداء، والنصب على المصدر،والكسر على اتباع الدال ال ل ام في حركتها. (رب العالمين) قرىء بالجر على انه نعت، وبالرفع على القطع بإضمار مبتدأ، وبالنصب عليه بإضمار فعل، أو على النداء. (الرحمان الرحيم) قرئا بالثلاثة". كذلك " والحب ذو العصف والريحان : قرىء برفع الثلاثة ونصبها وجرها. (وحور عين كأمثال ا ل لؤلؤ) قرىء برفعهما وجرهما ونصبهما وبفعل مضمر اي ويزوجوك"...

والعجزأو التعجيز في اعراب الكلام هل هو من حسن البيان؟

التالي