التالي

بحث ثان

النظم فى الزبور

إن كتاب المزامير قد جُمع فى خمسة أجزاء، كما قُسم كتاب موسى الى خمسة اسفار. والزبور كله شعر دينى من مائة وخمسين سورة أو قصيدة. نرى فيها جميع الفنون الأدبية من دعاء وترنيم، الى قصص وتعليم.

نختار من الزبور مزموراً صغيراً، ومزموراً طويلاً، نستبين منهما الاسلوب فى النظم.

أولاً: المزمور التسعون: عناية الله بعبده (بأسلوب حوار تمثيلى)

 

"الساكن فى كنف العلىّ

المقيم فى حمى القدير

(نداء أول)

يقول لله: انت سورى وملاذى

انتَ الهى الذى عليه اعتمادى

(صوت أول)

وهو من فخّ الصيادين ينقذك

وعن الوباء الفتّاك بمنكبيه يحجبك

 

أجنحته تكون لك معتصماً

وحقُه يكون لك مجناً وترساً

 

فلا تخاف من هول فى الليل

ولا من سهم طائش فى النهار

 

لا من وباء يسرى فى الدجى

ولا من غائلة تجتاح فى الظهيرة

 

الف يسقط عن جانبك

وربوة عن يمينك

 

وأما أنت فلا يدنو سوء منك

وبعينيك تنظر وتشاهد عاقبة الفاسقين

(نداء ثان)

- وأنا قلتُ: ربى ملجإى!

- جعلت العلى ملجأك

(صوت ثان)

فلا شر يصيبك

ولا مصيبة تدنو من خبائك

 

حرصاً عليك أوصى ملائكته بك

ليحفظوك فى جميع طرقك

 

على ايديهم يحملونك

لئلا تصدِم بحجر رجلك!

 

تطأ السبع والأفعى

وتدوس الشبل والتنين

(صوت الله)

- أجل أنجيه لأنه تعلّق بى

وأقيه لأنه عرف اسمى

 

يدعونى فأستجيب له

أنا فى الضيق معه

 

أنجيْه وأُعلى شأنه

أملأه حياة وأريه خلاصى

ثانياً: المزمور 103 : نشيد الحمد على الخلْق

إحمدى، يا نفس، الله

لبست الجلال والبهاء

أنت الباسط كسَجْف السماء

يا ألله إلهى ما أعظمك!

ملتحفاً بالنور كرداء!

البانى على المياه علاليّه!

انت الجاعل السحاب مركباً

الصانع من الرياح رسلاً

انت المرسى الأرض على أسسها

كسوتها الغمر رداءً

عند زجْرك تفرّ هاربة

تقفز الجبال، وتهبط الوديانَ

هناك أقمتَ لها حداً لا تجاوزه

ثم تفجّر الشعاب عيونا

تسقى وحوش البرّ كلّها

طير السماء تتجمع عليها

أنت تسقى الجبال من علاليك

تنبتُ الكلأ للحيوان

فيخرج من الأرض قوت:

وزيت يُزهر به وجهه

ترتوى اشجار الله

هناك يعشش العصفور

للوعول الجبال الشامخات

أنت الذى جعل للقمر حسباناً

تُرخى الظلام فيشمل الليل

تزأر السباع فى اعقاب طرائدها

تشرق الشمس فترتد

فيخرج الانسان الى عمله

ما أعظم أعمالك، يا الله

فالأرض من خلائقك ملأى

السائر على أجنحة الريح

ومن ألسنه النار خدماً

فلا تميد الى دهور الدهور

وعلى الجبال تقف المياه اكليلاً

وعند هزيم رعدك تنهزم

الى حيث كان لها مكان

ووجه الأرض لا تعود تغمره

فتسيح من جديد بين الجبال

وبها تطفئ الفراءُ ظمأها

وتطلق من بين الأيك تغريدها

فتشبع الأرض من خيراتك

والنبات الذى ينفع الانسان

خمر تفرّح قلب الانسان

وخبز يشدد قلب الانسان

أرز لبنان الذى غرسه

ويأوى اللقلق الى أعاليه

وللأرانب الصخور والناتئات

وعرّف الشمس مغاربها

فيه يجوس وحش الغاب

وهى تطلب من الله طعامها

وفى مآويها تربض

والى حاجته حتى المساء

كُلها صادرة عن حكمة

وهذا اليمّ ُ العظيم ذو الخلجان كالأيدى


هناك دبابات لا عدد لها

هناك تمرح الحيتان

وكلها إياك ترجو

أنت تعطيها فتتجمّع

تصرف وجهك فتهلع ذعراً

ثم ترسل روحك فيخلقها

لله الحمدُ الى الأبد

ينظر الى الأرض فترجف

أشيد لله مدى حياتى

لعلّ نشيدى له يرضيه

احمدى ، يا نفس، الله

حيوانات صغار وكبار

وهذا التنين الذى كونته يلعب فيه

ان ترزقها طعامها فى حينه

تبسط يدك فتشبع

تقبض انفاسها فتفنى ترابا

وتجدد وجه الأرض كلها

ولإلهنا الفرح فى أعماله

ويمس الجبال مساً فتدخن

أرنم لإلهى على الدوام

أمّا أنا فإن فرحى بالله!

الحمد لله!

(1) هذا المزمور يصف الخليقة كما فصلها سفر التكوين فى الفصل الأول. ففى التوراة وصف كلامى، وفى المزمور وصف شعرى

التالي