بحث سادس "في السؤال والجواب" (الإتقان1: 197)يقول : " الأصل في الجواب المطابقة للسؤال، والخروج عن الأصل يحتاج الى دليل". ومن " الاسلوب الحكيم" أن يأتي الجواب أعم من السؤال، لكن ليس من " الاسلوب الحكيم"ان يأتي أنقص. اولاً : في القرآن خمسة عشر سؤالاً صريحاً، منها أحد عشر سؤالاً شرعياً يأتي فيها الجواب مطابقاً للسؤال، لأنه توقيف من النبي المرسل. وهذه هي : " يسألونك ماذا ينفقون " (البقرة215و219)؛ " يسألونك عن الشهر الحرام : قتال فيه؟" (البقرة217)؛ "يسألونك عن الخمر" (البقرة219)؛ "ويسألونك عن اليتامى" (البقرة220)؛ "ويسألونك عن المحيض" (البقرة222)؛ "يسألونك ماذا أحل لهم" (المائدة4)؛ "يسألونك عن الساعة " (الاعراف187؛النازعات42)؛ "يسألونك عن الأنفال" (الانفال1)؛ " ويسألونك عن الجبال" (في اليوم الآخر) (طه105)- و السؤال عن النفقة، وعن الساع ة ، مكرران. ثانياً : ومنها أربعة أسئلة صريحة، غير شرعية، كان الجواب فيها أنقص من السؤال، بما لا يقتضيه أربعة الحال؛ ويظهر في الجواب تهرب من السؤال، وتردد في الجواب . السؤال الأول عن الله : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي اذا دعاني" (البقرة186). فكأنهم سألوه أين الله؟ لكن يظهر من سؤال آخر شبيه به أنهم سألوه عن ذات الله : " قالوا وما الرحمن؟ " (الفرقان60). أجاب في (البقرة163) أولاً ثم في (الحشر22) : " عالم الغيب والشهادة هو الرحمن"- فلا يأتي الجواب مطابقا ًللسؤال. لكن هل من جواب في ذات الله؟ السؤال الثاني : " يسألونك عن الأهلة ؟- قل : هو مواقيت للناس والحج " (البقرة189). هذا جواب شرعي عن سؤال كوني. فقد كانوا يسيرون بحسب التقويم القمري، لا الشمسي، ويعرفون ان يقيسوا مواقيتهم على الأهلة. السؤال الثالث : " يسألونك عن الروح ؟- قل : الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" (الاسراء85). انه يجيب اولاً : " الروح من أمر ربي" اي من عالم الأمر والخلق، فالروح مخلوق. لكن "الروح" في غير موضع فوق عالم الأمر : " ينزل الملائكة بالروح " كأنه سيدهم (النحل2)؛ وروح الله فى عيسى صادر من ذات الله : " كلمته ألقاها الى مريم وروح منه (النساء170). مما يدل على ان عقيدة الروح في القرآن من متشابهاته. ويقر ببساطة رائعة : " وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً "؛ وهذا هو جوابه الثاني النهائي، لذلك قال قوم : مضى محمد ولما يدر ما الروح؟ وهذا التردد في الجواب يظهر في السؤال الرابع : " ويسألونك عن ذي القرنين" (الكهف83). فتلا منه ذكراً، هو أقرب الى الأساطير منه الى التاريخ؛ وجعل الذي أله نفسه ليعبد من دون الله، داعياً الى ال ت وحيد في مشارق الأرض ومغاربها . وتأتي قصة أهل الكهف، والتردد باد في عدد الفتيه، وفي عدد السنين، فتعطي المثل الصارخ على ان العلم المنزل في القرآن شرعي، لا من الكونيات ولا من الطبيعيات ولا من التاريخيات. لذلك يأمره : " قل : ربي اعلم بعدتهم. ما يعلمهم الا قليل. فلا تمار فيهم إلا مراءً ظاهراً. ولا تستفت فيهم منهم أحداً" (الكهف22). أربعة مواقف متعارضة. والشهادة صريحة بأن محمداً في معارفه كان يستفتي أهل الكتاب. |