التالي

بحث أوّل

حديث الاحرف السبعة شبهة أولى على البلاغة القرآنية 

إن حديث نزول القرآن على سبعة أحرف، "باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني" كما فسره الطبري، حديث صحيح متواتر مشهور، مهما حاولوا تجريده من معناه بتأويلات مختلفة. وحديث الأحرف السبعة له ظاهرتان. لأولى نزول القرآن على سبعة أحرف، والثانية تلاوة القرآن على سبعة أحرف أي نصوص. هذا الواقع المزدوج فيه شبهة على البلاغة القرآنية. فما معنى تنزيل الوحي الواحد على سبعة احرف أي نصوص؟معنى واحد يبلغه النبي عن الله بسبعة نصوص أو أحرف، لاتزيد في المعنى، أهذا وجه من بلاغته؟ وتغيير الالفاظ، مع اتفاق المعنى الواحد، هل يزيد المعنى شيئاً؟ إن كثرة التعابير للمعنى الواحد قد تحجب بلاغته عن المخاطبين. وهي خبرة دائمة، كل بلاغ بتعدّ د تعابيره قد يضيع على السامعين.
قد يقول قائل: إن تنوّع البلاغ بحسب طبقة وطاقة المبلَّغين فيه اعجاز لتفاوتهم في الفهم والاستيعاب. ولكن المخاطبين في مكة كانوا طبقة واحدة في الثقافة؛ نخصّ منهم بالذكر "ملأ قريش" الذي عارض النبي. فلا داعي لتكرار البلاغ الواحد بصيغ مختلفة. إلاّ اذا قبلنا المفاهيم وجعلنا اللفظ هدف التنزيل الأول، والمعنى هدفه الثاني.

قد يقول قائل أيضاً: ان المعنى هدف البلاغ الاول؛ لكن تنوع التعبير عنه كانت المعجزة اللغوية البيانية التي تشهد له أنه من اللّه. انها حجة ظاهرة واهية؛ لأن الأصل هو البلاغ نفسه؛ والاعجاز البياني ليس في التعدّد بل في الحرف الواحد نفسه. فنزول القرآن على سبعة أحرف – وإن كان خارقة لا يستسيغها عقل – هو شبهة على الأعجاز في بلاغته. واسقاط ستة أحرف منها برهان على انها معجزة ليست بضرورية، ومحال على الله العبث في بلاغاته ورسالاته.

وتلاوة القرآن على سبع ة أحرف تزيد في الشبهة. لأن المعنى الواحد الذي يُتلى على سبعة أنواع من الألفاظ قد يذوب فيها، لاتحاد الدليل والمدلول عليه في وحدة لفظية معنوية قائمة بنفسها. والمعنى يتجسد في اللفظ، فإن تجسّد في لفظ آخر أعطاه هذا اللفظ الجديد مدىً حيوياً آخ ر ، كالنفس البشرية الواحدة لا تختلف إلاّ بأختلاف المكوّنات الجسمية التي هي أدوات وجودها و حياتها، وان كان الوجود والحياة للنفس لا للجسد. والسر في المعنى لا في ثوبه اللغوي.

فتلاوة القرآن الواحد على سبعة أحرف شبهة لغوية على سلامته في بلاغه وبلاغته، فينقضون بهذا الحديث، من حيث يدرون أو لايدرون، أعجاز القرآن في البلاغ والتبليغ والبلاغة. إن تعدد البلاغ الواحد، تنزيلاً أو تلاوةً، شبهة على بلاغته من هذا التعدّد نفسه. كما أن تعدّد وتنوع الاجساد البشرية يعمل على تعدّد وتنوع النفوس البشرية الواحدة في جوهرها. فإن المعاني ارواح، والألفاظ أجساد لها.

التالي