بحث رابع عشر
" في أقسام القرآن " (الإتقان2: 123)
في أقسام القرآن شبهات على اعجازه في بيانه.
يقول السيوطي : " والقصد بالقسم تحقيق الخبر وتوكيده.
أولاً: وقد قيل: ما معنى القسم منه تعالى؟
" فإنه ان كان لأجل المؤمن، فالمؤمن مصدق بمجرد الاخبار من غير قسم؛ وان كان لأجل الك اف ر فلا يفيده.
" وأجيب بأن القرآن نزل بلغة العرب ومن عادتهم القسم اذا أرادت أن تؤكد أمراً. وأجاب أبو القاسم الق ش يري : بأن الله ذكر القسم لكمال الحجة وتأكيدها. وذلك ان الحكم يفصل باثنين إما بالشهادة، وإما بالقسم، فذكر تعالى في كتابه النوعين حتى لا يبقى لهم حجة".
وعليه يجاب : العرب من عادتهم القسم. فهل ننزل الله منزلة مخلوقاته؟ واذا كانت حجة المخلوق لا تقوم إلا بالشهادة أو القسم، أتكون حجة الله بالقسم كحجة خلقة؟ ألا يكفي الحق سبحانه الخبر والشهادة. ولتصديق شهوده الأنبياء لا يأتي بقسم، بل بمعجزة ت ؤيدهم. فالقسم لا يليق بالحق سبحانه. واذا أقسم بنفسه لأنه الأعلى ولا أعلى منه يقسم به !
ثانياً: مشكل أقسام القرآن بغير الله
" لا يكون القسم إلا باسم معظم. وقد أقسم الله تعالى بنفسه في سبعة مواضع... والباقي كله " قسم بمخلوقاته..."
" فإن قيل : كيف أقسم الله بالخلق وقد ورد النهي عن القسم بغير الله؟ قلنا أجيب عنه بأوجه : أحدها انه على حذف مضاف اي (ورب التين)، (ورب الشمس)، الثاني ان العرب كانت تعظم هذه الأشياء وتقسم بها فنزل القرآن على ما يعرفون. الثالث ان الاقسام لإنما تكون بما يعظمه المقسم أو يجله وهو فوقه... القسم بالمصنوعات يستلزم القسم بالصانع لأنها تدل على بارىء وصانع".
وعليه يجاب : ان اضمار المضاف في القسم ليس من اسلوب العرب؛ وليس من اسلوب عرب الجاهلية القسم بالمصنوعات لأنه يستلزم القسم بالصانع، لأنهم كانوا على الوثنية أو الشرك. فلا يبقى إلا ان القسم في القرآن من أساليب العرب في الدين والبيان. كانت العرب تعظم في شركها تلك الكائنات فكانت تقسم بها، فصح القول : " إن العرب كانت تعظم هذه الأشياء وتقسم بها، فنزل القرآن على ما يعرفون ". لذلك فالنتيجة الحاسمة أن أقسام القرآن من رواسب الشرك في القرآن. وكيف ورد النهي عن القسم بغير الله تعالى؛ والقرآن يقسم بغير الله؟ والله نفسه في القرآن يقسم بمخلوقاته؟ إنها شبهة يحار فيها المؤمن وغير المؤمن، ولا جواب لها. فهل أقسام القرآن من اعجازه الإلهي في البيان؟
والقول الفصل ان بيان القرآن متشابه بحاجة إلى تأويل
إن آية القرآن بيانه، فهو " قرآن مبين" (الحجر1)، " بلسان عربي مبين " (الشعراء195 قابل النحل103). لكن الحق انه " فيه آيات محكمات... وأخر متشابهات" (آل عمران 7)، وما تشابه منه فهو أكثره في العقيدة والشريعة والقصص والامثال. وما تشابه منه، وهو بحاجةالى ت أويل، " وما يعلم تأويله إلا الله " (آل عمران 7) لا يكون من الاعجاز في البيان .
قالوا : " اعجاز القرآن كان بتجاوزه الحدود الانسانية في البيان ". إن الحدود والقيود في بيانه بادية عليه، فلا يصح بحال تجاوزه الحدود الانسانية في البيان، ليكون اعجازه معجزة
الهية. ان الاعجاز البيانى قائم فيه، لكنه ليس بمعجزة إلهيّة. ودليل ذلك "غرائبه التى لا تنتهى"؛ فقد ورد حديث مأثور عن أبى هريرة مرفوعاً: "أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه" ! والغرائب فى اللسان العربى المبين ليست من دلائل الاعجاز فى البيان. وبتقريره المتشابه فى بيانه، نسخ هو نفسه اعجازه فى بيانه.
_______________________________
(1) الاتقان 1 : 115 |